عندما اجتمع زعماء العالم في لندن لحضور مؤتمر كبار المانحين لأزمة اللاجئين السوريين يوم الخميس المنصرم، كانوا غير قادرين على الإجابة على العديد من الأسئلة الصعبة التي واجهتهم، فكيف يمكنهم تجنب خلق جيل ضائع من الأطفال الذين قد يكونون غير مؤهلين للعمل، أو قد يؤلون لما هو أسوأ، لأن يصبحوا متطرفين؟ وكيف يمكنهم تزويد اللاجئين البالغين بالمهارات والمؤهلات اللازمة لبناء حياة خارج سوريا؟ بعض الإجابات الأكثر إلحاحًا قد تكون قد طرحت بالفعل على بعد بضعة أميال من المدينة التي عُقد فيها مؤتمر المانحين.
في إستوديو مؤقت في حي شورديتش شرق لندن (المعروفة باسم مدينة التكنولوجيا)، اجتمع كبار رجال الأعمال التقنيين شخصيًا وعن طريق السكايب من جميع أنحاء العالم للتحدث عن مشاريع من شأنها توفير المهارات والوظائف والفرص للاجئين، وقد تم رعاية هذا الحدث من قِبل (Techfugees)، وهي منظمة غير ربحية أنشئت لتنظيم استجابة المجتمع التكنولوجي لأزمة اللاجئين، وقد تقرر البدأ بتشغيلها قبل يوم واحد من مؤتمر المانحين، حيث دُعيت Techfugees للمشاركة في المؤتمر، ومثّلها هناك ألكسندر العسيلي، مؤسس شركة التكنولوجيا القابلة للارتداء (Jawbone) البريطاني- اللبناني.
تبعًا لمايك بوتشر، المؤسس المشارك في Techfugees، فإن انتشار الهواتف الذكية قد وضع بين أيدي اللاجئين تكنولوجيا قوية ومهمة للغاية، وهي بانتظار أن يتم استخدامها بطريقة أكثر تطورًا، حيث تتراوح الميزات بين خدمات تحديد المواقع التي يمكن أن توجه اللاجئين إلى المناطق الآمنة، إلى تطبيقات يمكنها أن تضع الخدمات الطبية أو حتى الأطباء، داخل جيوبهم، وهي في المعظم حلول يمكن تطويرها في القطاع الخاص، ويجب أن تساعد في الوصول إلى إعادة التفكير بشكل جذري في نطاق وهيكل المساعدات الإنسانية.
تم تطوير معظم الأفكار التي طرحت بالتشاور مع اللاجئين أنفسهم، وكانت بعض هذه التقنيات متطورة جدًا – مثل الطباعة الثلاثية الأبعاد 3D التي تقوم بطباعة الأطراف الاصطناعية، وأجهزة تحديد الموقع بالموجات فوق الصوتية التي يمكنها مساعدة اللاجئين الذين سرقت المتفجرات بصرهم، في حين كان بعضها الآخر أقل تطورًا من الناحية التكنولوجية، فمثلًا قامت (GeeCycle) بجمع الهواتف الذكية من الأشخاص في جميع أنحاء العالم وتوزيعها على اللاجئين، كما تم تصميم تطبيق للمعونات (The Refugee Aid App) لمساعدة اللاجئين والنازحين على الاستدلال على كافة أنواع المساعدات – الغذاء والمأوى والمساعدة القانونية والرعاية الطبية – التي تكون متاحة لهم على الخريطة.
الحل الذي ابتكره رجل الأعمال الألماني هارالد نايدهاردت باشر مع شغفه بحاويات الشحن، فبالتعاون مع شركة سيسكو للأجهزة وخدمات الترجمة، استطاعت شركته تطوير وسيلة لتحويل الحاويات إلى مكاتب طبية يعمل ضمنها أطباء ويتم ربطها عن طريق الفيديو بمترجمين فوريين يعملون على ترجمة أكثر من 50 لغة، وقد استغرق الأمر منه ستة أسابيع.
في لندن وفي مؤتمر Techfugees، أوضح نايدهاردت بأن مركزه “أكثر إنسانية بالنسبة للاجئين وأكثر كفاءة بالنسبة للأطباء” إلى جانب كونها أكثر فعالية من ناحية التكلفة وذلك على اعتبار أنها لا تحتاج لوجود العديد من المترجمين الفوريين في الموقع، حيث غالبًا ما يتم إرسال اللاجئين الذين لا يتكلمون الألمانية إلى غرف الطوارئ لتلقي العلاجات الطبية الأساسية لأن الحواجز اللغوية تجعل من الصعب تقدير الحالة بشكل صحيح دون ذلك، ولكن مراكز الاستجابة المتحركة التي تمتلك مترجمين تحت الطلب قد تحل هذه المشكلة، ويضيف نايدهاردت بأن كل حاوية تكلف حوالي 50.000 يورو (56.000 دولار)، ويمكن أيضًا أن تستخدم لغايات تعليمية أو غيرها من الخدمات، والنموذج الأولي جاهز للعمل في هامبورغ والطلب عليه كبير هناك لمساعدة اللاجئين، ويشير بأن هدفه هو وضع 100 حاوية على طول الطريق جنوبًا إلى ليسبوس في اليونان وفي الأماكن الأخرى حيث توجد المخيمات.
من ناحية ثانية، تقدم جامعة كيرون للاجئين فرصة الحصول على شهادات معتمدة دوليًا وبالمجان من خلال المشاركة في صفوف البرامج والجامعات المفتوحة، وفي هذه اللحظة، فإن80% من طلاب جامعة كيرون هم من السوريين، الآتين من مراكز اللاجئين.
وخلال فعاليات مؤتمر Techfugees اتصل هيو بوسلي، مؤسس ReBootKamp، من سان فرانسيسكو للحديث عن مشروعه لبناء خط وصل للمواهب بين الشرق الأوسط ووادي السليكون من خلال تعليم اللاجئين طريقة الترميز (Coding)، وعلى الرغم من أن هذا الهدف يبدو بعيد المنال، لكن تبعًا لبوسلي، الذي يتشارك مع شخص من أصل سوري في شركته، فإنه “من الممكن جدًا” تعليم اللاجئين الترميز خلال فترة لا تتجاوز الـ12 إلى 16 أسبوع، ويقول بأنه استطاع الحصول على التزامات من الصناعات التكنولوجية لتوظيف كل الخريجين من برنامجه خلال العامين المقبلين.
وفي هذا الشأن، حذر المفوض السامي السابق للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنطونيو غوتيريس، أن نظام تمويل الإغاثة الإنسانية في المنظمة قد أفلس، ومنذ عام 2014 قال: “الزيادة الهائلة في الاحتياجات التي رأيناها في السنوات الثلاث الماضية، أفلست نظام التمويل الإنساني تقريبًا”، ولكن مجتمع التكنولوجيا يمكن أن يكون جزءًا من الجواب، فهم لا يقلقون بشأن فقدان الوظائف أو اختلاس الفوائد، بل هم يرون اللاجئين كرجال الأعمال، يجمعون بين نهمهم لإيجاد الحلول لأي مشكلة تعترضهم مع إنتاجيتهم الهائلة، ليجدوا الحل من خلال منتج بالحد الأدنى من التكاليف خلال أسابيع أو أشهر.
نبهت بعض أوساط مجتمع المنظمات غير الحكومية إلى ضرورة إيجاد طرق أكثر ابتكارًا للعمل، وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين مشروع (The Hive)، وهو مختبر ابتكار يقع مقره في نيويورك ويصفه مديره على أنه في جزء منه عبارة عن شركة تكنولوجية ناشئة، وفي جزء عملية سياسية، والجزء الآخر علامة تجارية استهلاكية، ويعمل (The Hive) مع شركة (Civis Analytics)، كما أبرم اتفاقية مع شركة (Kickstarter) وغيرها من الشركات لرفع الوعي بقضايا اللاجئين وإيجاد مصادر جديدة للتمويل.
بحسب براين رايك، مدير (The Hive)، المشاكل الراهنة أكثر من مجرد تحدٍ لمنظمات الإغاثة الإنسانية، إنها تحدٍ هائل للأنظمة، لذلك فإذا حاولنا حلها من خلال بعض الأعمال الخيرية التي قد تمنحنا شعورًا جيدًا، فإننا سنشهد ازدياد هذه المشاكل سوءًا، فنحن لا نضع ما يكفي من المال للمساعدة في المكان الملائم.
كان الهدف من مؤتمر المانحين بالتأكيد تقديم بعض الأعمال الخيرية، حيث استطاع جمع أكثر من 10 مليارات دولار، أو حصل على تعهدات بدفعها على الأقل، وهذا وحده أمر يثلج الصدر، ولكننا نستطيع أن نحكم في النهاية على نجاح هذه الجهود التي تبذل إذا ما تحولت مخيمات وتجمعات اللاجئين إلى مراكز للتعلم والمشاركة، بدلًا من كونها أماكنًا للكسل واليأس.
المصدر: بلومبرج