لا يمكن بحال من الأحوال التجاوز عن دور ما يُعرف بالتنظيم الدولي، في الأزمة الحالية التي يعانيها الإخوان المسلمون في مصر على مختلف المستويات والأطر في الوقت الراهن، سواء على مستوى الأطر الإدارية في الداخل المصري، أو الأطر الثورية التابعة لمكتب الإخوان المصريين بالخارج، وكان آخر مظاهرها الاستقالة “الجماعية” التي تقدم بها عدد من قيادات ورموز المجلس الثوري المصري.
ولعل أهمية هذه الاستقالة، وما طرحه الأمين العام للمجلس، المهندس محمد شريف كامل، حول أسباب هذه الاستقالات، والتي تُعتبر الحلقة الأحدث في الانقسامات داخل الجماعة، هي التي تجعلنا نقف أمامها بالتمحيص، لأنها – في أبسط تقدير – جزءٌ مهم من الحديث عن دور وموضع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، في الأزمة الحالية لإخوان مصر.
ولتأكيد هذه العلاقة فإننا – كما تعلمنا في العلوم الشرعية والأكاديمية – يجب علينا أولاً تحرير المصطلح الرئيسي الذي نتناوله في هذا الموضع، وهو التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي حقيقة الأمر، فإنه لم تعرف أدبيات الجماعة غموضًا بشأن أحد أطرها مثلما عرف الإطار المسمى بالتنظيم الدولي، سواء على المستوى المفهوم أو على مستوى الاصطلاح والمقاصد، لدرجة أن ظهرت بعض الأصوات، من قيادات الجماعة نفسها، مثل الدكتور يوسف ندا، المفوض السابق للعلاقات الدولية داخل الإخوان المسلمين، تنفي وجود مثل هذا الإطار التنظيمي.
إلا أنه لا يمكن – من خلال التاريخ المثبت للجماعة – نفي وجود هذا الإطار التنظيمي بالإطلاق، حيث إن هناك أكثر من إطار تنظيمي ظهر في العقود الماضية حمل في طياته بذور تأسيس التنظيم الدولي على النحو المتعارف عليه في الوقت الراهن.
الإطار الأول، كان عبارة عن مكتب أو مجلس تنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين ضم في عضويته أفرع الجماعة في الدول العربية والإسلامية، وغيرها مما تأسست فيه مكاتب للإخوان، في عهد مؤسس الجماعة، الإمام حسن البنا، ولكن هذا المكتب توقف نشاطه بعد صدام الإخوان الأول مع نظام عبد الناصر، في العام 1954م.
ولكن في الستينات، ظهرت الحاجة إلى إعادة إحياء هذا المكتب، بعد الصدام الثاني بين الإخوان وعبد الناصر، إثر القضية المعروفة بالتنظيم القطبي، عامَيْ 1965 و1966م، حيث إن ضرورة ملحة ظهرت لإعادة إحياء هذا المكتب، باعتبار الانتشار، أو – بمعنىً أدق – التشتت الذي تم لتنظيم مصر في الدول العربية أولاً، ثم في أوروبا الغربية والأمريكيتَيْن بعد ذلك، وتحوُّل الإخوان بشكل عام إلى حركة إسلامية عالمية.
عاد المكتب أو المجلس التنفيذي للإخوان المسلمين حول العالم، بحيث يضم ممثلين عن كل المكاتب القُطْرية الإخوانية، وتدريجيًّا اكتسبت اجتماعاته صفة الانتظام، وكانت مخصصة بالأساس لبحث السياسات العامة للجماعة، ومشكلات التنظيمات القُطرية الإخوانية، وبحث المناهج التربوية الموحدة، وإقرارها، وكانت اجتماعات المكتب تتم بين عدة عواصم عربية وإسلامية، مثل مكة المكرمة والمدينة المنورة وإسطنبول وبيروت، وغيرها.
لما استكمل التنظيم في مصر أطره الإدارية مجددًا في العام 1982م بدأ الحديث عن ضرورة تحديد دقيق للحدود بين الأطر التنظيمية المختلفة في الداخل والخارج، فتم إقرار اللائحة العالمية للإخوان المسلمين، بعد انعقاد مجلس الشورى العالمي في يوليو من العام 1982م، وتحت اسم “النظام العام لجماعة الإخوان المسلمين”.
وأصبحت هذه اللائحة أو هذا النظام، والذي جاء في 47 مادةً، في خمسة أبواب، ملزمًا لجميع الأقطار والأفراد، ثم تم تعديلها في الثامن والعشرين من مارس عام 1994م، لكي تصبح من 54 مادةً، في ستة أبواب.
ووفق هذه اللائحة؛ فإن التنظيم الدولي للجماعة، يرتبط على مستوى الاصطلاح، بعدد من الأطر التنظيمية الدولية التابعة للإخوان المسلمين، وخصوصًا مكتب الإرشاد العام، ويتكون من 13 عضوًا، نصفهم من مكتب الإرشاد الخاص بإخوان مصر، ومجلس الشورى العام، وهو الأقرب إلى المكتب أو المجلس التنفيذي الذي مثَّل بذرة البداية لإطار فوق قُطْري يمثل الجماعة على مستوى العالم، بتنظيماتها القُطْرية المختلفة.
أي أنه يمكن – جزئيًّا – قبول ما قاله يوسف ندا في صدد عدم وجود إطار إداري للإخوان المسلمين باسم “التنظيم الدولي”، ولكن وفق اللائحة العالمية، فإن هناك أطر تنظيمية فوق قُطْرية، حملت في الأدبيات الإعلامية والسياسية، مصطلح “التنظيم الدولي”.
ولكي لا نُستغرَق في هذه الجزئية، بالرغم من أنها ليست منفصلة عن القضية الرئيسية التي نناقشها في هذا الموضع، فإننا نشير إلى أنه بموجب اللائحة العالمية، فإن لكل من مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام، دورًا في إدارة شؤون الجماعات القُطْرية، مثل الإشراف على تنفيذ السياسات العامة، وتنفيذ قرارات مكتب الإرشاد العام، ومجلس الشورى العام، في جميع الأقطار، وغير ذلك، وفق ما جاء في المادتَيْن (29) و(39)، في صدد مهام مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام.
قبل الاسترسال في التطرق لموضوع الأزمة؛ فإنه ينبغي الإشارة إلى أن البعض لديه تعريف فضفاض بعض الشيء لمصطلح “التنظيم الدولي”؛ حيث هو يطلقه على الجسم الرئيسي لجماعة الإخوان المسلمين العالمية، بكل أُطُرها التنظيمية فوق القُطْرية، العلمائية والحقوقية والسياسية، وغير ذلك، مثل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، واتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، ولكن هذا التعريف غير رسمي أو أو غير لائحي لو صحَّ التعبير، ولا مجال له لتفسير جوانب الأزمة الراهنة، فقط لزم التنويه له للإحاطة بكامل أطراف الموضوع.
مكتب لندن والأزمة الحالية
فيما يخص الأزمة الحالية، فإن نقطة الانفجار الرئيسية لها، كانت قرارات عزل المتحدث الرسمي باسم الجماعة محمد منتصر، وتجميد عضوية الدكتور محمد كمال في مكتب الإرشاد، وغيرها من القرارات التي حملت توقيع “المكتب الإداري للإخوان في لندن”.
مكتب لندن من المتعارف عليه أنه مقر قيادة مجلس الشورى العام ومكتب الشورى العام للإخوان المسلمين، أي مكتب إدارة شؤون التنظيم الدولي بموجب المفهوم السابق؛ حيث إن كلاًّ من مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام، لا يوجد له تشكيل دائم يجتمع بشكل دائم، كما هو الحال – على سبيل المثال – في حالة تنظيم مصر، حيث إنه كان هناك قبل أزمة 2013/2014م – الانقلاب والفض – تشكيل دائم ومقر دائم لمكتب الإرشاد في مصر، كما هو معلوم.
إذًا، يقوم مكتب الإخوان المسلمين في لندن بتمثيل الأطر المركزية فوق القُطْرية للجماعة، فيما أعضاء هذه الأطر، وهي بالأساس مكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى العام، موجودون في أقطارهم، يقومون بأدوارهم وفق اللوائح الداخلية في تنظيماتهم القُطْرية، حيث نصَّت اللائحة العالمية على أن تشكيل كل من المكتب والمجلس، يكون من أعضاء مجلس الشورى للتنظيمات القُطْرية.
ومن بين رموز مكتب لندن المهمِّين الدكتور إبراهيم منير، الذي يُوصف بأنه الأمين العام للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وهو مسمَّىً غير دقيق، فهو بموجب المادة (32) من اللائحة العالمية، أمين السر العام لجماعة الإخوان المسلمين على المستوى العالمي، كما أن هناك أمين عام للجماعة في مصر، وهو – إلى الآن – رسميًّا أو بحكم الأمر الواقع، الدكتور محمود حسين.
وهو – منير – بموجب هذه المادة، يمثل مكتب الإرشاد العام (فوق القُطْري، وليس مكتب إرشاد الجماعة في مصر) تمثيلاً كاملاً في كل المعاملات “إلا في الحالات الخاصة التي يرى المكتب فيها انتداب أخ آخر بقرار قانوني منه”.
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن المادة (23) من اللائحة العالمية، تعرِّف مكتب الإرشاد العام بأنه “هو القيادة التنفيذية العليا للإخوان المسلمين، والمشرف على سير الدعوة والموجه لسياستها وإدارتها”.
فور أن اتخذ مكتب لندن القرارات الأخيرة في ديسمبر الماضي، قرر مكتب جماعة الإخوان المصريين في الخارج، تشكيل لجنة تقصي حقائق في ممارسات الدكتور محمود حسين وآخرين، متهمين إياهم بإحداث “ضرر على ملفات الأزمة المصرية”، كما تم تشكيل لجنة تقصي حقائق أخرى في ممارسات مكتب لندن، المنسوب إليه “تجاوز صلاحياته فيما يتعلق بملفات الأزمة المصرية”، وفق موقع “عربي 21″، يوم 16 ديسمبر 2015م.
وهنا لابد من التنويه إلى أن مكتب الإخوان المصريين في الخارج، هو هيئة تشكلت بالأساس بعد فض اعتصام رابعة والنهضة في الرابع عشر من أغسطس الماضي من أجل هدف أساسي، وهو ضمان الأوضاع القانونية والمعيشية، ومصالح الإخوان المصريين الفارين من مصر، إلى دول الإقليم المختلفة، كما في قطر وتركيا والسعودية، وغيرها، بما في ذلك توفير فرص عمل، ومتابعة إقاماتهم في هذه البلدان.
أي أن مكتب الإخوان المصريين في الخارج، هو هيئة مؤقتة، وتم تأسيسها بقرار من قيادة الجماعة، وتحديدًا بمعرفة اللجنة العليا لإدارة الجماعة، ومقرها داخل مصر، وتشكلت في فبراير من العام 2014م لتسيير أعمال الجماعة بدلاً من مكتب الإرشاد الذي تم اعتقال غالبية أعضائه منذ الانقلاب في يوليو 2013.
بموجب ذلك؛ فإن مكتب الإخوان المصريين في الخارج هو هيئة وظيفية، أي بمثابة إدارة شكلتها الجماعة للقيام بوظائف إدارية معينة، لا هيئة قيادية داخل الجماعة، مثلها في ذلك – على سبيل المثال – قسم الدعوة أو قسم النشاط الطلابي، حيث استوجب الظرف القائم تأسيس هيئة مثل هذه لمتابعة أوضاع وتجميع الإخوان المصريين في المنافي المختلفة.
هنا نشير إلى أنه طيلة أشهر الأزمة الممتدة على مدار عامَيْ 2014 و2015م، كان موقف مكتب لندن، قريبًا من موقف جناح الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة، والدكتور محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين، باعتبار “حاكمية اللائحة”، وهو أمر ظل مع الجماعة منذ أزمة التنظيم الخاص في الخمسينات، وحتى يومنا هذا.
وهنا ثمة نقطة لا بد من الإشارة إليها فيما يخص التركيبة التنظيمية للإخوان المسلمين، وهي نقطة مهمة للغاية في فهم أكثر “لائحية” للأزمة الحالية في تنظيم إخوان مصر، وهو أن كل الهيئات والأطر القُطرية التنظيمية للإخوان في مصر، لها معادل دولي أو عالمي، إلا منصب المرشد العام.
فكما أن هناك مكتبًا للإرشاد ومجلسًا للشورى، وأمانة عامة للإخوان في مصر، هناك مكتبٌ للإرشاد ومجلس للشورى وأمانة عامة للجماعة على المستوى الدولي كما تقدم، وكما فصلت اللائحتان العامة والعالمية للإخوان المسلمين.
أما منصب المرشد العام، فهذا المنصب موحَّد بين تنظيم مصر والجماعة على المستوى العالمي، وهو منصب غير موجود في أي تنظيم قُطْري إخواني آخر، بخلاف الجماعة في مصر، فجماعة الإخوان المسلمين في مصر، هي تنظيم الإخوان الوحيد الذي به منصب مرشد عام، وهذا المرشد العام بدوره، هو المرشد العام للإخوان المسلمين في العالم، وله نائبان وقد يكون أو أكثر من نابَيْن، أحدهم يكون نائبًا له على المستوى الداخلي، والآخر نائبًا له في مكتب الإرشاد العام، فوق القُطْري، والذي يوجد في لندن مكتب تمثيله.
وفي التنظيمات الإخوانية القُطْرية الأخرى في دول العالم المختلفة، يكون رأس الجماعة إما مراقبًا عامًّا في الغالب أو يحمل لقب “رئيس المكتب السياسي” كما في حالة حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، التي أصبحت منذ العام 2007 رسميًّا هي تنظيم الإخوان المسلمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م، بما في ذلك المخيمات الفلسطينية في الأردن، ومكاتب الخليج الأربع، والتي كانت تابعة لمكتب الإخوان في الأردن، قبل أن تحوزها “حماس” بعد أزمة كبيرة تدخل فيها مكتب الإرشاد في مصر، في ذلك الحين.
هذا الكلام ليس من نافلة القول، وإنما له أهمية كبرى في إطار مساعي تحديد عام لنقطة مهمة وحاسمة في أزمة الجماعة الحالية في مصر، وهي نقطة الشرعية.
فبموجب ما سبق كله، وبموجب قرارات سابقة تمت قبل الأزمة؛ فإن الدكتور محمود عزت، هو القائم بأعمال المرشد العام للإخوان المسلمين، أي أنه هو المرشد العام الفعلي للجماعة الآن، بقرارات شرعية من الجماعة، تمت بعد أزمة فض اعتصام رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2014م، واعتقال فضيلة المرشد العام الحالي للإخوان، وهو الدكتور محمد بديع.
ولأن منصب المرشد العام واحد، ولا يوجد له إطاران في مصر وعلى مستوى الجماعة العالمية؛ فإنه بصلاحياته يجب أية هيئة أخرى للجماعة، في مصر وفي الخارج، بموجب اللائحتَيْن العامة والعالمية للجماعة، فحتى القرارات التي يتم اتخاذها في اجتماعات مكتب الإرشاد العام (الدولي أو فوق القُطْري)، التي لا يحضرها المرشد العام أو نائبه، لا تكون نافذة إلا بعد توقيع المرشد العام أو نائبه، عليها [مادة 31 في اللائحة العالمية].
هذا الكلام لا يقر شرعية ما لقرارات الأزمة التي أخذها مكتب لندن، لأنها لم تصدر مُوقَّعة من الدكتور محمود عزت أو أي نائب آخر من نواب المرشد العام للجماعة – وكلهم معتقلون أو توفاهم الله تعالى – لكنه يقر شرعية قيادة الجماعة الحالية ممثلة في الدكتور محمود عزت.
هل كان مكتب لندن الباب الخلفي للنظام لتصفية الجماعة؟
في حقيقة الأمر فإن هذا التساؤل مشروع للغاية، وفي محله وقتًا وموضوعًا، فوفق معلومات حصل عليها “نون بوست” فإنه، وطيلة عام 2015م، وصلت الدولة المصرية، وتحديدًا الأجهزة والشخصيات السيادية التي كانت على اتصال بقيادة الجماعة في فترة ما بعد ثورة 25 يناير 2011م، وحتى مرحلة اعتصام رابعة، اتصالات من بعض الأطراف المقيمة في لندن، تريد تهدئة الأوضاع في مصر.
كان رد الأجهزة المصرية منحصرًا في ضرورة إعلان الجماعة علنًا التنصل من العنف وإدانته – وهذا تم بدرجة أو بأخرى من خلال مقالات الدكتور محمود حسين – وكذلك العمل على تهدئة الصف، ووقف أنشطة مكتب الإخوان المصريين بالخارج لأنه تحول إلى أنشط بؤرة – وربما الوحيدة النشطة – ضد النظام والدولة في مصر، وبات مؤثرًا بالفعل، على الأقل لأنه تجاوز بحراكه اعتبارات الموائمات السياسية الضيقة، ويتحرك بروح انتقامية نشطة بسبب القتل والتشريد والاعتقالات التي تمت، مع تحمل تنفيذ بعض الإعدامات لقيادات الجماعة المعتقلين، وصدرت بحقهم أحكام نهائية في هذا الصدد.
وفق مصادر المعلومات التي تحدثت لـ”نون بوست”، فإن آخر اتصال تم في هذا الصدد، لطلب التهدئة من لندن، للقاهرة، كان قبل نحو شهرين، وتكررت مطالب القاهرة على نحو أكثر حدة.
ثم صدرت قرارات الأزمة في منتصف ديسمبر تقريبًا، قبلها كان هناك الكثير من الشهادات بشأن سعي بعض قيادات الجماعة الحالية إلى تصفية الأجنحة الأكثر راديكالية في التنظيم، توطئة لمصالحة من أي نوع مع النظام، لحفظ ما تبقى من التنظيم في مصر، وكانت نقطة اعتقال الدكتور محمد وهدان، وواقعة تصفية تسعة من قيادات ورموز الإخوان المسلمين، في يوليو الماضي، في مدينة السادس من أكتوبر، أحد أهم “الشبهات” التي يرتكز إليها هؤلاء.
وواقعة شقة السادس من أكتوبر بالذات من المهم الوقوف أمامها، فمن بين التسعة الذين قتلتهم قوات الأمن المصرية، كان أسامة أحمد عبد الفتاح الحسيني، أمين حزب الحرية والعدالة في كفر الشيخ، وكان – وفق توصيف أجهزة الأمن المصرية – مسؤول العمل النوعي في الإخوان.
رواية الإخوان نفسها للحادث تشير إلى أن هذه الواقعة بالذات وراءها الكثير، حيث قالت الجماعة إن ناصر الحافي والحسيني وغيرهما ممَّن تمت تصفيتهم في هذه الجريمة، كانوا يجتمعون لبحث توزيع أموال ومساعدات على أسر المعتقلين والشهداء، وهذا البند كان أحد أهم أركان الأزمة منذ البداية؛ حيث اتهم جناح محمود عزت، جناح الدكتور محمد كمال والدكتور حسين إبراهيم، وباقي القيادات “المارقة”، بتوجيه الأموال المخصصة لهذا البند، إلى أوجه أخرى، من بينها تمويل الأنشطة النوعية التي بدأ الجناح “المارق” للجماعة فيها مبكرًا، كما فصلنا في موضوع “أزمة الإخوان.. القصة الكاملة!!”.
التنظيمات القُطْرية وأزمة أخوان مصر
على النحو السابق، كان لمكتب لندن أو ما اصطلح على تسميته بـ”التنظيم الدولي” دور كبير في مفاقمة أزمة الأخوان في مصر، ولئن كان لهذه الأزمة دورها في تقسيم التنظيم داخل مصر – 11 مكتبًا إداريًّا في المحافظات أعلنوا رفضهم لقرارات ديسمبر الماضي – إلا أنها في الخارج لم تقُد إلى نفس التأثير.
ففي الغالب، وهو منصوص عليه لائحيًّا أيضًا، فإن التنظيمات القُطْرية للجماعة، لها حرية أخذ القرارات في أمورها وشؤون أقطارها وفق ما تراه من مصالح تتفق مع البرنامج العام للإخوان المسلمين، وهوية الجماعة، فهي ليست معنية إلا برأب الصدع داخل التنظيم الأم، وليس بمفاقمته.
والسنوات السابقة، قبل الربيع العربي وبعده، كانت شاهدة على ذلك، حيث لم تؤثر أزمات تنظيمَيْ الأردن والجزائر على الأوضاع العامة للجماعة، كما أن إخوان تونس، ممثلين في حركة النهضة الإسلامية، وإخوان المغرب، ممثلين في ذراعهم الحزبي حزب العدالة والتنمية، تبنوا سياسات مختلفة تمامًا من أنظمتهم وحكوماتهم في مرحلة ما بعد ثورات الربيع العربي، ولم يؤدِّ ذلك إلى مشكلات تأسيسية في الجماعة على المستوى العالمي.
ولكن يمكن الرد على ذلك، أن الأزمة في مصر مختلفة؛ حيث تمس الجماعة الأم، ولها أهميتها التاريخية في الحركة الإسلامية بالكامل، وليس على مستوى دعوة الإخوان المسلمين فحسب، كما أنها تجيء في إطار قيمي سيء، فهذه الاتهامات مطروحة ولم يرد للأن عليها أي طرف.
ولذلك، وبخلاف أزمات سابقة في تنظيمات قُطْرية إخوانية أخرى، كان لأزمة التنظيم في مصر أثر على الإخوان في الدول الأخرى، حتى ولو لم يعلن أيٌّ منها موقفُا مؤيدًا لهذا الطرف أو ذاك، فهناك خلافات عميقة في الرأي في أوساط الإخوان في قطر وتركيا والسعودية، سواء على مستوى الإخوان المصريين المقيمين هناك، أو إخوان هذه الدول.
وبدا ذلك في أسوأ صوره في الاستقالة “الجماعية” التي تمت في المجلس الثوري المصري، وهو ما يعيدنا إلى نقطة البدء في هذا الموضوع، حيث إنها ترافقت مع اتهامات من جانب قيادة المجلس، الذي هو أحد الأُطر التنظيمية الرسمية الخارجة من عباءة مكتب الإخوان المصريين في الخارج، للقيادات المستقيلة وهي بدورها مؤسسة في مكتب الإخوان المصريين بالخارج، بأنها ساومت على ثوابت الثورة المصرية، وثوابت الإخوان وعلى رأسها قضية مطلب عودة الدكتور محمد مرسي، استجابة لمطالب تتعلق بضرورة التخلي مرحليًّا عن هذا المطلب، لإمكان تكوين جبهة أوسع من القوى السياسية المصرية المعارضة للانقلاب، للمرحلة التالية من العمل الثوري.
تلك كانت بعضًا من جوانب الصورة المتاحة للنشر، حيث إن الأمور أكثر تعقيدًا بمكان، بحيث يمكن القول إن حل الأزمة لن يكون سوى من عند الله سبحانه وتعالى.