طلب نائب وزير الخارجية الإيراني لشؤون آسيا وأفريقيا ومنطقة المحيط الهادي إبراهيم رحيم بور، من المسؤولين الأتراك الابتعاد عن الحكومة السعودية، المنافس القوي والغريم التقليدي لإيران في منطقة الشرق الأوسط، حيث أكد رحيم بور أنه حذر أصدقائه الأتراك – على حد وصفه- بأن عليهم الحذر وعدم المراهنة على الطرف الخاسر، في إشارة إلى السعودية.
جاء ذلك خلال محادثات مع كبار مسؤولي وزارة الخارجية التركية في محاولة لبحث القضايا الثنائية والإقليمية على حد سواء، مع التركيز بشكل خاص على سوريا.
الأتراك وإيران يتخذون مواقفًا متناقضة تمامًا في سوريا، فبينما تتوغل إيران عسكريًا في سوريا تتخذ تركيا خطوات جادة انحازت فيها إلى سياسة دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية في المسألة السورية، وهو الأمر الذي استدعى تقاربًا اقتصاديًا بين المملكة وتركيا، وكذلك على صعيد العلاقات العسكرية التي تعززت بين البلدين.
رحيم بور يرى أنهم لا يشعرون بالقلق تجاه تركيا لأن الإيرانيين واثقون من أن تركيا تأخذ المصالح الإيرانية في الحسبان عند إجراء هذه التقارب مع السعودية، ولكن أضاف أن علينا الانتظار لرؤية ما إذا كان هذا التعاون بين تركيا والمملكة العربية السعودية سيظهر أثره في المنطقة أم سيكون مجرد أخبار.
يبدو أن تركيا والسعودية أرادتا أن تُثبتا للإيرانيين أن التقارب فيما بينهما لم يعد قصصًا إخبارية، حيث أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليوم السبت، أن السعودية أرسلت طائرات إلى قاعدة إنجرليك العسكرية في تركيا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، مؤكدًا على دعم بلاده لاستعداد السعودية المشاركة في التدخل العسكري البري في سوريا.
حيث نقلت صحيفتا “يني شفق” و”خبر ترك” التركيتين عن الوزير التركي قوله بعد مشاركته في مؤتمر ميونيخ “إذا كانت هناك إستراتيجية ضد داعش فسيكون من الممكن حينها أن تطلق السعودية وتركيا عملية برية”.
إذن التحذير الإيراني لتركيا من التقارب مع السعودية تمت مواجهته بتجاهل تركي، وهذا الموقف الحالي بالتحديد قال عنه المسؤول الإيراني في وزارة الخارجية رحيم بور أنه: “رغم احتدام الصراعات بالمنطقة، لكن إيران أبقت على التواصل مع تركيا، وفي نفس الوقت ترفض طهران التقارب التركي السعودي وموقفهما الموحد من الأزمة السورية”.
هذه التصريحات الإيرانية والموقف التركي السعودي اليوم سبقهما موقفًا حادًا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه التدخل الإيراني في سوريا حين أكد في تصريحات صحفية قبل يومين أن قوات مدعومة من إيران في سوريا تنفذ مذابح شرسة، داعيًا الأمم المتحدة لبذل مزيد من الجهد لمنع ما أسماه “التطهير العرقي” الذي يحدث على يد المليشيات الإيرانية في سوريا، مضيفًا أن بلاده ستتحلى بالصبر إزاء الأزمة في سوريا حتى مرحلة ما ثم ستضطر للتحرك.
هذه المرحلة التي تحدث عنها أردوغان التي ستضطر فيها تركيا للتحرك قد حانت بعد يومين فقط من تصريحاته المهاجمة لإيران، وفيما كان الإيرانيون يتوقعون أن احتمالية نشر قوات سعودية برية في سوريا ضعيف جدًا، كما اعتبروا الأمر على لسان الخارجية الإيرانية محض دعاية واستعراض لأن السعودية تهدد بذلك منذ زمن، مشيرين إلى أن خسائر المجموعات التي تمولها السعودية هي التي تجبر الرياض على إطلاق مثل هذه التصريحات.
الإيرانيون والأتراك لم يقطعوا قنوات الاتصال فيما بينهم بالرغم من تباين وجهات النظر الشديدة بين البلدين في القضية السورية، أو هكذا يرى الإيرانيون أن على الأتراك الفصل بين الأزمة في سوريا وبين العلاقات بين البلدين، حيث عولت إيران على تراجع الموقف السعودي التركي في 2015 بسبب تدخل الروس العسكري المباشر.
هذا وقد أوضحت إيران أنها أوصلت لتركيا طريقة الحل في سوريا التي يجب أن تكون عن طريق الدبلوماسيين وليس الجنود، داعين الجميع إلى حل الأزمة أسوة بالاتفاق النووي الإيراني الذي عُقد مع الغرب كنموذج واجب في التعامل مع القضية السورية وتبايناتها.
حاولت إيران أن ترد على أردوغان على لسان رجلها في وزارة الخارجية الذي زار الخارجية التركية وأجرى حوارًا مع صحفية حريات ديلي نيوز التركية إبراهيم رحيم بور، والذي قال فيه إنه ينبغي أن يكون القادة الأتراك على حذر في تصريحاتهم عن إيران.
إذ إن تركيا تتهم إيران بممارسة الطائفية في المنطقة، ولكن في الواقع كما يرى رحيم بور فإن حلفاء تركيا من السعوديين هم من يمارسون السياسة الطائفية، لذا يرى رحيم بور أن التصريحات التركية يجب أن تكون أكثر حذرًا في هذا الجانب لكي لا تُساهم في تعميق الخلافات بين البلدين.
كما حاولت إيران تفنيد المزاعم التركية التي هي مثار خلاف وجدل بين طهران وأنقرة كالتدخل العسكري في سوريا بالخبراء العسكريين والمليشيات على الأرض، وهو الأمر الذي رأه رحيم بور أنه جاء طبقًا لدعوة من الحكومة السورية في دمشق، وهو نفس الأمر الذي تفعله السعودية في البحرين وفي اليمن.
وفي جانب القضية التركية طالب نائب وزير الخارجية الإيراني تركيا باحترام حقوق المواطنين الأكراد لديها، مضيفًا أن المنطقة لا تحتمل أزمة جديدة، وأنه كما تُدافع تركيا وإيران عن وحدة أراضيهم، كذلك عليهم الدفاع عن وحدة أراضي العراق وسوريا، مبديًا رفضه مبدأ الدولة الكردية رغم أن الأكراد أصدقائهم التاريخيين على حد وصفه، ويمكن أن تُفهم هذه التصريحات الإيرانية بشأن القضية الكردية في إطار امتصاص غضب أنقرة لحساسية هذا الملف عند الأتراك، ناهيك عن معاناة إيران من نفس المشكلة أيضًا مع الأكراد.
تأتي هذه المحاولات الإيرانية في محاولة لمنع انضمام تركيا للمحور السني الذي تقوده السعودية في المنطقة، وهو ما يعني أن ثمة مجال لزيادة الاحتكاك بين البلدين.
كما تُقرأ هذه المحاولات أيضًا والتحذيرات الإيرانية للأتراك من التقارب مع السعودية عقب الأزمة التي انفجرت بين المملكة العربية السعودية وإيران بسبب إعدام رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، والتي تطورت بعد أحداث الاعتداء على سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد الإيرانية، ودفعت السعودية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وكذلك بعض الدول الموالية لها في منطقة الشرق الأوسط، فيما جاء الموقف التركي من هذه الأزمة وسطًا بين مصالح تركيا مع إيران، وكذلك التقارب التركي السعودي الأخير.
إلا أن اقتراب السعودية وتركيا من تنفيذ عمل عسكري مشترك في سوريا يعني تجاهل التحذير الإيراني تمامًا، والمضي قدمًا في تحالف عسكري مع السعودية، لتأمين الحدود مع سوريا ولفرض وجهة النظر التركية السعودية في القضية السورية بالقوة، كما فعل الروس وقبلهم الإيرانيين.