يتخذ الأردن سياسة خارجية تعبر عن إرادته وخطابه العام، وفقًا للظروف والمتغيرات المحيطة به، ضمن مجموعة من الأسس والمحددات التي تضبط هذه السياسة وتتحكم بطريقة صناعتها.
ولدى السؤال عن أهم ما يميز السياسة الأردنية الخارجية، نجد أن أبرز ميزة لها، هي أنها صديقة لجميع الدول، سواء كانت دول جوار أو دول عالمية، وفق ما أشار إليه المحلل السياسي راكان السعايدة.
وقال السعايدة: “إن السياسة الخارجية الأردنية تحاول الموازنة دائمًا في قضايا الصراع أو فيما يخص المصالح الوطنية، بعيدًا عن الحسم أو قرار يستفز الأطراف المعنية، فهي تحاول إبقاء أبواب التنسيق والحوار مفتوحة، وتعمل على عدم قطع العلاقة مع أي دولة كانت”.
وحول مدى وضوح السياسة الخارجية في التعامل مع القضايا الإقليمية، رأى السعايدة أن “السياسة الخارجية الأردنية غير قادرة على تحديد خياراتها واتجاهاتها بناء على إستراتيجية ثابتة وواضحة، فتجد أن الغموض والارتباك والتناقض يسيطر عليها أحيانًا، كما يحدث في الملف الإيراني – السوري، فيما يعتقد القائمون على هذا السياسة أن هذا السلوك هو لإرضاء الجميع وعدم إغضاب أحد”.
سياسة وسطية تُبقي على الجميع
وفيما إن كانت القاعدة الأساسية التي تنتهجها السياسة الخارجية الأردنية المتمثلة بـ “عدم التدخل في شؤون الآخرين”، مجدية وتؤتي ثمارها، اعتبر السعايدة أن قاعدة التدخل في شؤون الآخرين بشكل عام، أحيانًا تتكون إيجابية، وأخرى سلبية، فقبل القرار في التدخل أو عدمه، يجب دراسة الموضوع جيدًا من حيث جدوى التدخل وطبيعته ونتائجه وأهميته، إضافة إلى تقدير الموقف بعد التدخل بناء على تقديرات ومقاربات عميقة وصحيحة”.
وأردف الزميل الصحفي السعايدة أنه إذا كان من مصلحة الأردن التدخل، لحماية حدوده أو أمنه السياسي أو الاقتصادي أو الوطني، فإنه يجب التدخل، بل من المنطقي التدخل للدفاع عن مصالحه.
ولفت السعايدة إلى أنه في ظل زيادة مساحة التوتر التي تحيط بالمملكة، فإنه لا بد من العمل على رسم ملامح جديدة للسياسات الخارجية، تتميز بوجود استقرار واضح في توجهاتها وإستراتيجيتها ومنطلقاتها تجاه دول الجوار والعالم، لإعادة ترتيب الأولويات الأردنية”.
وفي معرض حديثه عن صانع السياسة الخارجية الأردنية، بين السعايدة أنه “لا شك فيه أن من يصنع السياسة الخارجية الملك عبد الله الثاني، إلا أن هناك جهات ودوائر مختلفة تقدم المشورة وتتشارك الاستشارات، ولكن في النهاية من يتخذ القرار هو الملك بناء على مزيد من الترقب وقراءة الأحداث”.
وأنهى السعايدة حديثه بقوله “نخلص إلى أن السياسة الخارجية الأردنية، تتحرك في محيط وظروف إقليمية ودولية معقدة للغاية، وسط حالة من الانقسامات والتحالفات، لذلك تحاول السياسة الخارجية الاحتفاظ بوسطيتها لتواجه التحديات المختلفة بناء على جهد وتفكير عند اتخاذ القرار المناسب واللازم، بعيدًا عن انتمائها لأي حلف أو طرف على خارطة التحالفات والأجندات الإقليمية والدولية”.
من الجدير ذكره، أن سياسة الأردن الخارجية تعتبر بشكل عام معتدلة نوعًا ما، لكنها أقرب للغرب، حيث ارتبط تاريخيًا بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ولكن هذه العلاقات تضررت في بداية تسعينات القرن الماضي، عندما أعلن الأردن حياده في حرب الخليج، والحفاظ على العلاقات مع العراق، مما أدى إلى تدهور في العلاقة لعدة سنوات مع بعض الدول العربية، خاصة بعد الغزو العراقي للكويت.
مع نهاية الحرب على العراق، بدأت العلاقات تعود بين الأردن والدول الغربية والعربية شيئًا فشيئًا، عن طريق مشاركة الأردن في عملية السلام بالشرق الأوسط، والمساعدة في تنفيذ العقوبات الدولية المفروضة على النظام في العراق.
يشار إلى أن دور الأردن في السياسة الخارجية والتعاون الدولي، يتمثل في أنه يقيم ويشرف على 7 مستشفيات في مناطق كوارث متنوعة من العالم، علاوة على أنه يشارك بأكثر من 40 ألف جندي للحفاظ على السلام، وهو يعتبر ثاني قوة للحفاظ على السلام في العالم.
الخصاونة: تبعية وخضوع للرأسمالية
أما الأستاذ الجامعي الدكتور أنيس الخصاونة، فقد وصف السياسة الخارجية الأردنية بـ “التابعة لرأس المال الأمريكي والخليجي”، معتبرًا أنها “لا تتمتع بالسيادة المستقلة الكاملة”، وفق قوله.
وقال الخصاونة، معلقًا على مسار السياسة الخارجية: “إن الذي يحكم تحرك السياسة الخارجية، ويؤثر عليها، هو الوضع الاقتصادي الداخلي، فالقرار والسياسة الأردنية مرهونة بالمساعدات الاقتصادية من الأمريكيين والأوروبيين والخليجيين، فالحرص على تلقي المساعدات يجعل من سياستنا الخارجية عاملاً موجهًا للدوران في الفلك الداعم لتلك الدول”.
ولكن المحلل السياسي الخصاونة، أقر أن السياسة الخارجية للأردن بصورتها الحالية،، تبقيه وتعمل على استمراره على خارطة التخطيط والتوجيه للسياسة بالمنطقة كمنسق، وجزءًا من جهود التحرك السياسي الإقليمي، في وسط خارطة التحالفات المتنوعة.
وعدد الخصاونة عناصر أساسية، كان لها تأثير على السياسة الخارجية، أولها الموقع الجغرافي الإستراتيجي، الذي يقع بين قوى عربية قوية، وثانيها الموارد البشرية، وثالث هذه العناصر الموارد الاقتصادية الشحيحة، التي تعتبر نقطة الضعف في مسار وتوجيه السياسة الخارجية.
وأفاد الخصاونة أن السياسة الخارجية تخضع لمحددات، فهي دائمًا ما تشعر بالخطر وتهديد مصالحها، من ناحية اقتصادية، حيث قطع المساعدات الدولية، إضافة إلى الخطر على استقرار النظام واستمراريته، فكل هذه المحددات تعمل على توجيه السياسة الخارجية.
وطالب الخصاونة القائمين على السياسية الخارجية وصانعيها، الانتقال إلى دور التنافس والبحث عن مصالح الشعب عبر السياسة الخارجية، والتحرك بديناميكية سريعة مع المتغيرات في العالم، في ظل توقيع 34 اتفاقية تجارة ثنائية، و29 اتفاقية، وإعفاء من الرسوم المزدوجة، واتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، واتفاقية شراكة مع الأوروبيين، وأيضًا اتفاقية مع سنغافورة وبعض التحالفات الدولية.
إلى ذلك، وفي نظرة إلى حركة السياسية الأردنية الخارجية وعلاقاتها الدولية الدبلوماسية، نجد أن تاريخ تأسيسها مع الاتحاد الأوروبي يعود إلى العام 1977، حيث شهد ذلك العام توقيع اتفاقية التعاون التي دخلت حيز التنفيذ عام 1978.
أما مسار السياسة الخارجية ما بين الأردن والولايات المتحدة، فإنه تأسس في عام 1949، عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسية ما بين البلدين، ففي العام 1974 تمّ خلال زيارة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى الأردن الاتفاق على إنشاء لجان مشتركة ما بين البلدين، للإشراف على كافة أوجه التعاون.
وفي العام 1975 قام الرئيس الأمريكي جيرالد فورد، بتصنيف الأردن كمستفيد من تصدير سلع معينة، معافاة من الرسوم الجمركية للولايات المتحدة، كما قامت الولايات المتحدة بدعم الأردن من خلال تقديم المساعدات الاقتصادية والعسكرية، حيث يعود تاريخ توقيع أول اتفاقية بين البلدين لشراء الأسلحة من الولايات المتحدة إلى العام 1965.
أما بالنسبة لعلاقة الأردن بالمعسكر الشرقي بشكل عام، فقد كان يسودها الفتور في أغلب الأحيان، وخاصة مع الاتحاد السوفيتي ومن ثم روسيا لاحقًا، لكنها تحسنت كثيرًا في الوقت الحاضر من خلال التعاون العسكري وفي مجالات بحوث الطاقة النووية والسياحة وغيرها.
يشار إلى أن الأردن عضو مؤسس لجامعة الدول العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وعضو في منظمة التجارة العالمية، وعضو بالصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وصندوق النقد العربي، وصندوق النقد الدولي، وعضو بالمحكمة الجنائية الدولية، وعضو في منطقة التجارة العربية الحرة الكبرى، وعضو في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا، كما انضم مؤخرًا إلى منظومة مجلس التعاون الخليجي، وكان سابقًا أحد أعضاء مجلس التعاون العربي.
نُشر الموضوع لأول مرة في أردن الإخبارية