الرسائل الشخصية التي يرسلها القادة السياسيون في الغرب والشرق لقادة اليهود وأثريائهم في العالم هي صكوك مستحقة الدفع في اللحظة التي يختارها اليهود، لقد تحقق ذلك قبل 99 عاماً حين أرسل وزير خارجية بريطانيا اللورد بلفور رسالته الشخصية إلى الثري اليهودي اللورد روتشيلد في 2 نوفمبر 1917، وقال فيها: إن حكومة جلالته تنظر بعين الارتياح إلى إنشاء وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل أحسن مساعيها لتسهيل بلوغ هذه الغاية.
لقد التزمت بريطانيا العظمي بكل حرف تعهدت فيه اللورد بلفور للثري اليهودي اللورد روتشلد، فهل معنى ذلك أننا أمام التزام سياسي واقتصادي أمريكي لكل حرف تعهدت فيه مرشحة الرئاسة الأمريكية هيلاري كلنتون للثري اليهودي حاييم صابان؟ حين كتبت له: إنه في حالة تولت الرئاسة الأمريكية فإنها ستقدم إلى الدولة اليهودية كل الدعم العسكري والدبلوماسي والاقتصادي اللازم من أجل القضاء على حماس، وفي حال كان الثمن 200 ألف قتيل في غزة، فلا اعتراض لها على ذلك.
رسالة هيلاري كلينتون لليهود بمثابة وعد لا يقل خطورة عن وعد بلفور، وهذه الرسالة الوعد تحمل مضامين سياسية سيستثمرها اليهود في قطاع غزة والضفة الغربية معاً، فإذا كان المسموح فيه قتل10% من مجموع سكان غزة، والمقدر عددهم 2 مليون إنسان، فمعنى ذلك أن المسموح بقتلهم في الضفة الغربية هم 300 ألف إنسان فلسطيني، وليس ما يمنع أن يكونوا أطفالاً ونساء كما جاء في رسالة هيلاري كلنتون، التي قالت بأنها ستسمح لليهود بقصف المدارس، وهذا ما أكده مسئولو حملتها الانتخابية الذين حالوا تدارك الجريمة فقالوا: إنها أخطأت في الرقم، والصحيح هو 20 ألف فلسطيني من قطاع غزة، وكأن قتل هذا العدد من الأطفال والنساء لا يعد جريمة حرب مقابل كسب الصوت اليهودي.
ورغم ان رسالة المرشحة هيلاري كلنتون إلى اليهودي حاييم صابان تكشف عن الضعف الإسرائيلي أمام المقاومة، وتفضح عجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق أي نصر على سكان قطاع غزة، وهي بمثابة اعتراف رسمي بفشل ثلاثة حروب إسرائيلية في قطف إنجاز عسكري مزيف، إلا أن هذه الرسالة الإرهابية تحمل في مضامينها ثلاثة معانٍ:
أولآً: أن الذي يقوم بتعيين الرؤساء في معظم دول العالم هم اليهود، وهك يوظفون المال اليهودي ووسائل الإعلام اليهودية لشراء وخداع الجماهير, وتسهيل سيطرة الحاكم الديكتاتور.
ثانياً: لا يترك اليهود شيئاً للصدفة أو ضربة الحظ، بل يخططون ويرتبون، ويتناغم العمل بين أثريائهم وقادتهم للوصول إلى هدفهم، فلا تجد تناقضاً بين عمل الملياردير الأمريكي حاييم صابان الذي يدفع باتجاه كسب المواقف الداعمة من المرشحة هيلاري كلنتون، وبين الملياردير اليهودي الأمريكي إيرفان موسكوفتش؛ الذي يدفع مليارات الدولارات الأمريكية لتعزيز الاستيطان في القدس وفرض المزيد من التهويد على أحيائها العربية.
ثالثاً، سيحرص اليهود في أمريكا على انتزاع وعد أكثر سخاءً من المرشح الجمهوري، طالما قد بدأ المزاد العلني، وتأكد للجميع أن الوصولإلى البيت الأبيض لا يمر إلا من خلال تقديم القرابين الفلسطينية على مذبح الهيكل اليهودي، ليمتد بعد ذلك بساط الحرير تحت أقدام اليهود بمزيد من السيطرة السياسية والاقتصادية والعسكرية والإعلامية على بلاد العرب.
لقد واجهت الجماهير العربية قبل 99 عاماً وعد بلفور بالمظاهرات والرفض الشعبي، ولكن مع غياب الدولة العربية المؤثرة في القرار الدولي، ولأن المؤامرة كانت أكبر من طاقة الجماهير العربية، فقد تحقيق الوعد بعد أربعين سنة، وهذا يعني أن وعد كلنتون الجديد سيتحقق في غضون أربع سنوات أو أقل، طالما قد تأكد للجميع صمت الجماهير العربية، والسكوت الفلسطيني بشقيه الرسمي والشعبي، وهذا أمر مشين بحق القضية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني المقاوم الذي تعود على التحرك وفي أكثر من اتجاه لتصريحات أقل خطراً من رسالة كلنتون:
لما سبق، فإن على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن تشرع بالتحرك السريع ضد رسالة مرشحة الرئاسة الأمريكية هيلاري كلنتون، وأن تكون أولى الخطوات كالتالي:
1ـ التوجه بالشكوى إلى محكمة الجنايات الدولية ضد مرشحة الرئاسة الأمريكية هيلاري كلنتون لدعوتها الصريحة إلى قتل المدنيين، ومطالبة المنظمات الإنسانية بأخذ دورها في الدفاع عن حقوق الإنسان ضد مجرمي الحروب.
2ـ التوجه بطلب عقد جلسة عاجلة لوزراء خارجية الدولة العربية، لاتخاذ موقف عربي موحد ضد مرشحة الرئاسة الإرهابية التي تدعو علانية إلى قتل الأطفال والنساء، وقصف المدارس.
3ـ التوجه إلى الأمم المتحدة لتسليمها رسالة كلينتون كوديعة سياسية، مع تحميل المرشحة للرئاسة شخصياً المسئولية المباشرة عن أي جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.
4ـ التواصل مع الجماهير العربية والإسلامية في أمريكا، وحثها على أخذ دورها في استنهاض البعد الإنساني لدى الشعب الأمريكي الذي بات أسيراً للمال اليهودي.
5ـ التحرك لدى المجتمعات الغربية التي تناهض العنصرية والإرهاب وتناصر الطفولة.
6- وهو الأهم، والذي يتمثل بضرورة خروج الجماهير الفلسطينية في مظاهرات صاخبة غاضبة في كل المدن الفلسطينية تنديداً برسالة هيلاري كلنتون، مع الحرص على إشراك منظمات حقوق الإنسان، وكل قوى الخير في المجتمعات الدولية .
حين زارت هيلاري كلنتون قطاع غزة، سنة 1998، وتجولت وسط مخيم جباليا، وشاهدت مأساة اللاجئين، لبست الثوب الفلسطيني المزركش، وتفاخرت فيه أمام الفضائيات، وطالبت بضرورة الحل العادل لقضية اللاجئين، في ذلك الزمن كانت أمريكا بكامل عظمتها تسعى جاهدة لاحتواء الموقف المتفجر في الضفة الغربية وغزة، على عكس هذا الزمن الفلسطيني البائس سياسياً، حيث نامت أمريكا عن أي تحرك دبلوماسي، وأغمضت إسرائيل عينيها مطمئنة، بعد أن ضمنت وجود قوى الأمن الفلسطينية القادرة على وضع اللجام في فم الجماهير الفلسطينية، والتي تجهد في إطفاء نار أي حريق يشتعل تحت أقدام الصهاينة.