ليس المقصود بالخوف من الديمقراطية هنا، الخوف من الجديد أي أنه خوف عربي وإنما هو خوف غربي من ديمقراطيتنا مغلفة بالتخويف من إسلاميينا أو ما يسمى بالإخوانوفوبيا مؤخرًا، فهذا الخوف ظاهره الإسلاميين وباطنه الديمقراطية.
لا شك أن هناك أنواع متعددة من الفوبيا في العالم، منها ما هو نفسي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ماهو سياسي كالإسلاموفوبيا، ولقد اعتدنا في العالم العربي ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي على سماع مصطلح الإسلاموفوبيا المتعلق جزء منه بالإرهاب، إلا أننا مع موجة الربيع العربي وصعود الإخوان المسلمين في عدد من البلدان العربية بدأنا نسمع بخطر الإخوان وقد ترقى مستقبلاً إلى الإخوانوفوبيا أو هكذا كتب أحد الكُتاب، علمًا أنه لا الإسلام ولا الإخوان ولا المرتفعات ولا الحشرات فيها ما يدعو للخوف أو الرهاب وإنما هو مرض نفسي يتطلب العلاج.
بعيدًا عن نظرية المؤامرة هناك خوف غربي أو خوف عند الدول ذات التاريخ الاستعماري والتي اعتادت الحصول على مصالحها بسهولة والتي ارتبطت مصالحها غالبًا بالاستبداد، فمصالح الدول في العالم الثالث مع الديمقراطية تُعقد المسائل والاتفاقيات؛ لأن هناك عملية مؤسسية تتفاعل فيما بينها لكي تُقرر في النهاية كتفاعل البرلمان والإعلام وأحزاب المعارضة والرأى العام … إلخ.
فالموضوع لا يقتصر على التعامل مع الزعيم الأوحد وبجرة قلم كما كان في السابق؛ فهذا يجعل أصحاب المصالح يَخافون على مصالحهم من أن تمر عبر المأسسة والدمقرطة بالرقابة والإعلام والشفافية وغيرها من آليات وأدوات الديمقراطية، فمُنذ خمس سنوات والعالم العربي يَعيش عسر التحول الديمقراطي، ومن المؤكد أن للعوامل الإقليمية والدولية دور في ذلك العسر ليس خوفًا من الإخوان ولا الإسلاميين فليس فيهم ما يُخيف، وإنما خوف من الديمقراطية نفسها، فإرساء الديمقراطية واستقرارها يعني الكثير بالنسبة لهذه الدول ذات المصالح.
لا أريد الدخول وعرض قيم وأدوات وآليات الديمقراطية فهي معروفة للجميع، إلا أن ماهو غير معروف هو خوفهم من أن نُقرر الديمقراطية ونأسسها في بلداننا، فهذا يعني خطر مستقبلي على الاعتماد عليهم وخاصة اقتصاديًا، فنحن بالنسبة لهم سوق تصريف من ثلاثمة مليون عربي بقوة شرائية عالية، والديمقراطية في أحد عواملها أو معانيها هي الاقتصاد والصناعة والنمو الاقتصادي والتخلص من قيود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي كما فعلت تركيا والبرازيل بسبب غياب الفساد والمؤسسية، وهي نوع من السيطرة على هذه الدول عالميًا عن طرق المانحين.
فإذا ذهبنا بعيدًا عن العالم العربي والإسلامي وبعيدًا عن الإخوان والإسلاميين، ومن تجارب أفريقيا أو أمريكا اللاتينية سابقًا كان هناك خوفًا أيضًا من الديمقراطية وهناك انقلابات عسكرية وموجات ديمقراطية واستبداد، فهل هناك إسلاميون؟ الجواب لا، وإنما هناك وطنيون وهم مُخيفون بالنسبة لأصحاب المصالح، لكن في النهاية ستنتصر الشعوب إذا أصرت على الديمقراطية ورفضت الاستبداد كما حصل في أمريكا اللاتينية بعد ضمان جزئي للمصالح خاصة الأمريكية.
إن أصحاب المصالح داخل بلدان الربيع العربي من العسكريين والإعلاميين والسياسيين والقضاة … إلخ، ليسوا أقل خوفًا من أصحاب المصالح من الدول ذات التاريخ الاستعماري، فهم مُتضررون أيضًا وما يقومون به من أفعال كثورة مضادة كشفتهم مبكرًا، فيضعون أنفسهم كليًا أو جزئيًا في خدمة المشاريع الكبيرة التي تراقب بعناية ما يجري من تحولات في المنطقة ورغبة الشعوب بالديمقراطية فيحركرون هؤلاء المنتفعين ليحذروا من الإسلاميين والإخوان وغيرهم تحت مسميات أخونة الدولة في مصر مثلاً أو خطفوا الثورة متناسين الانتخابات.
أخيرًا سَتُرسي الديمقراطية في بلداننا المنكوبة طال الزمن أم قصر وسيَحكم العالم العربي سياسيين وطنيين سواء كانوا إسلاميين أم غير إسلاميين، والذين يُحاولون الوقوف أمام عجلة التاريخ سيسحقون في النهاية أمام تلك العجلات.