إن القارئ في السياسة الأمريكية وتعاملها مع الأحداث الدائرة في سوريا يسيتطيع أن يدرك أنها كانت تعتمد منذ فترة ليست بقريبة على عدم إحداث أي خرق واضح في الحالة السورية على صعيد دعم قوات المعارضة وحلفائها في المنطقة.
إن السياسية الأمريكية الحالية تقتضي إنجاز حالة من الاستقرار في سوريا على الأقل حتى نهاية ولاية الرئيس الحالي باراك أوباما، حالة الاستقرار المتخيلة أمريكيًا من الظاهر أنها تقتضي فرض حل تفاوضي سلمي في سوريا تكون ركيزته نابعة من إحراز تقدم للنظام المدعوم روسيًا على الأراضي المسيطر عليها من قِبل قوات المعارضة خصوصًا في منطقة حلب وريفها بالإضافة إلى عمليات تصفية لرموز المعارضة العسكرية كما حدث مع زهران علوش لتمهيد الطريق من أجل رسم معالم الانتقال السلمي.
وفي طور تنفيذ هذه الإستراتيجية كان الموقف الأمريكي مستغلاً للخطأ الإستراتيجي الذي ارتكبته تركيا باسقاط الطائرة الروسية والذي أفضى إلى تقييد قدرة تركيا على المناورة عسكريًا في سوريا من خلال التداخل المباشر أو دعم الثوار عسكريًا والذي كان واضحًا خلال الفترة الماضية.
وقد استغلت روسيا حدث إسقاط الطائرة للتوغل سريعًا في منطقة ريف اللاذقية وجبل التركمان وتوسيع ضرباتها العسكرية في مناطق مختلفة في سوريا وخصوصًا منطقة حلب خلال الأسابيع الماضية.
وفي ذات السياق فإنه من الواضح أن الولايات المتحدة سعت إلى خلق موطئ قدم لها في سوريا من خلال المشروع الكردي من خلال دعم القوات الكردية الديمقراطية وإنشاء قاعدة عسكرية في منطقة الحسكة، وكأنها تلمح أن مشروع الدولة الكردية أو كردستان سوريا هو إرادة أمريكية يخضع للحماية العسكرية الأمريكية بشكل مباشر والذي تعتبره أنقرة خطًا أحمر في قاموسها الإستراتيجي.
وفي ضوء تصاعد الأحداث في مناطق حلب وفشل جولة المفاوضات بين النظام والمعارضة كان لا بد من تحريك بعض أوراق اللعب من قِبل الأطراف فجاءت المبادرة التركية السعودية للتدخل في سوريا بريًا مع تلويح تركيا بتخفيف إجراءاتها على الحدود الأروبية مما يعني زيادة عدد اللاجئين إليها.
والناظر في التجهيزات التي تبديها السعودية وتركيا مع الموقف الأمريكي خلال الفترة الماضية واليوم، يستطيع أن يدرك أن هذا التلويح بالتدخل لا يبدو محبذًا أمريكيًا إلا من باب التوظيف في تطوير وتطويع المشهد المفضي إلى تفعيل المفاوضات السلمية.
ستحاول أمريكا الاستفادة من طبول الحرب ولكن لن تسمح لها بالوقوع إلا إذا كان هناك خطة أمريكية؛ إما إلى إرغام الروس على التنازول في المفاوضات ومن ورائه نظام الأسد وهو احتمال ضعيف على ما يبدو أو أن هناك احتمال بتوسيع رقعة الحرب لتشمل مناطق جديدة وهذا مما لا يستطيع التنبؤ بتطورات مخرجاته أحد على الإطلاق والاحتمال الثالث هو تنفيس الغضب التركي السعودي بفسح المجال بتدخل محدود لمواجهة تنظيم الدولة من دون التأثير المباشر على الصراع بين المعارضة السورية والنظام ومناطق نفوذ الروس.
إن أكبر الخاسرين في هذه المرحلة على ما يبدو هي الثورة السورية بمفرداتها الثورية الحقيقية ثم الداعمين لها وخصوصًا الأتراك ثم السعوديين، إذ إن التردد التركي في الفترة الماضية مقرونًا بخطأ إسقاط الطائرة الروسية جعلهم في موقف لا يحسدوا عليه؛ فهم مضطرون أن يتدخلوا اليوم أو غدًا ليس فقط لحماية مصالحهم أو مناطق نفوذهم في سوريا بل لحماية تركيا وحدتها وأمنها القومي إلا أن الفرق هو في كيفية التدخل وظروفه.
من الواضح أن الأتراك يشعرون بخيبة أمل واضحة من موقف الناتو والولايات المتحدة في تفهم حساسية أنقرة تجاه التطورات الأخيرة في سوريا وهذا قد يدفع أنقرة إلى المضي قدمًا في عملية برية حفاظًا على مصالحها وأمنها.
إن الناتو قد صرح غداة التصريحات التي أطلقتها تركيا بنيتها التدخل بريًا في سوريا بتأكيده على حماية أمن كل أعضائه ولكن هذا قد يأتي في ضوء التوظيف السياسي لطبول الحل ولا يعني بالضرورة نفاذه حالة وقوعها.
الأيام القادمة ستشهد تطورات مهمة على الصعيد السياسي والعسكري وهي التي ستحدد مسار الأحداث في سوريا في المرحلة القادمة، إلا أن التطورات في المشهد السياسي التفاوضي تبدو هي الأقرب منطقيًا في ظل السياسة الأمريكية في الوقت الراهن.