ترجمة من التركية وتحرير نون بوست
ينذر حصار مدينة حلب بأن الأزمة السورية دخلت مرحلة خطيرة من مراحل الصراع القائم منذ خمس سنوات، ولكن على الرغم من ذلك فإن تركيا مازلت تتبع نفس الإستراتيجيات السياسية في التعامل مع الوضع السوري ولا نري أي تغيرات في النتائج على الأرض، الأمر الذي يضع تركيا في موقف حرج، حيث إذا استمرت تركيا على نفس المنهاج بدون أي تغيّرات في تدخلها السياسي في سوريا لن تجد تركيا الحل الذي تأمله لإنهاء أزمة اللاجئين أو أزمة الوضع السوري التي تحاول حلها منذ سنوات، كما لن يكون هناك أسباب منطقية تفسر تدخلها في الأزمة السورية.
يمكننا تلخيص أهم محاور السياسة التركية بشأن التدخل في سوريا في المحاور الثلاث الآتية :
المحور الأول يعتمد على أنه لا مكان لبشار الأسد بعد الآن في مستقبل سوريا، أما الثاني فيتلخص في حماية الأرض السورية من أي تدخل إداري أو سياسي خارجي فيها أثناء استمرار الأزمة السورية، بمعنى أدق، يجب منع ووقف حزب الإتحاد الديموقراطي من العمل في منطقة الأكراد في سوريا، المحور الثالث له علاقة بالتدخل الإيراني في سوريا ومنع أن تتحول سوريا إلى قطعة من الشطرنج بين أيدي دول الجوار وبالأخص إيران، كما يقوم المحور الثالث للسياسة التركيا في سوريا على النتائج التي حققتها الحرب الأهلية في الداخل السوري التي دامت لفترة طويلة، والتي أثرت بشكل جذري في الديموغرافية السورية مشتملة على توزيع السكان وعددهم في الداخل والخارج، كما يمكننا إضافة محاربة تركيا ضد التحالف القائم بين العناصر الراديكالية المختلفة في الصراع السوري وما سبق ذكره من نتائج الحرب الأهلية إلى المحاور الثلاثة الأساسية في سياسة تركيا الخارجية في سوريا.
حاولت تركيا من قبل استخدام تلك المحاور السابقة في حل الأزمة السورية عن طريق التدخل العسكري تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدم اكتمال نجاح التدخل العسكري التركي في سوريا، سارت اتفاقية التسليح بين تركيا والولايات المتحدة جنبًا إلى جنب مع تقوية قدرة المعارضة في الحرب، بالإضافة إلى محاولة دعم كل محاولات قهر نظام الأسد في سوريا، كل ذلك جنبًا إلى جنب مع محاولة تركيا تقليل ضغط اللاجئين النازحين إليها، بالإضافة إلى حماية الحدود التركية وإقامة المنطقة العازلة، كما تحاول تركيا الآن تكوين اتحاد فيما بينها وبين دول الخليج العربي المساندة لجبهة المعارضة مثل المملكة العربية السعودية وقطر، ولكن تلك الدول لا توافق على منح الأسلحة الثقيلة للجبهة المعارضة، ولا يمكنها إيجاد حل للحرب القائمة على الأرض.
يمكن لتركيا إيجاد حل أكثر استقرارًا لسوريا برحيل نظام الأسد، إلا أن سوريا الآن هي مجرد دولة تابعة لأربعة أنظمة سيطرت على الكيان السوري بتقسيمها للأرض لأربعة جبهات، نظام الأسد، جبهة المعارضة، وداعش، وكذلك حزب الإتحاد الديموقراطي الكردي، وبنظرة عامة فإن المعارضة المعتدلة مع الجبهات الجذرية السابقة تخسر الأرض كليًا، فبعد حصار مدينة حلب، زاد حجم المشكلة وزادت سرعة التطورات في تلم المنطقة بشكل ملحوظ، كما زاد من تعقيد عملية الحل الذي تسعي نحوه تركيا وحلفاؤها.
لماذا لم تعط السياسة التركية في سوريا النتائج المرجوة منها؟
تتعدد الأسباب التي تجعل من السياسة التركية عامل غير فعال بالدرجة الكافية في الأرض السورية، إلا أن أحد تلك الأسباب هي أن تركيا لا تعتبر سياستها قادرة على تغيير الواقع السوري بشكل جذري، فتركيا تعتبر نفسها عضو مشترك وليس العضو الرئيسي الوحيد في الأزمة السورية، فتري تركيا أن التغير الجذري في الأزمة السورية يرتبط بشكل أو بآخر بموقف الولايات المتحدة في القضية السورية، ولكن أصرت الولايات المتحدة على ترك الساحة في وجه المبادرة الروسية في الأيام الحالية.
إذا نظرنا للإستراتيجيات الداعمة لكل من النظام والمعارضة في سوريا، فسنجد بأن الوجود السياسي لتركيا في سوريا له النصيب الأكبر من الوجود العسكري( والذي يكاد ينعدم) في ذلك الدعم للقضية السورية، على العكس تمامًا بالنسبة للنظام السوري الذي يتمتع بوجود عسكري واسع ومنتشر على الأرض السورية، إلا أن الدعم السياسي من النظام السوري يكاد ينعدم على الساحة، وبالتبعية فإن الجانب الآخر من النظام يتمتع بفعالية أكبر على الأرض السورية من السياسة التركية، ذلك يدفعنا للتفكير في المطالبات المنادية بالحل العسكري أو بالحل السياسي للأزمة السورية بان كلها متطلبات زائفة ومصطنعة، فالفصيل الذي ينتصر عسكريًا في سوريا سينتصر سياسيًا بالتبعية.
مما لا شك فيه أن الحل السياسي لا يعتبر حلا اجتماعيا جذريا في نفس الوقت، فالحل السياسي الناجع يسير جنبًا إلى جنب مع الشرعية الاجتماعية التي تضمن الحقوق المدنية للمجتمع، ولكن متطلبات كالشرعية الاجتماعية تبدو متطلبات خاصة بالرفاهية في معضلة كمعضلة الأزمة السورية، في الفترة القادمة سيُسيطر الحل العسكري كليًا على الحل السياسي، فمفاوضات جنيف لا تعد حلًا معياري الآن، فالقوة العسكرية في الساحة لها الكلمة الأخيرة على القوة السياسية.
“الحل العسكري لن يضمن الاستقرار طويلًا”، نعم هي جملة يكررها الكثيرون، إلا أنه أغفل مؤيدي الحل العسكري ومناهضيه المشكلة الرئيسية في سوريا الآن، لا أحد يهتم بديموغرافية سوريا التي تحولت خلال أربع سنوات بشكل جذري ومثير للقلق، ويوضح ذلك الإعلانات والتصريحات التي تصدرها جينيف كل ثلاثة سنوات عن عدد سكان سوريا في الداخل والخارج، كان آخرها في عام 2014 حيث تم تسجيل 3 مليون لاجيء سوري في ذلك العام حول العالم، كما تم تسجيل أكثر من 6.5 مليون شخص هجر بيته داخل سوريا، كما تم رصد 6 مليون سوري هارب من سوريا في عام 2014، كما وصل عدد اللاجئين داخل سوريا نفسها إلى 7 مليون و 600 ألف لاجيء.
كان عدد السوريين في 2011 يصل إلى 22 مليون، غادر 25% من نسبة السكان سوريا بعد الحرب، كما وصلت نسبة المشردين من بيوتهم إلى 65-60 %، وإذا استمرت الصراعات في سوريا على نفس المنهاج، فستزداد النسب السابقة بشكل درامي وستكون ديموغرافية سوريا مختلفة تمامًا عن التي كنا نعرفها منذ أربع سنوات ولن يكون هناك مفاهيم عن الأغلبية والأقلية كما كان مسبقًا.
خيارات تركيا:
إذن، ما هي الخيارات المتاحة أمام تركيا في ظل هذه المعادلة؟، تركيا لديها خيارات ثلاث: أولها هو ألا تتدخل تمامًا، أو أن تتدخل جزئيًا، وآخرها أن تتدخل كليًا وذلك يعني سياسيًا وعسكريًا، ويمكن تحقيق الإختيارين الأخيرين عن طريق ثلاثة طرق، إما بالتعاون الأمريكي الكامل، أو بدعم أمريكي غير مباشر مع التعاون الخليجي من قبل السعودية والكويت، وإما بالتدخل العسكري من قبل دول الخليج مع القوات التركية بدون الاعتماد على القوات الأمريكية.
إن توافق سيناريوهات الولايات المتحدة الأمريكية مع الخيارات التي تسعى إليها تركيا يبدو أمرا مستبعدا. وبسبب الوضع السعودي الحالي، والتدخل العسكري في اليمن، تعلم تركيا بأن مساندة السعودية لها بالتدخل العسكري ستكون محدودة، ولكن في المقابل ستكون السعودية بمثابة داعم مالي وجغرافي مهم لتركيا، أما بالنسبة للحلين الآخرين ففي حال استخدام أي منهم، ستكون تركيا تحت مظلة حلف الناتو، ولكنها ستضحي بالكثير مقابل ذلك، فمع الأسف، لا يبدو هناك حل جذري أو اختيار واضح أمام تركيا في الفترة الراهنة.
كان لتركيا أن تستمر بالسياسات الماضية بشكل جيد ولمدة أطول، إلا أنه ومع حصار حلب الأخير، تغيّرت كل الإفتراضات والحلول المؤقتة أمام تركيا، ووجب عليها الآن أن تعيد بلورة سياساتها الخارجية مع سوريا وتقوم بتغيير جذري فيها، فالتناقض ما بين سياسة تركيا مع الأزمة السورية وما يحدث على الأرض لا يمكن أن يستمر طويلًا. من أهم العوائق التي تواجه التدخل التركي في سوريا، هي التهديدات والمخاطر التي افتعلتها روسيا. بدون شك، إن استعداد كل من روسيا وإيران لاستخدام القوة الثقيلة في الحرب سيدفع تركيا لمواجهة أعباء مالية كبيرة من أجل كسر هذه القوة.
عند النظر من هذه الزاوية، سنتأكد من بطلان الادعاءات السياسية التي تزعم بأن تركيا خارج المعادلة السورية. لأنه من السهل وضع تركيا ضمن خطة سرية تؤدي إلى عزلها إقليمياً، وتهميش دورها في المنطقة بشكل كامل.
المصدر: الجزيرة التركية