إتخذ العالم العربي تونس مثالًا لتجربة الربيع العربي الناجحة وقدوة يُحتذى بها في النظام الديموقراطي في مرحلة ما بعد الثورات، إلا أن تونس كما برعت في المسار الديموقراطي بعد الثورة لتصبح من أكثر الدول العربية ديموقراطية، اتخذت مسارًا مخالفًا تمامًا لتوقعات وطموحات الثوار بعد مرور خمس سنوات على ثورة تونس، فتونس تتأرجح الآن ما بين نجاح التجربة الديموقراطية وفشل التجربة الإقتصادية، لتقع تحت تهديد التوعك الإقتصادي وغضب وحنق شباب الثورة على ذلك.
تعيش تونس الآن تحت وطأة الفقر، ، عدم الأمان، و البطالة، وهو الأمر الذي جعل موضوع هجرة الشباب إلى المدن الكبيرة أمرًا يهدد التوزيع الجغرافي للسكان في تونس وتحديدًا الشباب، لتخلو مدن بأكملها من السكان هربًا من الفقر والبطالة بحثًا عن الحياة الأكثر أمانًا واستقرارًا من الناحية المادية في المدن الكبيرة.
بعد أن فجّر بوعزيزي ثورة تونس بإشعاله النار في نفسه اعتراضًا على تعامل الشرطة مع العاطلين عن العمل وتفشي الفساد في النظام التونسي، لم ينتهي الأمر عند ذلك الحادث، فبعد مرور خمس سنوات على الواقعة، جاء رضا يحياوي ليعيد الأمر من جديد ويكون بوعزيزي تونس الجديد، وأشعل النار في نفسه اعتراضًا على عدم حصوله على وظيفة بسبب انتشار البطالة في أنحاء تونس، وصرح والده لرويترز بعد الحادث الذي وقع في الشهر الماضي بأن ابنه قد أحرق نفسه لأنه فقد الأمل، ولكن هذا لا يعني أن النظام سيستمر على نفس المنوال، فرضا سيكون بوعزيزي الجديد، وهذا إنذار للسلطات، وهذا سيشعل المظاهرات لعودة الحق في العمل والكرامة في تونس.
شاب قام بتخييط فمه اعتراضًا على البطالة في تونس
اشتعلت المظاهرات الأخيرة في تونس في ولاية القصرين، حيثما هدد العديد من الشباب بقتل أنفسهم اعتراضًا على تجاهل أصوات الشباب الراغبين في العمل من قِبل الحكومة التونسية، كما أصيب اثنين منهم في محاولتهم للإنتحار من أعلى مبني حكومي اعتراضًا على عدم توافر فرص العمل لهم، كما استخدم البعض الإضراب عن الطعام كوسيلة من وسائل الاعتراض على الحكومة.
صرح رئيس الوزراء التونسي بأن الحكومة تعمل الآن على حماية العملية الديموقراطية في تونس ولهذا يتم التضحية بالعديد من مطالب الشعب منها مطالبة الشباب بمزيد من فرص العمل، إلا أن الحكومة لا تتجاهل ذلك وإنما تطلب مزيدًا من الوقت للاستجابة لتلك المطالب.
لا يبدو أن التطور الإقتصادي في تونس يتماشي مع التنمية السياسية الملحوظة هناك، فمع الوصول إلى حل سياسي وسطي يقنع كل من الطرف الإسلامي والجبهة العلمانية كمرحلة إنتقالية في المنطقة، إلا أن آراء الشباب التونسي يرى بأن الوضع السياسي والإقتصادي في تونس يسير من سيء إلى أسوأ، فلم يرى الشباب التنمية التي حلموا بها منذ عام 2011.
أنا متزوج ولكنني لا أستطيع تأمين احتياجات أسرتي، لقد فقدت الأمل في تحسن الأوضاع في تونس.
لا تتمتع تونس بالموارد الطبيعية كمصدر للإقتصاد أو الاسثماركما يتمتع جيرانها ليبيا والجزائر بموارد كالبترول، كما أن العمليات الإرهابية التي شهدتها تونس مؤخرًا في السنوات الثلاثة الأخيرة كهجوم الميليشيات الإسلامية على متحف في تونس العاصمة، والتفجير الإنتحاري في المنتجع السياحي الذي راح ضحيته العديد من الأجانب قد قضت على السياحة كمورد إقتصادي مهم لتونس ، كما قصت على فرص العمل للشباب في قطاع السياحة.
يرى الشعب التونسي بأن الاستثمار في السياحة فقط كان غلطة وخيمة من النظام التونسي، فعندما هوجمت السياحة لم يعد لتونس أي مجال للإسثمار، رغم أن تونس تتمتع بموارد ومصادر أخرى للإقتصاد غير السياحة.
كان بوعزيزي يحمل شهادة جامعية إلا أنه اضطر لبيع الفواكه والخضروات كبائع متجول، واستمرت الأزمة من بعده ليبلغ عدد العاطلين عن العمل من حاملي الشهادات الجامعية هو ثلث الطلاب الذين أتموا التعليم الجامعي بنجاح، وهذا الأمر يفسر عدد الشباب المتزايد المنضمين منهم إلى الميليشيات الإسلامية في العراق والشام والآن ليبيا، حيث بلغ عددهم وهذا الأمر يفسر عدد الشباب التونسي المتزايد المنضمين منهم إلى الميليشيات الإسلامية في العراق والشام والآن ليبيا، حيث بلغ عددهم 3000 شاب منضم للجماعات الإسلامية في العراق وسوريا.
يقول ناصر عبيدة، 34 سنة، لوكالة رويترز بأن الشباب يقضي شطرًا من عمره لإتمام الدراسة آملًا في وظيفة ينتفع بها لنفسه وينفع بها بلده، لكن ينتهي الأمر بهم عاطلين عن العمل بشكل غير مقبول، لم يعد امامهم العديد من الإختيارات، إما الهجرة إلى الخارج، أو الإنضمام إلى الجماعات الإرهابية.
الوضع السياسي والإقتصادي في بلدي مهزلة درامية، ولكن أنا عندي أمل بأن الحكومة ستسعين بالشباب لحل تلك الأزمة عما قريب
مروة، 26 سنة، عاطلة عن العمل وتحمل شهادة جامعية
جرافيتي ” نحن الثورة” بالقرب من أماكن التجمعات التي استخدمها المتظاهرين للاحتجاج على البطالة في ولاية القصرين
شباب عاطل عن العمل بالقرب من جرافيتي”الشباب المهمش”
يونس، 26 سنة، يحمل شهادته الجامعية في مظاهرات الشباب ضد البطالة
الشباب التونسي في احتجاجات البطالة
شباب يحملون شابًا أضرب عن الطعام قد أغمى عليه في احتجاجات الشباب ضد البطالة أمام مكاتب الحكومة الرسمية
عائشة، 24 سنة، تحصل على إعانة اجتماعية من الحكومة قدرها 230 دينار لحين انفراج أزمة البطالة وتوظيفها، تقول عائشة بأنها فقدت الأمل في الحصول على وظيفة، لم يتغير شيء في تونس منذ خمس سنوات.
وردة، 75 سنة، وهي أم لثلاثة شباب عاطلين عن العمل
“المستقبل السياسي والإقتصادي في تونس يقلقنا جميعًا، لقد تخرج أولادي من الجامعة منذ سنوات و مازالو عاطلون عن العمل حتى الآن، أنا أخشى على مستقبل أولادي من الضياع، فمن الممكن أن ينضموا للجماعات الإرهابية كما فعل غيرهم”
عائشة، 49 سنة، تقوم بتجميع البلاستيكيات وتقوم بيبيعها كمصدر رزق لها