أشارت الواشنطون بوست في تقرير لها إلى الأرقام الضخمة للغاية التي تمكنت حملة بيرني ساندرز من جذبها إلى التجمعات الانتخابية مؤخرًا، وصلت أرقام الحضور في تجمعات المرشح الديموقراطي إلى 25 ألف شخص في لوس أنجلس و28 ألف في بورتلاند، ليصل تعداد الحضور الكلي لمؤتمرات ساندرز إلى أكثر من 100 ألف شخص في الأسابيع الأخيرة فقط.
تأتي هذه الأرقام في مقابل أرقام أكثر تواضعًا بكثير لصالح هيلاري كلينتون المرشحة الديموقراطية الأوفر حظًا والأكثر دعمًا من قبل المؤسسات الإعلامية والشركات الكبرى؛ إذ وصل العدد في أكبر تجمعات كلينتون حتى يومنا هذا إلى خمسة آلاف ونصف من الحضور على أعلى تقدير.
وبينما لم يبزغ اسم بيرني ساندرز إلى المعرفة العامة إلا مؤخرًا مع بداية الحملات الانتخابية؛ قضت هيلاري كلينتون قرابة ربع قرن تحت أضواء الشهرة الدولية كزوجة لرئيس سابق أولًا وكمرشحة محتملة ووزيرة خارجية مؤخرًا.
تدعو الحقائق البسيطة السابقة للتساؤل حول أسباب نجاح حملة ساندرز الكبير، خصيصًا إذا جمعت مع مجموعة أخرى من الحقائق كعدم اعتماد ساندرز على أي تمويل من كبرى الشركات أو اللوبيات الأمريكية، أو حقيقة كونه مرشح ذو نزعات اشتراكية صريحة في بيئة سياسية (على مستويي الشعب والنخب) تناصب العداء الواضح لأي سياسات غير ليبرالية.
في هذا السياق قد يكون لكلمتي الشباب والشبكات الاجتماعية دور كبير في فهم هذه التطورات الغريبة نسبيًا.
بداية، من الواجب الإشارة إلى الطبيعة الشابة نسبيًا للشعب الأمريكي، إذ يصل تعداد السكان تحت سن الأربعين في الولايات المتحدة إلى ما يزيد عن 53.7% من السكان، وهذه النسبة كبيرة جدًا إذا ما قورنت بمثيلاتها في أغلب دول شمال وغرب أوروبا، وقد قام ساندرز بتوضيح توجهه إلى هذه الشريحة من السكان قبل أي شريحة أخرى بجلاء.
وهنا يمكن البدء في الحديث عن الخصوصية الثقافية لهذه الشريحة السكانية تحديدًا، الشريحة التي ترعرع أغلبها في قلب ثورة تكنولوجيا الاتصالات في نهاية التسعينات وبداية الألفية الثانية، جيل تمثل أشياء كالإنترنت والهواتف المحمولة جزءًا محوريًا لا غنى عنه في حياته اليومية، وتمثل هذه الوسائط تحديدًا القلب من حملة ساندرز الانتخابية، إذ يقوم المرشح ذو التسعة وسبعين عامًا بصياغة وكتابة وحتى نشر بياناته وآراءه على منصات التواصل الاجتماعي بشكل شخصي.
وصفت الجارديان الحشود المؤيدة لساندرز في مدينتي نيويورك وبورتلاند بمجموعة من الشباب ذوي اللحى والفتيات ذوات الوشوم، ومع الالتفات إلى حقيقة أن الشريحة العمرية ما بين 25 و 34 عامًا تمثل الشريحة الأكبر على الإطلاق من مستخدمي الشبكات الاجتماعية؛ قد تبدأ صلة ما البزوغ تدريجيًا.
فبالرغم من عدد متابعي ساندرز على كل من فيسبوك وتويتر أقل من متابعي كلينتون؛ إلا أن التفاعل الحادث مع صفحات ساندرز على هذه الشبكات يتعدى أي من المرشحين الآخرين بكثير، وهنا يمكن وصل حقيقة أن النسبة الأكبر من مستخدمي هذه الشبكات من الشباب مع التفاعل المتزايد مع منشورات ساندرز.
يفرق خبراء الشبكات الاجتماعية بين نوعين من التفاعل الحادث فيها، الأول هو التفاعل المدفوع أو المعلن عنه؛ والثاني هو التفاعل العضوي، ويتطلب الأخير تحديدًا من مديري الصفحات وأصحابها إدارة وإنتاج محتوى شديد التنوع مع مستخدمي هذه الصفحات، وتشير التقارير إلى أن أغلب دعاية وتفاعل ساندرز عبر شبكات التواصل الاجتماعي تنتمي للنوع العضوي، خصيصًا مع أخذ حقيقة بداية تشكل هذا التفاعل في الواقع خارج الشبكات الاجتماعية في الاعتبار.
عند سؤال مسؤولي تسويق جولات ساندرز الانتخابية عن سر نجاحهم في تحريك هذه الجموع الضخمة للحضور؛ كانت الردود شديدة البساطة، تقوم الحملة قبل كل تجمع بأسبوع بإنشاء صفحة حدث على فيسبوك ثم تنشرها بين مناصري ساندرز المسجلين بهذه المنطقة، من هنا تبدأ الأمور في التطور بشكل عضوي تمامًا عبر مشاركة المتابعين للدعوات بين معارفهم بشكل شخصي عبر فيسبوك والبريد الإلكتروني.
وبينما تعمل ماكينة الدعاية العضوية الأخيرة بشكل مستمر وطبيعي، تقوم أغلب الشبكات الإعلامية العملاقة على طول الولايات المتحدة إما بتجاهل وجود ساندرز تمامًا أو مهاجمته بشكل صريح، إلا أن الغريب في هذه الحالة هو حقيقة عدم تأثير هذه الجهود على شعبية ساندرز بالسلب، ولا على شعبية غيره (باستثناء دونالد ترامب ربما) بالإيجاب، ولا بد أن لهذه الحقيقة أثر شديد الخطورة في فهم تطور قوة اللوبيات وأصحاب الأموال من أصحاب هذه الشبكات في السياسة الأمريكية.
تثبت حملة ساندرز حالة من سحب القوة المتركزة في أيدي أصحاب الأموال والنفوذ الإعلامي في الولايات المتحدة، في مقابل توزيع هذه القوة على مستوى الأفراد من مستخدمي الشبكات الاجتماعية، وهذا التطور قد يكون شديد الخطورة إن نجح في الاستمرار؛ خصيصًا في بلد تمكنت المؤسسات الضخمة ورؤوس الأموال من السيطرة إلى حد كبير على القوة السياسية ومصادرتها من الأفراد عبر التحكم في الجموع.
وبينما يستمر كلينتون وجيب بوش في العبث بمنشورات أحدهما الآخر عبر تويتر في مشهد كوميدي، يبدو أن استخدام ساندرز الكفء للشبكات الاجتماعية قد يمثل خطرًا حقيقيًا على المقدرات الانتخابية لكل منهما!