بالرغم من الأحداث الإرهابية التي شهدتها المملكة الغربية خلال الـ 15 عامًا الأخيرة، إلا أنها تعد الدولة الوحيدة – حتى الآن – التي سلمت من الوقوع في فخ التفكك والانهيار الأمني، خاصة في ظل تنامي التنظيمات الإرهابية في دول الشرق الأوسط لاسيما مصر وسوريا واليمن مرورًا بدول شمال أفريقيا والساحل لاسيما دول الجوار تونس وليبيا.
وقد نجحت السياسة المغربية بما تنتهجه من إستراتيجية قائمة على مراعاة البعدين الأمني والسياسي في آن واحد، في التقليل من حدة المخاطر التي تواجهها لاسيما سياستها المتبعة مع دول الجوار المشتعلة، وهو ما يحسب لحكومتها الوسطية بحسب ما أفاد خبراء.
وقد جاء اعتقال السلطات الأمنية لسبعة يعتقد أنهم على صلة بتنظيم داعش، كانوا يريدون الانضمام إلى معسكراته في ليبيا، بتواطؤ مع أعضاء جبهة البوليساريو الانفصالية للقيام بأعمال إجرامية وتخريبية، مضافًا إلى ما تم الترويج له مؤخرًا بشأن نية التنظيم في الإعلان عن ولاية جديدة له بالمغرب، ليضع العديد من علامات الاستفهام حول مستقبل المملكة الأمني، ومدى تمدد هذا التنظيم بداخلها.
“نون بوست” تطرح هذا السؤال في محاولة للوقوف على مؤشرات الإجابة عنه، هل بات الشعب المغربي على أعتاب مرحلة جديدة من المواجهات الأمنية الصادمة تصبح فيها المملكة ولاية داعشية جديدة؟ أم ستنجح الإستراتيجية والعقلية الأمنية المغربية التي ثبت نجاحها في الآونة الأخيرة في التصدي لهذا الوهم الإرهابي الجديد؟
تفجيرات الدار البيضاء 2003.. الشرارة الأولى
لم تشهد المملكة المغربية أحداثًا إرهابية كتلك التي وقعت عشية 16 مايو 2003 في مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للبلاد وكبرى مدن المملكة، حيث تعد الأشرس والأكثر دموية منذ نشأة البلاد.
وقد أسفرت التفجيرات التي استهدفت مطعمًا وفندقًا ومقبرة يهودية عن مقتل 31 مدنيًا ورجلي شرطة وإصابة ما يقرب من 100 آخرين فضلًا عن مقتل منفذي العملية والبالغ عددهم (12) إرهابيًا.
وبالرغم من عدم إعلان أي جهة مسؤوليتها عن هذه التفجيرات إلا أن أصابع الاتهام توجهت إلى الجماعة السلفية الجهادية التابعة لتنظيم القاعدة في البلاد، حيث شن رجال الأمن حملة اعتقالات واسعة ضد كل المشتبه فيهم أسفرت عن اعتقال ما يزيد عن 1000 مغربي، ومن هنا بدأت المواجهة المباشرة بين المملكة وتنظيم القاعدة.
3500 مغربي يقاتلون في صفوف داعش
جاءت نتائج التقرير الأمني الذي أعده مركز “بوي” المغربي للأبحاث حول التوزيع الجغرافي للدول المصدرة لمقاتلي “داعش” نحو سوريا والعراق، مفجعة للقائمين على المنظومة الأمنية في المغرب، حيث كشف التقرير عن احتلال المملكة المغربية للمرتبة الثالثة في قائمة الدول المصدرة لمقاتلين لـ ” داعش” بعد تونس والسعودية.
كما كشف التقرير عن بعض ملامح التوزيع الجغرافي للمقاتلين المنضمين للتنظيم الإرهابي، خلال العامين 2013/ 2014، حيث تصدرت مدينة “فاس” – مدينة العلم والمنارة – قائمة المدن المغربية، من خلال إنتاج 11 جهاديًا، تليها مدينة الناظور بـ 10 جهاديين، في حين احتل مدينة مراكش والمناطق الحدودية المرتبة الثالثة بـ 3 جهاديين، أما المرتبة الرابعة، فكانت من نصيب مدينتي الحسيمة ومليلية المحتلة، بينما تقاسمت المرتبة الخامسة بجهادي واحد (1) المدن التاليىة: تطوان، تازة، صفرو، مريرت، الفنيدق، تيزنيت، تاونات، مكناس، وجدة، بركان، العيون، القنيطرة، طنجة، وتوزع ما تبقى من الموقوفين على مدن أخرى.
وفي منتصف يوليو الماضي كشف وزير الداخلية المغربي خلال عرض داخل البرلمان عن مجموعتين من المقاتلين المغاربة، واحدة مكونة من 1122 فردًا جاؤوا مباشرة من المغرب للانضمام للتنظيم الإرهابي في سوريا والعرق، والثانية تضم ما بين 1500 و2000 جهادي يقيمون في الدول الأوروبية.
خطة “داعش” للإعلان عن ولاية جديدة في المغرب
حذرت العديد من المنظمات والكيانات الأمنية والحقوقية من المخططات الداعشية الرامية إلى التمديد الجغرافي في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما كشفت عنه منظمة العدل والتنمية لحقوق الإنسان إحدى المنظمات المهتمة بشؤون التنظيمات الإرهابية، والتي أشارت إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية بالعراق والشام وضع خططًا للتمدد بموريتانيا والمغرب والجزائر عبر السيطرة على الصحراء الغربية المتنازع عليها بين المغرب والبوليساريو وذلك لتحويل الصحراء الغربية إلى ولاية داعشية وقاعدة لشن هجمات على الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا لتحويل شمال أفريقيا إلى إمارات داعشية.
وأكد تقرير المنظمة أن خطط داعش ترمي أيضًا إلى السيطرة على مضيق جبل طارق نظرًا لأهميته الإستراتيجية، باعتباره البوابة الأولى لغزو أوروبا بحريًا مستقبلًا.
كما أفاد بيان المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابعة لإدارة حماية التراب المغربي (الاستخبارات الداخلية)، بأن معطيات استُخلِصت من التحقيقات الجارية مع أعضاء خلية إرهابية، ساهمت في إزالة النقاب عن هذه الخطة التي كانت تقضي بإعلان المغرب “كيانًا تابعًا للتنظيم الإرهابي”.
وقد نشر أحد عناصر التنظيم خرائط جديدة لدولة الخلافة المزعومة وولايتها في دول الشرق، أظهرت تغييرًا في رسم خرائط التنظيم السابقة، وتم ضم الجزء الغربي من ليبيا إلى مصر تحت مسمى “ولاية الكنانة”.
وأظهرت الخريطة الجديدة نية التنظيم الإرهابي في ضم كل من المغرب وتونس والجزء الغربي من ليبيا إضافة إلى الجزائر تحت اسم المغرب، وأظهرت خريطة أخرى ميلاد ولاية جديدة أطلق عليها “داعش” اسم “هند” تشمل الهند وبنغلاديش.
وفي السياق نفسه كشفت التقارير الأمنية الصادرة عن وزارة الداخلية المغربية عن دخول عدد من المشتبه فيهم من بعض الجنسيات الأجنبية للبلاد في الآونة الأخيرة وهو ما يضع العديد من علامات الاستفهام.
وبالنظر إلى جنسيات الموقوفين ضمن الخلايا الإرهابية التي نجح الأمن المغربي في تفكيكها في الفترة الاخيرة، تبين أن من بينهم سبعة فرنسيين، إلى جانب جزائري واحد، دخلوا إلى البلاد من أجل القيام بأعمال إرهابية وتخريبية، واللافت أكثر هو أن هؤلاء الفرنسيين ليسوا من أصول مغربية أو مغاربية، كما جرت العادة، ولم يشعروا بالتهميش الذي يمكن أن يكون مبررًا جيدًا لارتمائهم في أحضان التطرف، فهم لا يحملون أسماء مثل أحمد ومصطفى وعمر ويوسف أو المعطي، بل إنهم يحملون أسماء ميشيل وروبير وجان وهنري وجرار وكلود، وما إلى غير ذلك من المؤشرات التي تفسر حقيقة انضمام هؤلاء إلى هذا التنظيم الإرهابي.
جهود المملكة في مكافحة الإرهاب
بذلت الرباط في الآونة الأخيرة جهودًا مكثفة لمواجهة الإرهاب بمختلف أشكاله، حيث نجحت خلال أربعة سنوات تقريبًا من تفكيك ما يقرب من 26 خلية إرهابية، (18) منها بين 2011 و2013 و(7) في 2014 – 2015، وخلية واحدة مع بداية 2016م.
وقد توجت هذه الجهود بالإشادة من قِبل بعض المنظمات الإقليمية والدولية وهو ما تجسد في تثمين منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية – في بيان لها صدر مؤخرًا – بالجهود التي يبذلها المغرب في معركته الاستباقية ضد الإرهاب سواء باليقظة الأمنية أو بجهود التنمية الديمقراطية والتقدم الاجتماعي وبتكريس وحدته الترابية.
وقد سعت حكومة المغرب إلى فرض كافة القيود التي تحول دون انتشار الفكر المتطرف داخل أراضيها أو خارجها، وذلك من خلال التجديد المستمر في القانون الجنائي والذي يستحدث مابين الحين والأخر عقوبات جديدة على كافة المتورطين في أي جرائم إرهابية تمت داخل الأراضي المغربية أو ينتوي القيام بها في الخارج، حيث تم تخصيص فصل جديد في القانون الجنائي لتوقيع عقوبات على كل شخص “التحق أو حاول الالتحاق بشكل فردي أو جماعي، في إطار منظم أو غير منظم، بكيانات أو عصابات، أيا كان شكلها أو مكان وجودها، ولو كانت الأفعال لا تستهدف الإضرار بالمغرب وبمصالحه”، إضافة إلى ذلك فإن التعديلات الجديدة التي طرأت على القانون تعتبر أن “التدريبات أو التكوينات كيفما كان شكلها، داخل أو خارج التراب الوطني بقصد ارتكاب أفعال إرهابية داخل المغرب أو خارجه سواء وقع الفعل أو لم يقع”، إضافة إلى “تجنيد أو تدريب أو دفع شخص أو أكثر من أجل الالتحاق بكيانات أو تنظيمات”، وكانت العقوبة بـ “السجن المؤقت من خمس إلى عشر سنوات وغرامة مالية تراوح بين خمسين ألف درهم (4500 يورو) وخمسمائة ألف درهم (45 ألف يورو)”.
وفي سياق جهود المملكة لمكافحة وتطويق الإرهاب فقد أعلنت السلطات المغربية عن عملة تسييج أكثر من 35 كيلومترًا من السياج الجديد الذي قررت إقامته على الحدود الشرقية مع الجزائر، لمنع تسلل متطرفي داعش للبلاد.
نقلت وكالة الأناضول عن مصدر أمني أن السياج الحديدي سيشيد في مقاطع متفرقة، ويبلغ إجمالي طولها 70 كيلومترًا، وذلك من مدينة السعيدية التي تطل على البحر المتوسط إلى قبيلة بني حمدون، بمحافظة جرادة.
وأشار المصدر إلى أن السياج سيشمل المناطق الإستراتيجية والحيوية على طول الحدود الشرقية مع الجزائر، خصوصًا تلك التي تستخدم فعليًا كمنافذ سرية للعبور في الاتجاهين معًا، علما بأن طول الحدود بين البلدين يناهز 1560 كيلومترًا.
وحسب المصدر ذاته، فإن علو هذا السياج يفوق 3 أمتار، وسيمتد على تراب 3 أقاليم، هي وجدة وبركان، إضافة إلى جرادة.
وما بين التوعد الداعشي في الإعلان عن ولاية جديدة له في المغرب، وبين التصميم الأمني لدى السلطات المغربية في المضي قدمًا نحو دحض أهداف التنظيم الإرهابي وملاحقة أعضاءه، يقف الملايين من الشعب المغربي في انتظار ما ستسفر عنه هذه المواجهات التي من الصعب التكهن بنتائجها في ظل فوضوية المشهد الراهن.