السلطة التي لا تقوم بواجبها في حماية الأرض والشعب ما حاجة الشعب إليها؟ والسلطة التي لا تذرف دمعة لعذاب الشعب على الحواجز، هل سيذرف الشعب دمعة لفراقها؟ والسلطة التي تغمض عينها عن المستوطنين الذين يغتصبون أرض الضفة الغربية، هل سيحافظ عليها الشعب بعيونه؟ والسلطة التي لا تحرك ساكنًا ضد الجيش الإسرائيلي الذي يقتحم المدن ويعتقل شباب الضفة الغربية، هل سيحرك الشعب أصبع قدمه دفاعًا عنها؟
إن السلطة التي لا تقف مع شعبها وقت الضيق، لن يحتاج إليها الشعب في الوسع، ولن يظل ينظر إليها بقداسة طالما نجح الصهاينة أثناء وجودها في تدنيس المسجد الأقصى وتهويده، وطالما نجح الصهاينة أثناء حضورها في مصادرة أرض الضفة الغربية، وتسريب ملكيتها إلى يد المستوطنين، وطالما نجح الأعداء في تمزيق الوطن إلى كنتونات معزولة، وسط هدوء السلطة وسكون قادتها الذي شجع العدو على ممارسة المنكر علانية ودون وجل.
لقد وصلت السلطة الفلسطينية بسلبياتها إلى المرحلة التي تفرض على الشعب الفلسطيني أن يحسم أمره، وألا يظل مترددًا في قول كلمة حق في وجه قيادة أفرغت السلطة الفلسطينية من مضمون الكرامة الوطنية؛ التي تميز أي سلطة تحترم نفسها، لقد آن أوان التمرد على سلطة أكلت اللحم الوطني، بعد أن أذابت شحم القضية، وراحت اليوم تدق عظم الشعب كي تغذي جسدها الهزيل، وهي تستجدي حقنة تفاوضية تنعش وجودها، وتتوسل العدو لبعض اللقاءات الوهمية، وترجوا بعض المساعدات الأجنبية التي ستبقيها على قيد الحياة السياسية.
انقذوا ما يمكن إنقاذه من الوطن على وجه السرعة، وذلك بالتخلص نهائيًا من السلطة، وتحميل يوآب مردخاي منسق شؤون المناطق المسؤولية الكاملة عن حياة الناس في الضفة الغربية وغزة، وتحميله المسؤولية عن حماية أمن المستوطنين، وما سينجم عن تصاعد المواجهات اليومية، لقد آن الأوان لاجتماع التنظيمات الفلسطينية والمؤسسات الشعبية والقوى الوطنية والإسلامية، والجمعيات والوجهاء والمخاتير ليعلن الجميع عن عدم حاجة الشعب إلى سلطة انتهت صلاحيتها فعليًا مع انتهاء المرحلة انتقالية سنة 1999، مع ضرورة تشكيل قيادة وطنية وإسلامية ميدانية موحدة، قادرة على وصل ما انقطع، والآخذ بيد الشعب إلى الحرية.
إن واقع الحال الفلسطيني ليقضي بألا تغمض التنظيمات الفلسطينية وعلى رأسها تنظيم حركة فتح عيونهم عن المتغيرات البائسة التي تعصف بالقضية الفلسطينية، ولاسيما بعد أن صار الحفاظ على السلطة أهم من الحفاظ على الوطن، وبعد أن صارت التضحية بمزيد من الأرض شرطًا للحفاظ على السلطة، وبعد أن تم تجاهل الأسباب التي من أجلها شكلت السلطة، والغاية من تشكيلها، فتحولت السلطة من متغير سياسي إلى ثابت وطني، لتضيع في هذه الزحمة الثوابت الوطنية، التي حشرها بعض المنتفعين من السلطة في حقائب السفر.
لقد استغل الصهاينة وجود السلطة الفلسطينية وقيادتها أحسن استغلال، بعد أن أفرغوها من مضمونها، وحرفوها عن الغرض الذي تشكلت من أجله، فحسموا بوجود السلطة عدة قضايا ما كان يقدر الجيش الإسرائيلي بكل قواته على حسمها دون وجود السلطة.
1- لقد حسم الصهاينة موضوع السيطرة الأرض في الضفة الغربية، فقد صارت أرض الضفة الغربية في عهد السلطة الفلسطينية، يهودية بنسبة 62%، وهذا ما أكدته كل التقارير والأبحاث التي أشارت إلى أن هذه النسبة من الأرض يعيش عليها أكثر من 700 ألف يهودي، وأقل من 70 ألف فلسطيني.
2- لقد حسم الصهاينة موضوع الدولتين الجارتين، وأعلنوا عن استحالة قيام دولة فلسطينية، ولاسيما بعد أن انضم زعيم المعسكر الصهيوني “هرتصوغ” إلى زعيم الائتلاف الحاكم “نتانياهو” وراح يطالب بالانفصال عن الفلسطينيين بعد أن تأكد لديهم استحالة قيام دولة فلسطينية، ليكتمل المشهد مع دعوة زعيم البيت اليهودي نفتالي بنت، إلى ضم الضفة الغربية من طرف واحد، ومنح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا موسعًا في مناطق، A B وفي المقابل علينا الشروع فورًا بفرض السيادة الإسرائيلية التدريجية على مناطق C واقترح أن يبدأ ذلك في منطقة غوش عصيون.
3- لقد حسم الصهاينة موضوع السيادة، حين صارت صلاحيات رئيس السلطة أقل من صلاحات السيد كريم خلف رئيس بلدية رام الله في زمن الاحتلال الإسرائيلي، وصارت صلاحيات رئيس الوزراء أقل من صلاحيات رئيس روابط القرى السباق مصطفى دودين، ولاسيما أن الاحتلال الإسرائيلي هو الذي يقوم باعتقال الشباب من داخل المدن التي تسيطر عليها السلطة، والاحتلال هو الذي يحاكم، ويزج بالعشرات في السجون، والاحتلال يقتل كما طاب لرصاصه أن يخترق، ويجرح، والاحتلال يصادر الأرض، ويقطع الأشجار، ويعطي تصاريح العمل، ويعطي إذن السفر، ويعطي بطاقة vip للشخص الأكثر وفاءً لمصالح إسرائيل، فما الذي تبقى للسلطة الفلسطينية غير تسلم الضرائب من إسرائيل، وتوزيعها على الموظفين؟
على التنظيمات الفلسطينية الوطنية أن تتبرأ من هذه الحالة، وأن تعلن للجميع بأن الأرض الفلسطينية أهم من السلطة، وأن الشعب الفلسطيني أهم من قيادته ومن رئيسه ومن رئيس وزرائه ومن كل الشخصيات التي تحمل بطاقة vip، فالشعب صاحب الأرض التي يستهدفها العدو، وهو عنوان العطاء والوفاء، وهو الذي أعلن في كل استطلاعات الرأي عن عدم حاجته إلى سلطة وهمية زائفة لم تحرر شبرًا، ولم تحفظ عهدًا، ولم تحم امرأة أو طفلًا.