اتصلت بي سيدةٌ فاضلة ذات يوم وبعد أن اطمأنت على أموري وصحتي وآخر مشاريعي قالت “آيات هناك شاب يبحث عن فتاة ليرتبط بها” وذكرت لي مواصفاته وأنا استمع بإحسان، ثم أردفت “ما هي مواصفات الشاب الذي ترغبين بالارتباط به”، فقلت لها بحزم “أنا لا أفكر بالارتباط الآن”.
نزل ردي على مسمعها كالصاعقة، ظننتني من ردة فعلها أتيت منكرًا من القول أو الفعل، فأوضحت لها بأن لديّ بعض المشاريع التي أرغب أن أحققها وأعمل عليها ولا أفكر حاليًا بالارتباط لأجل هذا السبب، فأنكرت عليّ فعلتي وقالت بأن هذا مخالفٌ للشرع والعرف.
فزدت بيانًا لمعزتها عندي ولعلمي بنضوجها الفكري للحجم الذي يستوعب مقالي، يا سيدتي متى يقدم الشاب على الزواج؟! فقالت: حينما يكون أهلًا لذلك من جميع النواحي، فقلت لها والفتاة كذلك.
كما يستعد الشاب للزواج “وأنا هنا أتحدث عن شاب يؤمن بأن الزواج مشروع نهضوي تنموي وليس حاضنة تفريخ أو خيمة بطيخ”، مرةً أخر ، كما يستعدُّ الشاب للزواج فكريًا وثقافيًا وماليًا وجسديًا وفي الوقت الذي يتأكد أنهُ بات مؤهلًا وأهلًا لأن يكون صاحب مشروع تقاسمه فيه كينونةٌ أخرى، ومن جهة أخرى ناضجًا للمدى الذي يجعله يستوعب الكينونة التي ستشاركه أصغر قرار قادم في هذا المشوار، في تلك اللحظة يحق للشاب أن يقدم يمناهُ بكل ثقة خطوةٌ تتلوها أخرى لمسار طويل مشبعٌ بالتحديات الجميلة.
وعليه فإنّ على تلك الكينونة التي ستشارك الكينونة الأخرى أن تكون على قدر هذا المشروع، فليس من العدل ولا المنطق حتى أن نشترط على الشاب مالا نشترط على الفتاة (الزوج والزوجة) طالما أنهما كينونتان ستلتحمان في مشروع هو الأرقى والأنقى على هذه البسيطة.
من حق الفتاة بل ويجب عليها أن ترقى بنفسها وعلمها وطموحها لمستوى الشخص الذي ترغب وتطمح به وترى فيه شريك أحلامها ومكمّل طموحاتها، ولذا عليها أن تؤهل نفسها كما يفعل الشاب المقبل على الزواج، وكما أن الفتاة فطريًا تنمو وتكتمل جسديًا وفي سنٍ معينة تصبح ناضجة بما يكفي وأهلاً للزواج، فإن عليها أن تنمو روحيًا وعقليًا ونفسيًا أيضًا.
وعلى صعيد آخر وتكميلي أيضًا، أسعدُ جدا حين تكلمني إحداهنّ وهي امرأةٌ تجاوز عمرها الأربعين أو الثلاثين لتخبرني برغبتها بالاشتراك في برنامج تدريبي أو حضور ورشة عمل، وحين تكلمي فتاةٌ “متزوجة” ولديها طفلٌ صغير وتقول لي بأنها ترغب في حضور برنامج تدريبي في التصوير أو الأفلام أو أيًا يكن، أسعد لأنها لا زالت تحافظ على كينونتها من الذوبان في غيرها.
في بعض مجتمعاتنا يُحكم على الفتاة بالذوبان كليًا حينما تتزوج، ابتداءً في رغبات زوجها ثمّ في رغبات أسرة زوجها وانتهاءً برغبات أولادها، فتحب ما يحبون وتكره ما يكرهون، هو بعض من عاطفةٍ فطرية لا أحد ينكر، لكن لا يصل الأمر حدّ الذوبان تمامًا.
إياكِ وكينونتك، هي أنت وهي كلك ولو نقصت أو تجزأت حينًا، هي حدود حريتك ومعالم شخصيتك ، فإياكِ وأن تتماهى رغباتك في رغبات غيرك أيًا كان.
أحترم وجدًا اﻷشخاص الذين حينما تسألهم ما لونك المفضل يقولون أبيض مثلاً، أو ما قهوتك فيقولون سادة مثلاً، في حين لا تعجبني شخصية الذين يقولون “عادي” أي لون، و”عادي مثل ما بتشربها”، ربما هذه اختيارات بسيطة بنظركم لكنها مثل المواد الجامعية التي تفتح لأخرى، اختيارات صغيرة تكبر وتكبر وتزداد إمعية اختيارك أو تتلاشى أو تستقيم.
وكان لزامًا عليّ أن أقول أسعد أكثر حينما تقول لي إحداهنّ “زوجي يشجعني”، “زوجي يساعدني فيجلس عند الأطفال عندما أشارك في ندوة ما” و”زوجي سيوصلني لمكان التدريب”، أحيي هذه النماذج التي ما كانت إلا امتدادًا للفكرة الأولى لهذه التدوينة حين قلت “أتحدث هنا عن زوج يؤمن بأن الزواج مشروع نهضوي تنموي وليس حاضنة تفريخ أو خيمة بطيخ”.