تموج منطقة الشرق الأوسط بصراعات دامية، تحالفات واستقطابات واستعراض قوى من البعض، ومحاولات لتوسيع النفوذ من البعض الآخر، مثال على ذلك روسيا وإيران في ظل الأزمة السورية الحالية التي دخلت عامها الخامس بمزيد من الدمار وسفك الدماء.
وتشهد الساحة السورية حاليًا حرب إبادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في ظل التدخل الروسي والإيراني السافر لنصرة النظام السوري، فيما تُرتكب أبشع الجرائم الإنسانية بحق المدنيين يوميًا، حيث تحتل الطائرات الروسية السماء السورية، ولا تتوانى في قصف الأحياء والمدن لإخضاعها، بينما تغزو المليشيات الإيرانية الأرض، ذلك الأمر الذي يشكل خطرًا وجوديًا على الأمة العربية يتطلب مواقف حاسمة وقرارات مصيرية.
وكان أبرز تلك المواقف إعلان المملكة استعدادها للمشاركة في عملية برية ضمن التحالف الدولي في سوريا لمواجهة داعش.
دلالات التدخل البري
إعلان المملكة وإن تحدث صراحة عن الرغبة في التدخل البري لمحاربة داعش، إلا أنه يحمل في طياته دلالات وأسرار تتضح من تطورات الصراع في المنطقة والتدخل الروسي والإيراني السافر في الأراضي العربية السورية، هذا التدخل الذي يمثل احتلالاً، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، في ظل المجازر اليومية بحق المدنيين، تلك المجازر التي وصفتها جهات حقوقية دولية بأنها ترقى لإبادة جماعية للشعب السوري الأبي.
ورغم مشاهد القتل وسفك الدماء اليومية والقصف المستمر لقرابة أربعة أشهر من قِبل الطيران الروسي، إلا أن معادلة القوى على الأرض لم تتغير كثيرًا رغم تقدم النظام في بعض الجبهات، وفي المقابل استطاعت المعارضة أن تعوض خسائرها بالسيطرة على مناطق أخرى والصمود في وجه آلة القتل الروسية والأسدية والإيرانية، بينما حصيلة القتلى من المدنيين في ازدياد.
ودليل ذلك الأنباء التي يتم تداولها يوميًا من قتل واستهداف تجمعات للنظام وحزب الله وإيران على جبهات حلب وريفها، والتوابيت التي ترحل يوميًا تحمل جثث قتلى مليشيات إيران والحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله.
قرارات حاسمة
الساحة السورية حاليًا لا تحتمل المهادنة أو التردد في اتخاذ القرارات الحاسمة من القوى العربية والإقليمية الفاعلة ممثلة في السعودية وتركيا، خاصة بعد ورود تقارير عن مخطط روسي إيراني بالتنسيق مع النظام السوري لتجريف الأرض السورية من أهل السنة وترحيلهم إلى الأراضي التركية، لإيجاد كنتونات علوية، وإيجاد وضع سياسي يضمن بقاء النظام في سوريا أطول فترة ممكنة.
استبقت المملكة العربية السعودية الأحداث وضربت المؤامرة الروسية الإيرانية في مقتل بإعلانها العزم على المشاركة بقوات برية في سوريا بمشاركة عربية واسعة، بالتنسيق مع التحالف الدولي.
ترحيب عربي وإسلامي
المبادرة السعودية بالتدخل البري في سوريا لقيت ترحيبًا عربيًا وإقليميًا واسعًا من تركيا والإمارات وقطر والبحرين ومصر وباكستان والسودان والمغرب، حيث أعلنت هذه الدول نيتها المشاركة في القوة البرية لوضع حد للأزمة السورية والمأساة الإنسانية التي دخلت عامها الخامس بمزيد من القتل وسفك الدماء بتواطؤ دولي مقيت وتدخل روسي وإيراني سافر في الشأن السوري.
تركيا بدورها أعلنت ترحيبها الشديد بالقرار السعودي بالمشاركة بقوات برية في سوريا، لإصلاح وضع خاطئ من البداية، والذي تسبب فيه التردد التركي في التدخل في خط الأزمة منذ البداية بصورة مباشرة، وما نتج عنه من استفحال الأزمة، واحتلال روسيا للمجال الجوي الروسي الذي كان من قبل متاحًا للقوات التركية، ولولا التردد التركي لما استطاعت روسيا السيطرة على المجال الجوي السوري وتهديد أمن تركيا.
التأكيد على دعم المعارضة
التدخل العربي البري بقيادة السعودية في سوريا بات مسألة وقت، وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير قد جدد مع نظيره الأمريكي جون كيري استعداد بلاده المشاركة بقوات برية في سوريا ضمن التحالف الدولي، وسعي البلدين لوقف إطلاق النار في سوريا، وشدد الجبير على دعم المعارضة السورية وتوفير الدعم المطلوب من أجل سوريا بلا أسد.
ويرى مراقبون أن الموقف السعودي يأتي من أجل إيجاد حالة من التوازن في الوضع الراهن في سوريا وضمان الأمن العربي والإقليمي، ووضع حد لتجاوزات وانتهاكات روسيا وإيران في أرض العرب، وأن الدور السعودي في سوريا يأتي استكمالاً لعاصفة الحزم في اليمن لإيجاد نوع من التكامل في وضع حد للطموح الإيراني والروسي في المنطقة.
مخاوف من مواجهة إقليمية
ويتخوف البعض من إمكانية أن يؤدي التدخل العربي البري في سوريا إلى حرب إقليمية بالوكالة بين روسيا وإيران من جهة وبين السعودية وتركيا من جهة أخرى.
بينما قلل آخرون من احتمال وقوع مواجهة إقليمية في ظل التنسيق بين الرياض وواشنطن والتأكيد على أن التدخل البري سيكون تحت مظلة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، في ظل عدم رغبة جميع الأطراف الفاعلة في الانزلاق لمواجهة إقليمية غير محسوبة العواقب، وإنما السعي نحو حل سريع للأزمة السورية ووقف إطلاق نار شامل ينهي تلك الأزمة ويعيد السوريين النازحين إلى أراضيهم.