ولم يكن يتوقع النظام المصري أن يتحول مؤتمر لافتتاح عدد من المشروعات الخدمية في مدينة السادس من أكتوبر، إلى ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، والصحف، وبرامج التوك شو، احتجاجا وسخرية وتهكما، من مشهد “السجادة الحمراء” التي افترشها المسؤولون عن تنظيم المؤتمر لتطأها سيارات الرئيس وموكبه.
مشهد السجادة الحمراء الممتدة لمئات الأمتار أثار استياء قطاعات كبيرة من الشعب المصري، ولاسيما من الفقراء ومحدودي الدخل، والشباب العاجز عن إيجاد فرصة عمل، وأولئك الذين يتوجه عادة إليهم الرئيس في خطاباته بأهمية ترشيد الإنفاق والحد من الاستهلاك وضرورة رفع الدعم تدريجيا لمساعدة البلاد في محنتها التي تمر بها من تراجع مستوى الدخل.
خطاب ومظاهر متناقضة
المفارقة العجيبة أن مشهد سيارات الموكب الرئاسي على السجادة الحمراء، التي قدر ثمنها البعض بمئات الآلاف وربما الملايين من الجنيهات، ترافق مع نداء الرئيس في ذلك اليوم بأهمية رفع الدعم تدريجيا لعجز الدولة عن تحمل فاتورة المرافق الحيوية ولاسيما المياه والكهرباء، وبعض المواد والسلع الغذائية، مطالبا من المواطنين التضحية والصبر بسبب فقر الدولة وضعف إمكانياتها المالية.
وما تسبب في إحراج الرئيس تلك المفارقة، المثيرة للسخرية والاستياء من قبل البعض، حيث التناقض الشديد بين دعاوى ومطالب الحد من الاستهلاك وترشيد الإنفاق ورفع الدعم، وبين مظاهر والترف والإسراف المبالغ فيه التي يظهر بها النظام خلال المؤتمرات الرئاسية أو افتتاح المشاريع الخدمية التي من المفترض أن تقدم خدمة للشعب الفقير، إلا أن تكلفة تلك المؤتمرات والاجتماعات، التي لا تستغرق سوى ساعات قليلة تتجاوز الملايين، في الوقت الذي تئن فيها خزينة البلاد من تراجع الموارد المالية، بسبب التراجع الملحوظ في السياحة الأجنبية بعد حادث استهداف السياح المكسيك في الصحراء الغربية، وما تبعه من تطورات متعلقة بحادث الطائرة الروسية وقطع الرحلات الأجنبية والسياحية إلى مصر.
النظام يعلق والإعلام ينتقد
وفي محاولة من النظام المصري للرد على تلك الاتهامات بالإسراف والبذخ، علق نائب مدير إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة العميد إيهاب القهوجي بالقول بأن السجادة الحمراء ما هي إلا مشهد بروتوكولي عالمي يتكرر في معظم دول العالم، وأن السجادة الحمراء لم تكلف النظام الكثير، وتم استخدامها في مشاريع سابقة، آخرها مشروع افتتاح قناة السويس، وسيتم استخدامها في مشروعات قادمة.
إلا أن تبرير النظام لمشهد السجادة الحمراء لم ينطلي على وسائل الإعلام، حتى المحسوبة على النظام، حيث انبرى كثير من الإعلاميين في برامج التوك شو للحديث عن مشهد السجادة الحمراء، ومن هؤلاء الإعلامي يوسف الحسيني التي تناول في برنامجه ذلك المشهد بالقول: “كيف تنافقون إلى هذا الحد؟ ازاي تضعوا سجادة أحمر في كل الشوارع وعلى الأسلفت علشان العربيات بتاعت موكب السيسي تمشي عليها؟ وبأي منطق؟ مفيش أي دولة في العالم رئيسها بتمشي عربيته على سجاد أحمر، كان ممكن بهذه الأمتار الطويلة من السجاد نجيب بيها بطاطين لخلق الله اللي بيموتوا من البرد، ده إهدار واضح لأموال الفقراء!!
بدورها علقت الإعلامية لميس الحديد بقولها: “أنا أفهم إن في سجادة عشان يمشي عليها الرئيس، ولكن سجادة حمراء تمشي عليها العربيات كمان!! ده رايح يفتتح مناطق سكنية وطرق صرفنا عليها من لحمنا الحي، مشهد السجادة مستفز جدا!! العربية تمشي على سجادة ده كبيرة شوية”.
تعليق الصحافة العالمية
ولم يمر مشهد البساط الأحمر مرور الكرام على وسائل الإعلام الدولية والعالمية، والتي عادة ما تهتم بالتفاصيل، وردود الأفعال حول الأحداث، حيث تناولت صحيفة الديلي ميل البريطانية وعلقت في تقرير نشرته عبر صفحاتها :”الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استخدم سجادة حمراء طولها 3 أميال وثمنها 143 ألف استرليني، مليون جنيه ونصف تقريبا، لافتتاح مشروعات إسكان للفقراء”.
ووصفت الديلي ميل مشهد السجادة الحمراء بأنه “لحظة مثيرة للجدل، وأن الصورة أثارت موجة من الانتقادات والسخرية على وسائل الإعلام الاجتماعية”.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية هي الأخرى تناولت مشهد السجادة الحمراء ووصفته بـ”المشهد الملكي” والمبالغ فيه بالنسبة للكثيرين.
وقالت الصحيفة: “فرش سجادة حمراء احتفاء بشخصية عامة رفيعة المستوى هو تقليد بروتوكولي متعارف عليه دوليا منذ سنوات طويلة، لكن السجادة الحمراء التي فرشت في القاهرة احتفاء بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تسببت له في ورطات كبيرة وتخدم معارضيه الذين يحاولون إظهاره كمن يعيش حياة مترفة بينما المواطن المصري البسيط يعاني من الفقر والجوع وانهيار الوضع الاقتصادي”.
يذكر أن تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2014 يشير إلى أن أكثر من 25% من السكان في مصر يعيشون تحت خط الفقر بسبب تدني فرص العمل وتراجع معدلات الاستثمار وتراجع مستوى الدخول.