ترجمة وتحرير نون بوست
منذ اللحظة التي قال فيها شاه إيران، محمد رضا بهلوي، عبر أثير برنامج إذاعي: “سمعت صوت ثورتكم”، ونشرت الصحف الرسمية عنوان “الشاه ذهب”، إلى اليوم الذي وصل فيه آية الله روح الله الخميني إلى مطار مهر آباد في طهران، جميع ذلك امتد على مدى ثلاثة أشهر فقط.
ومع ذلك فإن صور تلك الأشهر لن تبارح الذاكرة الجماعية لأولئك الذين شهدوا الثورة الإيرانية في 12 فبراير لعام 1979، كما لن تبارح خيبة الأمل الجماعية أذهان الملايين الذين كانوا يتوقعون بأن الثورة ستعمل على الإطاحة بحكم الديكتاتورية.
بعد سبعة وثلاثون عامًا على تأسيس الجمهورية الإسلامية، التي أنشأها آية الله الخميني في أبريل من ذلك العام، حققت الجمهورية الإسلامية العديد من وعودها بالاستقلال والأسلمة، ولكن المطالب الشعبية حول الحرية والعدالة، والتي كانت جوهر الثورة، بقيت حبرًا على ورق.
السرد الثوري
في الأشهر والسنوات التي تلت الثورة طغى عليها السرد الثوري الذي فرض نفسه، وشهدت هذه السنوات مواجهة بين الجمهورية الإسلامية والقوى المختلفة التي أحرزت الثورة؛ مابين الإسلاميين، والديمقراطيين، القوميين، الجماعات العلمانية، وكذلك الجماعات النسائية وجماعات حقوق الأقليات.
في خطاب ألقاه مؤخرًا، ذكّرنا القائد الأعلى، آية الله علي خامنئي، بالمبادئ الرئيسية التي حددت “هندسة الثورة”، حيث قال: “قضية الشعب، استقلال البلاد، الالتزام بالثوابت الإسلامية، محاربة غطرسة الولايات المتحدة وإسرائيل، قضية فلسطين، قضية معيشة الشعب، والقضاء على الفقر، هذه هي الخطوط الرئيسية للثورة”.
ولكن الخامنئي تجنب ذكر السعي من أجل “الحرية” ضمن خطوط الثورة، وهو المطلب الأول في شعار الثورة القائل: “حرية، استقلال، جمهورية إسلامية”.
يشير العديد من الإيرانيين اليوم إلى أنه على الرغم من أوجه القصور الاقتصادية والسياسية التي تعاني منها البلاد، إلا أنه وبالمقارنة مع بقية دول المنطقة، تنعم إيران بالأمان والسلام، وهذا إنجاز لا يمكن إنكاره.
وعلاوة على ذلك، أدى النجاح الذي حققه الرئيس حسن روحاني مؤخرًا في المفاوضات النووية إلى بزوغ آمال جديدة بالتغيير؛ فروحاني، الذي لا يمكن أن نعتبره بأي حال من الأحوال إصلاحيًا نموذجيًا، استغل الفرصة وتشجع في طرح خطابه حول “الاعتدال”.
الاعتدال كرؤية
تزامنت احتفالات ذكرى الثورة الإسلامية هذا العام مع حدثين انتخابيين مهمين، الأول هو انتخاب البرلمان الإيراني والآخر انتخاب مجلس الخبراء، وهما الفرصتان اللتان أفسحتا المجال أمام روحاني لطرح سياساته، حيث قال في خطاب ألقاه مؤخرًا في مؤتمر حول المرأة والتنمية: “الاعتدال ليس مجرد نظام، بل رؤية ومسار، يجب علينا إحياؤه”، ولكن مع ذلك، لم يُسمح ببث هذا الخطاب على القنوات الإيرانية.
المرشد الأعلى للثورة، والذي شغل هذا المنصب منذ 27 عامًا، ليس بمزاج التغيير، فهو يستفيد من الدعم الكامل للحرس الثوري الإسلامي المتشدد، الذي يتباهى بنجاحه العسكري في سوريا والعراق، وتضاعفت سمعته في كامل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
سياسيًا، يسيطر خامنئي على المجالس الثورية الأربعة التي تتلقى تعليماتها منه وتحقق له النتائج المرجوة في جميع الانتخابات، علمًا أن السلطة التي تتمتع بها هذه المجالس مجتمعة تفوق السلطة التي يتمتع بها الرئيس والبرلمان الإيراني سويًا.
تمامًا كالشاه، سمع الزعيم الروحي لإيران صوت الثورة أيضًا، ولكن ليس لمرة واحدة بل لمرتين، الأولى في عام 1997 عندما حصل مرشحه الرئاسي المفضل، علي أكبر ناطق نوري، على 25% من الأصوات مقارنة مع الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي الذي حصل على 70%، والمرة الأخرى في عام 2009 عندما تظاهر الملايين ضد مرشح المرشد المفضل، محمود أحمدي نجاد، ودعموا بدلًا منه المرشحين الأكثر اعتدالًا مير حسين موسوي ومهدي كروبي.
اليوم، يخضع موسوي وكروبي لحكم الإقامة الجبرية، وفقًا لأوامر الخامنئي، كما أن اسم وصورة الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي، ممنوعة من الظهور في وسائل الإعلام، فضلًا عن أن الرئيس السابق، أكبر هاشمي رفسنجاني، مُنع من الترشح للانتخابات، وجميع ذلك حدث لأن هؤلاء الأشخاص مذنبين بخطيئة دعم الإصلاحية.
ركائز الجمهورية الإسلامية
إذا كان يمكن اتهام هؤلاء الرجال، الذين يعتبرون من الركائز الأساسية للجمهورية الإسلامية، بـ”الفتنة” و”الخيانة”، فمن السهل حينئذ أن نتخيل المصير الذي ينتظر الآخرين الذين يجرؤون على معارضة النظام.
يقضي عشرات سجناء الضمير في إيران عقوبات منذ سنين بالسجن بسبب ممارستهم السلمية لحقوقهم الإنسانية، ومن بينهم منتقدي الحكومة، الصحفيين، المحامين، النقابيين، النشطاء الطلابيين، ناشطي الأقليات، وناشطي حقوق المرأة.
إيران هي موطن لأحد أكبر خمسة سجون في العالم لمقدمي الأخبار والمعلومات، وجاءت في المرتبة الـ173 من بين 180 دولة في عام 2015 حسب تصنيف مؤشر حرية الصحافة الصادر عن منظمة مراسلين بلا حدود.
والأهم من ذلك، وعلى الرغم من المشاركة الجماعية للمرأة في الثورة، فإن حقوق المرأة في إيران تتجه من سيء إلى أسوأ، حيث تواجه النساء تمييزًا واسع النطاق في ظل القانون، ويُحرمن من الحقوق المتساوية مع الذكور في الزواج، الطلاق، حضانة الأطفال، والميراث.
رغم ذلك، لم تتوقف الحركة النسائية في إيرن، ولا تزال تلعب دورًا رياديًا في الأفكار التي تضعها للاحتجاجات السلمية، مقتدية بالحركة الخضراء لعام 2009، إلا أن هذه الحركة لم تُعط أي مساحة للتنفس.
يتباهى المسؤولون في إيران بأن الدولة تُجري انتخابات بصورة منتظمة، وهذا الأمر صحيح؛ فمنذ قيام الثورة أُجريت حوالي 40 عملية انتخابية، ولكن كل عملية من هذه العمليات كانت إقصائية للغاية، كونها حرمت جزءًا كبيرًا من الشعب من التصويت لمرشح من اختيارهم، وذلك من خلال الرقابة التي يمارسها مجلس صيانة الدستور على المرشحين بحيث لا يقبل سوى المرشحين المعتمدين من قِبل المجلس فقط.
التنافس يحتدم الآن بين المعسكر المعتدل/الإصلاحي المسمى بالمعسكر “الدبلوماسي”، ومعسكر النصر المتشدد المسمى بمعسكر “الجيش”.
“ما الذي يمكن للدبلوماسية أن تقدمه لحل مشاكل العالم؟” يتساءل قائد قوات الباسيج، محمد رضا نقدي، ويتابع: “نجاح جيشنا هو الذي يخيف العدو، ويليّن موقفه في المحادثات”.
لذا فإن السؤال الذي يساور أذهان معظم الإيرانيين هو: إذا كان الأب الروحي لجبهة الإصلاح، الرئيس السابق محمد خاتمي، غير قادر على خلق التغيير في إيران بعد ولايتين رئاسيتين، وإذا كانت المظاهرات الحاشدة التي خرجت في عام 2009 أضعف من أن تصمد أمام النظام، فهل يتمتع روحاني، بعد نجاحه بشأن المحادثات النووية، بأي حظوظ لتحقيق نتائج أفضل؟ الجواب هو النفي على الأرجح.
بشكل عام، لم تستطع سردية “الإصلاح” و”الاعتدال” تحقيق نهج ثوري كافٍ لتحقيق النجاح؛ فبالمقارنة مع السرد هائل القوة المضاد لبهلوي الذي خلقه الخميني واستطاع من خلاله قيادة الثورة، تبدو سردية الدعوة للإصلاح ضعيفة للغاية، وخلاف ذلك، ومن خلال إخراس جميع أصوات المعارضة، وقف النظام الإيراني في وجه التنمية السياسية الخاصة به.
“فليحيا الأمل، فليحيا الإصلاح” جاء في إحدى ملصقات الحملة الإصلاحية، ولكن هل يحوز هذا الأمل الذي طال انتظاره أي فرصة للتحقق بعد 37 عامًا من الثورة؟ إذا حكمنا على الموضوع في ضوء ما يقوله المرشد الأعلى: “حذار من أولئك الذين يريدون تغيير الجمهورية الإسلامية من الداخل”، فيجب علينا أن نجيب بالنفي.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية