زادت المملكة العربية السعودية من المخاطر في معركتها مع إيران من خلال الإعلان عن إرسال قوات برية الى سوريا.
يهدف هذا التحرك الأخير إلى جذب الولايات المتحدة للمشاركة المباشرة في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية وتحالف روسيا وإيران للإبقاء على الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة، وبالتالي، فإنَّ الاتفاق بين القوى الكبرى في العالم للتفاوض على وقف الأعمال العدائية لن يحبط الإستراتيجية السعودية.
في حواره الأخيرة مع مجلة الإيكونوميست، تحدث نائب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن أهداف السياسة السعودية الأكثر حزمًا، والتدخل الخارجي وسياسة الدفاع الجديدة، ولتحقيق هدف المملكة من تراجع الانتفاضات الشعبية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى عدم ترك أي خيار للولايات المتحدة سوى إعادة الاشتراك في الأحداث بدلًا من مجرد التركيز على مكافحة الجماعات الجهادية.
“يجب أن تدر الولايات المتحدة أنها رقم واحد في العالم، وبالتالي يجب أن تتصرف على هذا النحو”، هكذا قال الأمير محمد، مشيرًا إلى أنه كلما أسرعت الولايات المتحدة في عملية المشاركة كان ذلك أفضل؛ لأنَّ هذا يعني دعم قوي من الولايات المتحدة للجهود التي تبذلها المملكة لتشكيل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وفق صورتها الخاصة.
ما يحدث في سوريا له تداعيات إقليمية أكثر إلحاحًا بكثير من الأحداث في اليمن حيث يعاني الجيش السعودي من أجل الفوز في حرب خاسرة ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، مع قصف عشوائي للأهداف المدنية، ومن ثمّ قد تُجبر القوات البرية السعودية في سوريا الولايات المتحدة لتصبح أكثر انخراطًا في هذا الصراع.
إنَّ التدخل السعودي في سوريا، على عكس اليمن، يجعل القوات السعودية قريبة من القوات الروسية والحرس الثوري الإيراني، ولذلك، فإنَّ الهجمات الروسية والإيرانية على جماعات المعارضة السورية التي تدعمها السعودية سيثير لا محالة للحصول رد فعل قوي من المملكة.
إنها مقامرة عالية المخاطر من شأنها إشعال الصراع، وقد تدفع الولايات المتحدة إلى تجنب الانخراط، وتأمل الولايات المتحدة أن تنفيذ اتفاق فريق دعم سوريا الدولي لوقف إطلاق النار سيمنع التدخل العسكري السعودي، هذا الاتفاق، على الرغم من الدعم السعودي لقرار فريق دعم سوريا الدولي، يستبعد ليس فقط تنظيم الدولة الإسلامية ولكن أيضًا جبهة النصرة من وقف الأعمال العدائية، وهو الأمر الذي يثير تساؤلات حول ما هي النوايا الحقيقية للمملكة.
هذا الاتفاق، حتى لو تم تنفيذه، لن يقلّل مخاطر حدوث صراع سعودي روسي إيراني؛ فمن خلال استثناء داعش وجبهة النصرة، تحتفظ روسيا والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بالحق في شنّ ضربات جوية ضد المتشددين الإسلاميين؛ حيث تستهدف روسيا حتى الآن الجماعات المتمردة وليس فقط الجهاديين في سعيها لتعزيز نظام الأسد.
وصف المتحدث باسم الجيش السعودي العميد أحمد عسيري وقف الأعمال العدائية التي يجري التفاوض بشأنها بأنه “قرار لا رجعة فيه“، وفي الوقت نفسه، أعلنت المملكة العربية السعودية عن التحالف العسكري المكّون من 34 دولة سيلتقي في الرياض الشهر المقبل.
في نواحٍ كثيرة، يشكّل العرض السعودي صفعة قوية في وجه روسيا وإيران. ولمواجهة هذا التحدي السعودي والحيلولة دون تصعيد الحرب السورية، يجب على إدارة أوباما تقديم مقترحات تبرر تأجيل التدخل السعودي، وتتجاوز مجرد شنّ ضربات جوية ضد داعش والجهود العقيمة لاستئناف محادثات السلام.
جمال خاشقجي، وهو صحفي سعودي بارز تربطه علاقات وثيقة مع أسرة آل سعود الحاكمة، ذكر أنَّ الأمريكان هم الهدف الرئيسي من العرض السعودي، وفي حوار مع قناة الجزيرة الأمريكية، قال خاشقجي: “السعوديون يقولون للأمريكان: نحن مستعدون لإرسال قواتنا إلى سوريا، لكن ما لم يقله السعوديون هو: ماذا ستفعلون حيال ذلك؟ كيف ستتعاونون معنا؟ أعتقد أننا نتحدى الأمريكان لأنهم لا يفعلون واجبهم … نحن نقول لهم: هل أنتم على استعداد لإرسال قوات معنا؟”.
المفارقة هنا هي أنَّ المقامرة السعودية تتناسب تمامًا مع إستراتيجية النظام الروسي وبشار الأسد، لم ترد السعودية ولا سوريا ولا حتى إيران وروسيا الدخول في مفاوضات حقيقية يمكن أن تُنهي الحرب المدنية الوحشية المستمرة في سوريا منذ خمس سنوات حتى تعزز ساحة المعركة مواقفهم التفاوضية.
أوضح نظام الأسد هذا الموقف من خلال الهجوم الأخير في حلب الذي أضعف قبضة الثوار على المدينة وضواحيها وأكّد على أن جهود السلام التي ترعاها الأمم المتحدة انتهت قبل أن تبدأ فعليًا، لقد ساهمت المملكة العربية السعودية، التي تدعمها تركيا، في هذا الوضع من خلال إقناع جماعات المعارضة السورية بمغادرة جنيف في أعقاب هجوم حلب.
المقترح السعودي بإرسال قوات برية إلى سوريا يستغل وضع لا يمكن الدفاع عنه، لقد أدى الهجوم على حلب إلى تدفق عشرات الآلاف من السوريين على الحدود السورية التركية، وحذّر وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو من أن هذا الهجوم الأخير قد يجبر مليون سوري آخر على الفرار من حلب.
ومع وجود 2.5 مليون لاجئ سوري في تركيا ومناشدة قادة أوروبا لتركيا لاستضافتهم بدلًا من السماح لهم بالتوجه إلى أوروبا الغربية، تناشد أنقرة منظمة حلف الناتو للقيام بدوريات في المياه قبالة ساحل البحر المتوسط لمنع المتاجرين بالبشر من تهريب اللاجئين إلى اليونان، هذا الطلب التركي للحصول على مساعدة الناتو يضيف إلى الإستراتيجية السعودية لإجبار الولايات المتحدة لتصبح أكثر انخراطًا في الأزمة السورية.
تمثل سوريا لكل من المملكة العربية السعودية وتركيا ساحة المعركة النهائية للسيطرة في المنطقة، وعلى الجانب الآخر، حوّل التدخل العسكري الروسي والدعم الإيراني الحظوظ الضعيفة لنظام الأسد إلى احتمال قوي بالفوز في هذه الحرب.
في سوريا، يدور الصراع الرئيس بين نظام بشار وداعش وهذا يحوّل بشار الأسد إلى شخص محوري في الحرب ضد الجهاديين، وهذا شيء لا يمكن أن تسمح المملكة العربية السعودية بحدوثه، وبالتالي، فمن أجل تغيير الوضع، فإنها بحاجة إلى مشاركة الولايات المتحدة.
أشار خاشقجي إلى مدى إصرار المملكة العربية السعودية عندما سُئل عما إذا كانت القوات البرية السعودية تخاطر بمواجهة مباشرة مع روسيا وإيران، فقال “نعم، إنها مخاطرة، لكن الخطر الحقيقي هو فوز إيران في سوريا وسيطرتها على تلك الأرض العربية”.
المصدر: هافينغتون بوست/ ترجمة: إيوان 24