منذ العام 1999 يجلس الملك عبدالله بن الحسين على كرسي الحكم بأمان، بعد أن خلف والده الملك حسين فجأة، بديلاً عن عمه ولي العهد لسنوات طويلة خلال حكم والده، وهي المدة نفسها التي قضاها بشار الأسد خلفًا لوالده حافظ الأسد في حكم سوريا، الذي توفي في صيف العام 2000، لكن شتان الفارق بين حالة الحكم في الجانبين.
فبينما يهنأ عبدالله في كرسيه طوال هذه المدة، يغرق جاره في الشمال في حمام دم مستمر، ما دفع بكثير من المحللين والمراقبين للتساؤل.. كيف نجح نجل الملك حسين في الحفاظ على إرث والده، وفشل نظيره في سوريا؟ وإلى أي مدى طالت رياح الربيع العربي التي تغزو المنطقة منذ العام 2011، حكم الملك عبدالله وكيف تعاطى معها؟
“نون بوست” طرح السؤال على عدد من المحللين في التحقيق التالي:
السلمية وشعلة التظاهرات
في البداية يرى عمور الحسين، الباحث السياسي الأردني، أن مظاهرات الربيع العربي بدأت بعد ما يقارب عقد من تولي الشابين “عبدالله – بشار” حكميهما، لكن الملك عبدالله نجح عبر شرطته في وقف شعلة التظاهرات عند مستواها الأدنى، ولم تقم – مثلما فعلت في سويا وليبيا ومصر وتونس -، بسكب مزيد من الزيت على نيران الاحتجاجات المشتعلة، وواجهت التظاهرات باعتدال كبير تجنبت خلاله استخدام الأسلحة النارية، بل شاركت المتظاهرين وقفتهم وقدمت للمنهكين منهم مياه الشرب؛ ما خفف كثيرًا من احتجاجاتهم.
الاستجابة وسرعة الإصلاح
الحسين، يضيف كذلك أن حكومة الملك عبدالله، سارعت بالاستجابة للاحتجاجات وقدمت مزيدًا من الإصلاحات الاقتصادية والدستورية، مقارنة بما فعلته نظيراتها من حكومات دول الجوار في سوريا ومصر والعراق وليبيا، حتى جماعة الإخوان بالأردن حينما أرادت الحراك أضعفها ما حدث للجماعة في العام 2013 بمصر بعد إطاحة الجيش مدعومًا بعدد ليس بالهين من المحتجين، بحكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، ناهيك عن نجاح النظام الملكي في تحييد دور الفلسطينيين في الداخل وإبعادهم عن دائرة الاحتجاج.
أزمة اللاجئين السوريين
ويخشى الباحث الأردني من تأثير استمرار الحالة السورية، وتدفق اللاجئين للأردن في التأثير على الوضع الاقتصادي، ووضع الدين العام وعدد العاطلين عن العمل، بعد أن حافظت المملكة على استقرارها الاقتصادي خلال كل سنوات الاحتجاج حولها، لكن وقوع الأردن وسط المنطقة الملتهبة، يهددها بمخاطر من كل الاتجاهات.
اختلافات دعمت الاستقرار
ملحم بكر الدين، المحلل السياسي والمفكر الإسلامي التونسي، يعتقد أن هناك أوجه شبه واختلافات كثيرة بين الحراك العربي في كل من سوريا وليبيا ومصر، والحراك الأردني، لكن الاختلافات أكثر بكثير ما يدعم فكرة استقرار نظام الملك عبدالله على الأقل حتى الآن.
ويضيف بكر الدين أن توافق الجانبين يتمثل في أن كل التظاهرات في موجة الربيع العربي بما فيها الأردن، خرجت للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية، بنفس مبدأ “العيش والحرية والعدالة الاجتماعية”، واستخدمت فيها نفس وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تظهر الاختلافات في الحراك العربي عنها في الوضع الأردني، في حدة الاحتجاجات وموجات العنف والعنف المضاد، والقتل والتشريد والتهجير والاعتقال، التي ظهرت في دول مثل مصر وليبيا وتونس، ناهيك عن الاختلافات الطائفية التي ظهرت بسوريا، وجميعها عناصر لم تظهر بالحراك الأردني، ما صبغه بصبغة هادئة، تمثلت في عرض للمطالب من جانب المتظاهرين، وتفاوض ثم استجابة من قِبل النظام، بشكل سلمي من الجانبين، بالإضافة لأن التظاهرات في دول الجوار الأردني قادتها مجموعة من الشباب المتحمس اللامنتمي ، بعيدًا عن القيادة لتوجيهها، فيما قادتها في الأردن مجموعة من الشخصيات المعروفة والأحزاب والنقابات، ما سهل للنظام التعاطي معها، وهو ما جعل مطالب الأردنيين تتوقف عند حد الإصلاحات، وليس المطالبة بتغيير النظام، مثلما حدث بسوريا ومصر وتونس وليبيا.
عشائرية وفئوية
أما الاختلاف الأهم برأي بكر الدين، هو أن الحراك الأردني غلب عليه الطابع العشائري والفئوي، مدعومًا بمؤسسات داخلية عملت على ضبط عناصره وتحركاته، بعيدًا عن الصبغة السياسية الصرفة التي هيمنت على الربيع العربي في باقي الدول، وحكمها بالطبع الخوف من مصير تلك الدول، بعيدًا عن نسبة الرضا عن النظام الهاشمي من عدمها.
عوامل النجاح والفشل
السياسي الأردني عبدالصبور زمور، عضو مجلس النواب الأسبق، شارك “نون بوست” بوجهة نظر مخالفة ركزت على نتيجة وأثر الربيع العربي على الأردن الآن، وليس عوامل الفشل والنجاح فيه، لافتًا إلى أن هناك منحيين أثر بمقتضاهما الربيع العربي على الحالة السياسية بالأردن، أولهما إيجابي ظهر في استفادة الحراكات الأردنية من تجارب مثيلاتها العربية، خصوصًا التجربة المصرية، فبلورت رؤية جديدة لمطالبها ركزت على الإصلاح، ومكافحة الفساد، والاتفاق على آليات تداول السلطة بعيدًا عن الشخصيات القديمة المتوارثة، وهو ما استجابت لبعضه الحكومة والملك في حينه.
أما المنحى السلبي فتركز على عوامل الإحباط التي طالت الحراك الأردني، بعد ما شهده بدول الجوار من عنف وانهيار للدولة، والوصول لحالات كبيرة من اللااستقرار المؤسسي والمجتمعي والاقتصادي، دون فوائد تذكر حتى الآن.
حنكة سياسية
زمور يعترف بأن الحراك الأردني، نتج عنه تغيير رؤساء للحكومة، محاسبة بعض الوزراء، حل للبرلمان، محاسبة مقربين من الملك، بينهم زوج أميرة هاشمية صدر عليه حكم قضائي بالغرامة بمئات الملايين، تغييرات بالدستور، وقانون الانتخابات، واستحداث محكمة دستورية وهيئة مستقلة للانتخابات ووسائل إعلامية محايدة.
في النهاية، بحسب زمور، أدرك الأردنيون أن الإصلاح الذي تم ويتم، وإن كان بطيئًا، أفضل كثيرًا من خيار الانقسام والفوضى الذي طال جيرانهم، أما قادة الحراك أو بعضهم، فقد نجح النظام في كشفهم أمام باقي المواطنين، عبر الرهان على ذاكرة الجماهير القصيرة، والإسراف في الحوافز والعطايا والتعيينات لتلك القيادات، حتى أدرك الجميع أن المحركون يبحثون عن مآرب شخصية، وليس أهداف جماعية، وعادت الجماهير الغاضبة لمنازلها، وارتضت بما حققته أو وعدت بتحقيقه من النظام.