هل تخلت مصر عن السعودية في سوريا أيضًا؟

لا تزال مناقشات سارية حول القرار السعودي بالاستعداد التام للمشاركة في عملية عسكرية برية في سوريا بالتعاون مع حلفائها في المنطقة التي تعمل الآن على استمالتهم إلى جانبها لخوض المعركة الإقليمية الثانية بعد اليمن.
المواقف حتى الآن متابينة من القرار السعودي، بين ترحيب واسع من الشريك التركي بنوايا الرياض حول إعداد حملة عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في سوريا، وبين تراجع للحليف المصري الذي ربما خيب توقعات المملكة.
وزير الخارجية المصري سامح شكري اعتبر أن الحل العسكري في سوريا أثبت خلال السنوات الماضية عدم جدواه، وأن الحلول السلمية هي المثلى، جاء ذلك في مقابلة مع موقع ديتشه فيلله الألماني في إطار تعليقه على اقتراح سعودي بإرسال قوات برية إلى سوريا، والذي كانت رؤيته فيه أن العمل من خلال الأمم المتحدة والمبعوث الدولي هو الوسيلة المثلى لتحقيق وحدة سوريا.
لم يكن هذا التصريح الأول الذي يُظهر تباينات بين وجهة النظر المصرية والسعودية في القضايا الإقليمية، إذ أعلن وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي في تصريحات سابقة لتصريحات وزير الخارجية الحالي، أن مصر رفضت طلبًا سعوديًا في السابق لإرسال قوات برية إلى اليمن.
هذه التصريحات الأخيرة أثارت تساؤلات عدة حول توجهات القاهرة المقبلة إقليميًا بالمقارنة مع خطوات السعودية المتسارعة في اتجاه خوض حرب جديدة في سوريا، إلا أن تصريحات للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قطعت الشك باليقين حول وجود تناقضات بين مصر والسعودية فيما يخص التدخل العسكري في سوريا بما يؤكد أن موقف وزير الخارجية المصري لم يكن اجتهادًا منه بل إنه توجه لدى نظام القاهرة.
حيث صرح السيسي لمجلة “جون أفريك” الفرنسية أن موقف مصر ثابت في القضية السورية وهو الدعوة إلى الحل السلمي للنزاع، والحفاظ على سلامة الأراضي السورية، والتحذير من انهيار مؤسسات الدولة، ما يعني أنه موقف متماهي مع نظام الأسد على عكس ما تعلنه السعودية دومًا عن ضرورة رحيل الأسد كحل للأزمة، بهذا يرفض السيسي صراحة التدخل العسكري السعودي في سوريا.
على النقيض تمامًا أيدت مصر التدخل العسكري الروسي في سوريا سابقًا مؤكدة أنها متعلق بمحاربة الإرهاب هناك، ومع ذلك أعلنت رفضها للتدخل العسكري السعودي رغم أن الرياض أعلنت أن الحملة ستكون ضد داعش تحت مظلة التحالف الدولي، وهو ما يُشير إلى أن الرفض المصري ليس للانحياز إلى الحل السياسي، ولكنه رفض يسبقه تبني لأجندة ورؤية موسكو في الصراع وهو الوقوف إلى النهاية بجانب نظام الأسد.
الموقف المصري نابع من التمسك بالحالة العامة المعادية للثورات العربية، وهي تلك التي أسستها الرياض إقليميًا في التعامل مع الثورات، والآن يبدو أنها تراجعت عنها مليًا تحت ضغوط عدة أبرزها الصعود الإيراني في المنطقة، لكنها لا تستطيع في نفس الوقت أن تعيد صياغة حالة جديدة لحلف الثورة المضادة تضمن معه مساندتها.
حيث إن مصر الآن مقتنعة تمامًا بأنه لا يمكن أن يلقى بشار الأسد مصير القذافي في ليبيا لأنها سيكون انتصارًا رمزيًا ومعنويًا للربيع العربي الذي يحتضر، وعلى العكس ترى السعودية أن أمنها القومي يستدعي كبح جماح إيران في المنطقة وبالتحديد سوريا، لأن إنهاء الحالة السورية بتبعية دمشق لطهران يعني تطويق الخليج فعليًا من قبل إيران بعد السيطرة على بغداد في السابق.
هكذا تقرأ مصر المشهد بالصورة القديمة، وعلى النقيض تحاول السعودية دفع مصر نحو صياغة جديدة للمشهد الإقليمي تبعًا للتهديدات المستحدثة، إلا أن القاهرة متمسكة بقرارها الرافض حتى الآن للتدخل العسكري العربي في سوريا، رغم محاولات التماهي مع الموقف السعودي لرفع الحرج ليس أكثر دون أي فاعلية، كالإعلان عن المشاركة في مناورات رعد الشمال التي تقول عنها السعودية إنها الأضخم في منطقة الشرق الأوسط، وفي نفس الوقت الإعلان عن التمسك بالحل السياسي في سوريا.
السعوديون يعرفون جيدًا أن الموقف الرسمي لمصر هو تأييد التدخل الروسي في سوريا، وأن هناك تقارب بين النظام في مصر وبشار الأسد ونظامه، وأن رد الوزير سامح شكري يتوافق مع السياسة التي تعلنها القاهرة تجاه الحرب في سوريا، هكذا كان رأي الإعلامي السعودي جمال خاشقجي.
ما يعني أن كافة التصريحات الرسمية الصادرة عن البلدين حول الرؤية الموحدة لأزمات المنطقة هي من قبيل الاستهلاك الإعلامي، وأن الخلاف واضح بين القاهرة والرياض في ملفات عدة، لكن ما يحدث هو أن هناك نوع من حالة خلق التوازن بين هذه الخلافات وبين التحالف الإستراتيجي الذي تقيمه السعودية مع المؤسسة العسكرية في مصر.
قد لا يكون الثمن المدفوع للقاهرة من قبل الرياض بلغ الحد المطلوب لتغيير سياسة القاهرة تجاه الأزمة السورية، ما يعني أنه على السعودية أن تدفع أكثر من أجل ذلك، أو قد يرى البعض أن ثمة عرضًا روسيًا أفضل لدى القاهرة اتخذت على أساسه هذا الموقف المتباين مع مواقف السعودية، حيث ترى مصر أن دخول الروس على خط أزمات الشرق الأوسط جاء لملئ الفراغ الذي خلفته السياسات الأمريكية.
وفي النهاية ليس هناك ضرر من إرسال التطمينات إلى الخليج بين الحين والآخر حول رفض السياسات الإيرانية في المنطقة، مع العلم أن النظام المصري يكمن في قرارة نفسه أنه خارج دائرة الصراع بين الرياض وطهران، وما هو إلا مستثمر في هذه الحالة فقط لكنه ليس طرفًا مباشرًا كما تحاول السعودية تصويره.
كما ترى مصر أن واشنطن لا ترفض التدخل العسكري الروسي بشكل كاف، وأن ثمة غض للطرف من قِبل الأمريكيين حول الخطط الروسية في سوريا، ظهر جليًا في مفاوضات جنيف الأخيرة، وهو ما يُشجع الطرف المصري للاستمرار في التماهي مع الموقف الروسي، بينما أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن حيرتها بشأن حقيقة موقف حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من التدخل الروسي في سوريا، من ناحية كونه تعبيرًا عن دعم لضرب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أم تأييدًا لضرب المعارضة السورية المعتدلة، هذا الوصف الذي أطلقته الخارجية الأمريكية على الموقف المصري يمكن أيضًا استخدامه لوصف الموقف الأمريكي في سوريا مؤخرًا، وهو عامل مساعد لتبني القاهرة هذا النهج الغير واضح.
تداعيات هذا الانفصال في المواقف بين القاهرة والرياض في سوريا سوف تظهر في الأيام القادمة خاصة مع الزيارة المرتقبة لملك السعودية سلمان بن عبدالعزيز إلى مصر في شهر إبريل المقبل، التي يُتوقع أن تحل لغز المواقف المصرية غير المتسقة مع التصريحات بشأن القضايا المتعلقة بأمن الخليج.