يُقال أن الزعماء إذا تهادوا السلاح كهدية بين بعضهم فهي دلالة على ظرف خطير بعدها ليس أقلها “الحرب” وفي التاريخ أمثلةٌ على ذلك لمن أراد الإطلاع. وحديث هدية السلاح من ملك البحرين لفلادمير بوتين كان الشغل الشاغل للناس على وسائل التواصل الاجتماعي في تفسير دلالاته فضلا عن أبعاد الزيارة نفسها.
ففي زيارة ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة إلى روسيا منذ يومين أهدى الملك الرئيس الروسي سيفًا دمشقيًا صُنع خصيصًا بناًء على طلب شخصي من الملك فالمقبض مصنوعٌ من معادن ثمينة والسيف من الفولاذ الدمشقي، وكُتب على السيف عبارةٌ تقول “سميناهُ سيف النصر والنصر سيكون حليفك” يقصد في سوريا، فالملك ينظر إلى دور روسيا في المنطقة من منظور أنها المخلص من شرور المنطقة وهي “تساعد سوريا على الخروج من المحنة الصعبة” على حد قوله، و”يحث دول العالم للتعاون معها لتثبيت الأمن والاستقرار في سوريا”.
دعوة الملك لدول العالم للتعاون مع روسيا لثبيت الأمن في سوريا يُفهم منها في ظل ما تقوم به القوات الروسية في سوريا؛ مساعدتها في قتل البشر والحجر من خلال القصف الجوي المكثف بالطيران والقصف المدفعي العنيف على المناطق السورية الآهلة بالسكان والخاضعة لسيطرة المعارضة السورية بغية قتل وتهجير السكان هناك والتي أفرزت نزوح آلاف السوريين من ريف حلب الشمالي إلى الحدود التركية هربا من الموت، وإرغامهم الرجوع عن ثورتهم والعودة لبيت الطاعة الأسدي، وإعادة رسم المنطقة من جديد تبعا لما تريده القوى الدولية بالتعاون مع القوى الإقليمية، هكذا يجب على دول العالم أن تساعد روسيا في سوريا في “حربها المقدسة” كما يرى ملك البحرين.
والحقيقة أن المرء يحتار كيف يدل شخص ما عن مكان مملكة البحرين في الخريطة العالمية! فإذا أشار إليها بإصبعه الصغرى اختفت خلفها! عدد سكانها مليون وربع، نصفهم من غير المواطنين يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي نحو 43 مليار دولار، وقد أصبحت برأي بوتين شريك هام واستراتيجي لروسيا في الخليج والشرق الأوسط، حيث تظهر جدول العلاقات بين البلدين أن الملك زار روسيا في عام 2014 في منتجع سوشي على البحر الأسود ووضعوا خططًا محددة للدفع بالعلاقات بين الدولتين في مجال التجارة والاستثمار والطاقة والمال، وفي تلك الزيارة قال الرئيس بوتين للملك الضيف:” صحيحٌ أننا لا نستطيع التباهي بحجم العلاقات الاقتصادية بين بلدينا، ولكن العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع بلدكم البحرين كانت طيبة جدًا على الدوام وآمل أن تتكلل زيارتكم لبلدنا بالنجاح وأن يتم اجتماعكم مع حكومة روسيا الاتحادية على مستوى عملي جيد”.
وبالفعل تم تعزيز العلاقة التجارية بين البلدين بشكل عملي في الزيارة الأخيرة منذ يومين في نفس المنتجع حيث تم عقد اتفاقية بين البحرين وروسيا لاستيراد الغاز الطبيعي من روسيا، وأعلنت البحرين أنها ستنشئ على أراضيها مركزًا لتوزيع الغاز المسال وأنها اتفقت مع موسكو على استيراد هذا المنتج وعرضت عليها استخدام المركز لتوزيعه في الخليج بحسب عبد الحسين بن علي وزير الطاقة البحريني.
ولكن لماذا تختار البحرين روسيا! وقطر أكبر منتج للغاز المسال تبعد عن البحرين مسافة 150 كيلو متر، وكانت وقعت قطر وباكستان منذ يومين عقد بتوريد الغاز المسال لها بقمية 15 مليار دولار لمدة 15 سنة فهل البعيد أولى من القريب!.
فيما يبدو أن العلاقة بين قطر والبحرين ليست على ما يُرام و”توصف العلاقة بينهما بغير الجيدة” على حد تعبير “إبراهيم العلبي” الكاتب والصحفي السوري متكلمًا ل”نون بوست”، ولعل الهدية أيضًا هي تعبير عن جدية زيارة الملك لروسيا وتمتين العلاقة السياسية والاقتصادية بين البلدين بعكس الانطباع السائد عن العلاقات الخليجية الروسية كما يقول العلبي.
وفي قراءة أخرى لأبعاد الزيارة يرى آخرون أن البحرين تسعى لضمان روسيا إلى صفها ضد إيران التي تسعى لزعزعة الاستقرار في المملكة كلما سنحت لها الفرصة وتقوّي شأفة الشيعة الذين يشكلون أكثرية في المملكة ضد الحكومة.
ولدى سؤال نون بوست للباحث في شؤون الشرق الأوسط “عبد الرحمن السراج” حول تأثر الملف السوري بزيارة ملك البحرين إلى روسيا يرى السراج ” الزيارة لن يكون لها تأثير على الملف السوري، فالبحرين في النهاية ليست فاعلًا رئيسيا في الصراع. وقد تأتي الزيارة بالنسبة للبحرين في إطار تمتين العلاقة مع دولة أصبحت فاعلًا رئيسيًا في الشرق الأوسط وهي روسيا، أما بالنسبة للملف السوري فهو أعقد من أن تؤثر عليه أو تغير موازينه حتى الدول الإقليمية الكبيرة مثل السعودية وتركيا وإيران، فمنذ الدخول الروسي المباشر في سوريا في أيلول الماضي انتقل الملف السوري إلى المستوى الدولي”.
ولكن هل الزيارة البحرينية لروسيا تعبر عن نوايا خليجية بالعموم أم بحرينية فقط من شأنها تقريب وجهات النظر بين الخليج وروسيا، وحول هذه النقطة يجيب العلبي إن “الزيارة هي جزء من توجه خليجي يشمل السعودية والامارات وقطر وحتى الكويت يقضي بإيلاء العلاقة مع روسيا أهمية أكبر من السابق وطرح الملفات الإقليمية المختلف حولها على مائدة الحوار بدلًا من انتظار الحليف الأمريكي حيث سبق زيارة ملك البحرين زيارة أمير قطر وقبلهما وزير خارجية الإمارات وزيارات متبادلة أخرى”.
إلا أن توقيت الزيارة يدفع للريب ففي الوقت الذي تدفع السعودية نحو خيار التدخل العسكري البري لقواتها في سوريا لقتال داعش من جهة والدخول في مفاوضات مرتقبة بين أوبك وروسيا لإعادة الاستقرار لأسواق النفط من جهة أخرى، أضف إلى ذلك الدور المتراجع لإدارة أوباما في المنطقة والسماح لروسيا بالتحكم في المشهد السوري، أتى توقيت هذه الزيارة، بالتالي يظهر أن هناك إعادة قراءة للعلاقات الخليجية الروسية بعد توتر سابق معها، فالدول الخيجية لم يصدر منها أي بيان حيال التدخل الروسي في سوريا يشجب أو يندد به، ولا تريد أن تكون خارج إطار السياسة العالمية المرسومة للمنطقة، أما عن تدخلها البري فهي تسعى لفتح جبهة قتال ضد داعش للتخلص منها في سوريا قبل أن تنتقل إلى أراضيها لذلك تدخلها البري هو خدمة لأمن حدودها ضد التنظيمات المتطرفة وليس ضد النظام السوري.
أما عن سياسة البحرين فيصفها العلبي بأنها “لا يمكن أن تخرج عن سياسة السعودية إطلاقا، وما فعله ملك البحرين بدون شك بتكليف من الرياض، ولعل الهدف منه جر روسيا قليلا نحو زاوية الحوار والتفكير في الدخول بتسويات أيا كانت مع السعودية في ملفات سياسية أو اقتصادية”.
في النهاية يبدو أن روسيا أصبحت تمتلك كل أوراق الوكالة المطلقة لحل الأزمة السورية والتحكم بمجريات الأحداث، لذلك توجهت أنظار الدول الخليجية إليها لتعزيز العلاقة معها أكثر ونبذ الخلافات فيما بينها.