ترجمة وتحرير نون بوست
منذ متى أصبح خنجر شبه جزيرة العرب الفضي المذّهب العائد للقرن الـ20 جزءًا من الثقافة البريطانية؟ يبدو أنه أصبح كذلك منذ أوائل فبراير، عندما أصدر إد فايزي، وزير الثقافة البريطاني، حظرًا مؤقتًا لخروج خنجر ومجموعة من الجلابيب البيضاء العائدة لتوماس إدوارد لورنس من المملكة المتحدة.
الرجل المعروف شعبيًا باسم لورانس العرب يحتل مكانًا خاصًا في قلوب الرومانسيين لأنشطته قبل مائة عام خلال الثورة العربية، كما تعززت سمعته تلك بشكل أكبر عندما حارب من أجل الاستقلال العربي في مؤتمرات ما بعد الحرب العالمية الأولى، وبسبب فشله، غيّر اسمه مرتين، وعلى الرغم من كونه عقيد، إلا أن تجنيده في القوات المسلحة البريطانية كان برتبة جندي.
تشكّلت الشهرة الأولية للورانس من خلال الصحفي الأمريكي، لويل توماس، الذي كان في فلسطين مع كاميرا تصوير في عام 1917 ساعيًا خلف قصص إخبارية إيجابية لدعم الرأي العام في الولايات المتحدة للمشاركة في الحرب العالمية الأولى، وحينها التقى بالضابط الشاب.
وبعد الحرب، تمت مشاهدة فيلم توماس “مع لورانس في المملكة” من قِبل حوالي أربعة ملايين شخص، وأصبح لورانس أحد النجوم في عصر الصورة المتحركة.
بعد وفاة لورانس في حادث دراجة نارية في عام 1935 عن عمر يناهز الـ46، ظهرت خبرته في زمن الحرب ضمن الكتاب الذي ألّفه عن نفسه “أعمدة الحكمة السبعة”، والذي شكّل حينها ظاهرة عالمية، كما ساعد الممثل بيتر أوتول، ضمن فيلم السيرة الذاتية لديفيد لين في عام 1962 باسم لورنس العرب، على تعزيز شهرة لورنس.
ليس بطلًا
ولكن ما أهمية أن لورانس اليوم في الثقافة البريطانية، أو بسياق أكثر اتصالًا، ما هي أهميته بالنسبة للشرق الأوسط، خصوصًا بعد أن تلوثت سمعته بالشائعات حول حياته الشخصية، وتحوّل مواقفه لمناصرة للاستعمار، فضلًا عن القصص التي نقضت اشتراكه بالثورة العربية.
لورانس كان ضابط اتصال صغير في عام 1916، حيث أُرسل إلى الحجاز في بداية المطاف لإخراجه من القاهرة، لأنه صنع أعداءًا كثرًا هناك، حتى أن ضابطًا رفيع المستوى قال بأن لورانس يحتاج لـ”طرد سريع”.
تغيَرت بعض تلك المواقف بعد سقوط العقبة من يد الإمبراطورية العثمانية لصالح القوات العربية في عام 1917، ولكن السيرة الذاتية الأخيرة للأمير فيصل التي كتبها علي علاوي تشير إلى أن لورانس لطالما غاب في اللحظات الهامة للثورة، وأن العديد من القرارات الرئيسية، ومن بينها فكرة مهاجمة العقبة من الصحراء، جاءت من بنات أفكار فيصل لا لورانس.
وفي سياق مماثل، أخبرني الكثير من الأشخاص في العالم العربي بأن لورانس لم يكن أكثر من وكيل للإمبريالية، واتهموه بخلق خطوط الصدع التي أسفرت عن المشاكل الراهنة في المنطقة.
يميل النقاد للبحث في دوافع لورنس للاشتراك بالثورة العربية، فهل كان يحارب فعلًا من أجل الاستقلال العربي كما كان يدعي؟ أم أنه مجرد عميل بريطاني مزدوج؟
كما يركز المنتقدون في هذا المجال على اتفاقية سايكس بيكو، الصفقة السرية المعقودة بين بريطانيا وفرنسا بموافقة روسيا، لتقسيم الشرق الأوسط بعد هزيمة العثمانيين، حيث أُبرم هذا الاتفاق في مايو 1916، واندلعت الثورة العربية، التي شجعتها وعود بريطانيا لشريف مكة بالحكم الذاتي ومُوِّلت بالذهب البريطاني والأسلحة، بعد شهر من إبرام الاتفاقية.
لورنس بريطانيا
بعد أربعة أشهر من ذلك، وصل لورانس إلى الحجاز، وليس من الواضح متى عَلِمَ باتفاقية سايكس بيكو؛ فهو بالطبع لم يكن يعرف بها عندما ذهب لأول مرة إلى الحجاز، وربما لم يتناه إلى مسامعه أي شيء عنها قبل نشرها في صحيفة جارديان المانشستر في نوفمبر من عام 1917، ولكنه بالتأكيد كان يعلم بها من قبل ديسمبر من ذلك العام .
مهما كان الوقت الذي عرف به عن الاتفاقية، فقد اعترض لورنس عليها لعدة أسباب، حيث أعرب عن أن الفرنسيين لا ينبغي أن يُسمح لهم بأخذ أي حصة في المنطقة، خصوصًا بعد تصرفاتهم السيئة للغاية في الجزائر ومناطق أخرى في شمال غرب أفريقيا، وأوضح بأن كومنولث الدول العربية ما بعد الحرب تحت الوصاية البريطانية قد يكون حلًا ناجعًا، كما احتج على ضرورة طلبه من القوات العربية للقتال على سبب وصفه بالكاذب، وقال: “لا يمكنني أن أعرف ذلك، ولا أدري ما السبب”.
ربما سبب ذلك جاء ذكره ضمن الصفحة الأخيرة من كتاب أعمدة الحكمة السبعة، وهو الكتاب الذي وثّق فيه لورنس كامل ما قام به خلال الثورة، حيث يبدو من الواضح أن الدافع الذي حذا به لتشجيع الثورة العربية هو دافع شخصي، وذلك من خلال الإشارة إلى علاقة الصداقة الوثيقة التي جمعت بينه وبين شاب سوري من مدينة جرابلس، التي أصبحت الآن على الحدود السورية التركية، والذي اعتمده لورنس كتلميذ له، وقام بتعليمه علم الآثار لعدة سنوات قبل الحرب، حيث جاء في الكتاب: “لقد أحببت شخصًا عربيًا بشكل كبير، وأعتقد أن حرية الجنس العربي ستكون حاضرًا مقبولًا”.
في سياق آخر، يقول الأمير فيصل، الذي أصبح ملك العراق في وقت لاحق، في عام 1920 عن لورنس: “لقد كان صادقًا في وعوده، وهو الأمر الذي جعل العرب يثقون به”.
ولكن لورانس، وكذلك فصيل، سيصاب بالدهشة جراء الحالة الراهنة للشرق الأوسط، ولو كان هنا، لعمد بلا شك لتذكير المسؤولين البريطانيين بأن الانقسامات التي خلقوها بعد الحرب العالمية الأولى ستنتهي بشكل سيء.
أما بالنسبة لخنجره الفضي المذهب، سيصاب لورانس بالحيرة الشديدة من قرار حظر تصديره المتخذ في الحكومة البريطانية؛ فصحيح، بأن هذا الخنجر كان هدية من أحد الشرفاء، إلا أن لورانس كان أكثر تعلقًا بخنجر ذهبي آخر أصغر بكثير، وأكثر جمالًا، قُدم له في مكة المكرمة، وكان يرتديه حتى سيطرت القوات العربية على دمشق، والموجود الآن في كلية أول سولز/ أكسفورد.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية