نقلت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا، شكوى عن أسرة الطالبين التركيين مجاهد وجهاد كيرتوكلو، حيث أكدت الأسرة للمنظمة تعرض الطالبين الشقيقين للاختفاء القسري في مصر، وذلك بعد إلقاء القبض عليهما من محل إقامتهما في العاصمة المصرية القاهرة فجر الأحد الماضي، واقتيادهما من قِبل عناصر أمنية إلى مكان مجهول.
وقد أكد شهود عيان، أن قوات أمن مصرية بزي مدني ورسمي، قامت بمداهمة محل إقامة الشقيقين في الحي السابع، بمدينة نصر، شرق القاهرة، وقامت باقتيادهما إلى مكان غير معروف دون سبب واضح.
حيث تلقت الأسرة التركية اتصالًا هاتفيًا من أحد أصدقاء نجليهما أخبرهم فيه بتعرضهما التوأم للاعتقال من قِبل السلطات المصرية دون معرفة مكانهما حتى الآن، جدير بالذكر أن أسرة الطالبين أكدت أنهما كانا في مصر بغرض دراسة اللغة العربية تمهيدًا لالتحاقهم بجامعة الأزهر، فيما لا يُعرف حتى الآن السبب الحقيقي وراء اعتقالهم وإخفائهم قسريًا من قِبل السلطات المصرية.
طالبت المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا التي فجرت قضية اختفاء الطالبين الأمين العام للأمم المتحدة التدخل بشكل عاجل وفوري للضغط على السلطات المصرية لإجلاء مصير الطالبين التركيين – مجاهد وجهاد كيرتوكلو – وإطلاق سراحهما فورًا.
كما دعت المنظمة المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف أخلاقي واضح ضد ممارسات النظام المصري تجاه المواطنين المصريين أو مواطني الدول الأخرى الذين يزورون مصر لأي غرض، والعمل على إنهاء حالة الإفلات التام من العقاب التي يعاني منها نظام العدالة في مصر.
تخوفات من مصير الطالب الإيطالي
ما يزيد التخوفات حول مصير الطالبيين التركيين هو أن اختفائهما أتى بعد حادثة مروعة قُتل فيها طالب إيطالي تواجد في مصر لأغراض بحثية يُدعى “جوليو ريجيني”، حيث تعرض للاختفاء قرابة 9 أيام ثم ظهرت جثته على قارعة الطريق في أحد شوارع العاصمة القاهرة وعليها آثار تعذيب واضحة طبقًا للطب الشرعي.
وقد سارعت السلطات المصرية في نفي مسؤولياتها عن الحادث بالإعلان عن مقتل ريجيني في حادث سيارة دون الانتظار لنتيجة التحقيقات في الأمر، إلا أن السلطات الإيطالية صعدت الأمر وطالبت التدخل في التحقيق مع السلطات المصرية بعد ظهور آثار وعلامات تعذيب واضحة تعرض لها جسد ريجيني قبل موته.
في الوقت الذي تحدثت فيه الصحافة الإيطالية ونقلت عنها الصحف العالمية معلومات من مصادر بالتحقيقات تؤكد اعتقال الطالب الإيطالي في ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير على يد أحد الأجهزة الأمنية المصرية، وخضع بعدها ريجيني إلى التحقيق والتعذيب من قِبل أجهزة الأمن المصرية ما أدى لوفاته.
هذا بالإضافة إلى تعرض العديد من الأجانب في مصر بالفترات الماضية للاشتباه والاعتقال من قبل الأمن المصري دون تثبت، وهو الأمر الذي أكدته أكثر من حالة في وقت سابق أبرزها حالة الطالب الإيطالي، لذا خشيت المنظمات الحقوقية في مطالباتها من تكرار نفس السيناريو مع الطالبين التركيين المحتجزين.
تصفية حسابات سياسية مع تركيا
جنسية الطالبين التركية تزيد من احتمالية إلقاء القبض عليهما لأسباب سياسية، إذ تشهد العلاقات بين دولتي مصر وتركيا توترات كبيرة على خلفية أحداث الانقلاب العسكري في مصر في يوليو 2013.
إذ لا تعترف الحكومة التركية بما حدث في مصر إلا كانقلاب عسكري، مطالبة بالإفراج عن الرئيس السابق محمد مرسي والمعتقلين السياسيين في مصر، بينما ينظر النظام الجديد في مصر إلى هذه المطالبات التركية بأنها تدخل في شؤون داخلية.
وعلى إثر هذا تصاعدت لهجة التصعيد الإعلامي بين الطرفين بالتحديد من قِبل الإعلام المصري الموالي للنظام الذي أصبح يُهاجم الدولة التركية ليل نهار، مع استهداف قيادتها السياسية بالنقد اللاذع والسباب أحيانًا، ردًا على وصف الحكومة التركية للنظام الجديد في مصر أنه نتاج انقلاب عسكري غير شرعي، متهمين تركيا بدعم جماعة الإخوان المسلمين، والتآمر ضد مصر؛ وهذا ما يُزيد احتمالية تعرض الطالبين للأذى في مقار احتجازهم الغير المعروف دون أية أسباب واضحة.
فيما تؤكد المنظمات الحقوقية المتابعة للشأن المصري أن الاختفاء القسري بات معتادًا في مصر، في ظل المناخ الأمني غير المستقر، إذ لا تكترث الدولة ولا تتخذ أية إجراءات وقائية لحماية المواطنين أو الأجانب من هذه الظاهرة، وهو ما جعل دولًا أجنبية تحذر رعاياها من السفر إلى مصر إلا لأسباب الضرورة القصوى بعد أحداث استهداف الأجانب من الأمن المصري مثل حادثة مقتل فوج السياح المكسيكي على يد قوات الجيش والشرطة، ومقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني بعد اختفائه.
بعد كل هذه الحوادث تصر الأجهزة الأمنية المصرية على إنكارها بشكل غريب، ولكن داخل أروقتها فإنها تُعاني من ردود الأفعال الدولية على هذه التصرفات الأمنية، وهو ما دعى وزير الداخلية المصري، اللواء مجدي عبدالغفار، للتدخل بتوجيه مساعده لقطاع الأمن اللواء محمود يسري، لإصدار كتاب دوري سري، يوزع على جميع مديريات الأمن والإدارات العامة والمصالح بالوزارة على مستوى الجمهورية.
يتضمن هذا الكتاب السري تعليمات أنه في حالة القبض على أي شخص أجنبي من قِبل قطاعات الوزارة المختلفة، يتم على الفور إخطار مكتبه، وقطاع الأمن الوطني ببياناته قبل اتخاذ أي إجراء حياله، وهو ربما يكون بمثابة اعتراف ضمني بتجاوزات الأجهزة الأمنية تجاه الأجانب والتي أوضحتها حادثة مقتل الطالب الإيطالي، وحادثة الطالبين التركيين التي ظهرت مؤخرًا.