لا يمكن أن تقرأ كتابًا كـ “أسبوع الأربع ساعات” The 4-Hour Workweek للكاتب الأمريكي تيم فيريس دون أن تشعر برغبة للتخلص من “لعنة الوظيفة”، لتعمل متى تشاء وكيفما تشاء ومع من تشاء، ولكن هل الأمور بسيطة ووردية إلى ذلك الحد؟ الأكيد أن الطريق ليس مفروش بالورود كما يتوهم البعض، بل إن البداية وحدها تحتاج الكثير من التضحيات، فمن كان يدمن جلسات المطاعم الفاخرة وشراء ما لا حاجة له به من الأسواق لن تكون طريقه سهلة أبدًا، حيث لا بد من النفس الطويل والاستعداد للتطوع من أجل كسب الخبرة والعلاقات، ثم البدء بالتدرج وعدم ترك كل شيء فجأة وفوق كل هذا، من كان لا يستطيع أن يجد الوقت لمطالعة مقالة كهذه، فلا ننصحه بدخوله أصلًا، لأنه سيتوجب عليه قراءة عشرات وربما مئات المقالات قبل البدء!
الزهد
لأن الحرية لا تعني التحرر من عبادة العباد فقط، بل عبادة “الأشياء” كذلك، وهو مرض من أمراض العصر، يبلغ الإنسان ذروته عندما يشخص بأنه مصاب بمرض التسوق والمعروف علميًا باسم (أونيومانيا)، وعلى كلٍ، فإن من يحلم بالتحرر الوظيفي والعمل الحر مثلًا، لا بد له من الزهد في كثيرٍ مما في يد الناس، بل إن البعض يؤول به الحال للتحرر من كل ما يقيده ويقيد حركته، فيبيع الواحد منهم كل ما بحوزته من متاع، فلا يترك معه إلا ما يمكن أن يحمل في حقيقة، وفي هذا شيء من التطرف.
المطلوب حقًا، هو الاستغناء عن الكثير مما لا يصنف كضروري للمعيشة، فلا يضطر لدفع قسط لجهاز تلفاز من الحجم الكبير أو هاتف آخر “موديل”، لأن التخلص من كل الأعباء المادية سيجعلك تكتفي بدخل متواضع كذلك، لم تتخيل أنه كان سيكفيك لنصف شهر، ولكنه سيكفيك إن أصبحت أكثر اقتصادًا وتدبيرًا للكثير من المواد المالية التي كانت تصرف عبثًا؟
ثم إن كنت لا زلت تظن بأنك إنسان اقتصادي، فعليك مطالعة أو الاستماع لكتاب البُخلاء للجاحظ، لتدرك كم انت مُبذر.
التطوع
البعض يحاول أن يصوّر أن العمل الحر أشبه بوصفة سحرية، وفي هذا الكثير من المبالغة، لأن هكذا عمل يتطلب الكثير من الإعداد، وأسهل وصفة هي تقديم الخدمات بشكل مجاني في بداية الطريق، هذا سيتيح لك الوصول إلى أهم ما تحتاجه في حياتك العملية وهو الخبرة والعلاقات، عندما تتطوع لن يلومك الناس لو أخطأت هنا أو هناك ولن تلام إن تأخر في تسليم مادة ما، بل ستجد من تقدم له الخدمة، لأنه لم يتوقع عن وجود من يقدّم هكذا خدمات بشكل مجاني، وبالتالي سيتيح لك التطوع للعمل كمتدرب.
بدلًا من المال، لك أن تستغل الوقت في تشبيك العلاقات مع من يمكن أن يكون لديه اهتمام بخدماتك مستقبلًا، بل وكل إنسان مميز يمكنك أن تتعلم منه شيء جديد أو فكرة جديد تساهم في تطوير مهاراتك.
ستتأمل يومًا ما، كل تلك العلاقات التي قمت بتطويرها خلال فترة تطوعك وعملك “التجريبي” وستجد أن الكثيرين منهم أصبحوا من عملاء أو أصدقاء عملائك أو أصدقاء أصدقاء عملائك!
التدرج
الأكيد، أنك لن تحصل على الملايين ولن تعمل 4 ساعات في الأسبوع كما يروّج بعض من نجحوا في العمل الحر حقًا وأصبحوا أغنياءً، الأهم ألا تنخدع وتتفكر أكثر في بداياتهم، لا شك أنهم “ناضلوا” بما فيه الكفاية حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وكذلك لا ينصح أن تترك عملك فورًا إلا اذا كان لديك من المال ما يكفيك لتعيش من 3 إلى 6 أشهر حتى لو لم تحصل على راتب، يمكنك أن تكمل في عملك المعتاد مع تقليل ساعات العمل أو لربما العمل بوظيفة جزئية فقط لبدء الاستثمار في مهاراتك التي تنوي كسب المال من خلالها.
في البداية يمكن أن تعمل مقابل مبالغ زهيدة جدًا، ويمكن ألا تجد الأمر مربحًا، ويمكن أن ينصب عليك، لهذا عليك أن تتوقع أن صعود السلّم يكون درجة درجة، وسترى أنك لاحقًا وعندما ستصل إلى مرحلة من إتقان الخدمات التي تقدمها ستضطر أن تتعلم كيف تقول لا، للمشاريع التي ستضيّع فيها أوقاتك ولن تعود عليك بالفوائد، وكذلك ستتعلم جيدًا الفرق بين العملاء، فهناك عملاء لن تعمل معهم ولو دفعوا لك أفضل سعر في “السوق” لأن تعاملهم فظ غليظ، أو لأنهم يسببون لك الصداع بكثرة طلباتهم ورسائلهم التي قد تجعلك من حياتك جحيمًا لا يطاق!
الشغف
لعلّ الشغف هو أخطر وأهم عوامل التحرر، حيث لا بد لطالب الحرية من تضحيات، وتضحيات العامل المستقل تكون بتكريس الكثير من الوقت لاكتساب المهارات اللازمة للعمل، حيث لن يكون لديك دورات كتلك التي تقدمها الشركات لموظفيها، لأنك تعمل في “شركتك” الخاصة وعليك أن تعرف جيدًا كيف تتعلم بشكل ذاتي وسريع، وكذلك من أين تشتري الكتب ومن أين تحصل على دورات مجانية أو مقالات متخصصة في مجال العمل الحر كتلك التي تقدمها أكاديمية حسوب والتي من شأنها أن تجعلك أكثر إتقاناً لعملك.
عليك أن تدرك ببساطة أنك في عالم سريع التطور، ومكتظ بالراغبين من التحرر من نظام “رأسمالي” سلب العباد حريتهم، حيث إن استطلاعات الرأي تؤكد بأن أكثر من ثلثي البشرية لا تشعر بالراحة في الوظيفة التي تعمل فيها.
وفوق كل هذا فإن العملاء لا يبالون كثيرًا بالشهادات التي تحملها، من ناحيتهم يمكنك أن تعمل دون أن تحمل أي شهادة، وتنافس خريجي الجامعات المرموقة، المهم أن تؤدي المهام بإتقان وبشكل يجعلهم راضون عنك وعن أدائك، يجب أن تشعرهم حقًا بأن لديك المزيد لتقدمه دائمًا، وأنك لا تعرف حدودًا للعلم والتعلم، الأكيد أنهم لن يلاحظوا هكذا شيء إلا من خلال أعمالك المتقنة وملاحظاتك الجانبية التي من شأنها أن تحسن من مستوى أعمالهم.
مراقبة “الناس”
يقال أحيانًا، من راقب الناس مات همًا، ولكن لا بد لك للنجاح من مراقبة أولئك الذين سبقوك في طريق التحرر من الوظيفة، وإن كنت تسعى للعمل الحر فلا بد لك من مطالعة كيفية تقديم الآخرين لخدماتهم ونوعيتها، فمثلًا لو تجوّلت في موقعٍ كـخمسات، يمكنك أن تكتشف من الكثير من الخدمات التي يمكنك أن تربح منها المال، دون الكثير من الجهد، مثلًا بالقيام بمكالمة هاتفية لتقديم المشورة حول زيارة بلد معين، تأخذ مقابلها 5 دولارات، أو لربما تقدّم للبعض نصائح في كيفية استعادتهم ثقتهم بأنفسهم، يمكن للبعض أن يزعم بأن هكذا خدمات “غبيّة” ولكن في الواقع فإن الذكي هو من يستطيع أن يربح الأموال من أبسط الأمور.