لطالما اعتبرت دول العالم الغربي والذي تقوده الولايات المتحدة، بأن حل القضية الفلسطينية – الاسرائيلية، هو أحد أهم أولوياتها، حيث أعلنت في كل مناسبة عن استعدادها لبحث إمكانية مساهمتها في عملية التسوية، وكانت قد عملت في هذا الاتجاه وسواء بأشكالٍ منفردة كتقديم المبادرات والإجراءات التشجيعية للطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، أو جماعية، من خلال قيامها بتبني اللجنة الرباعية منذ العام 2002، حيث أطلقت ما عرف بخطة (خارطة الطريق) في أواخر أبريل/نيسان 2003، وذلك استناداً إلى رؤية الرئيس الأميركي الأسبق “جورج بوش” في أواسط 2002.
إلاّ أنها أخفقت إخفاقاً كبيراً، في كل مساعيها، وفشلت فشلاً ذريعاً، حيث وصلت إلى قناعة مُتقدّمة، بسياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” الذي أوضح من خلالها، بأن مشروع حل الدولتين لم ينضج بعد، وسواء كان بالإشارة إلى تصلّب الفلسطينيين على مواقفهم، أو لعدم إبداء العرب استعدادهم لتقديم تنازلات جوهرية، بعدما أضاعوا آلاف الفرص التي يُعتبر تكرارها غير ممكناً. – ما يُمكن القول- إلى قيام تلك الدول بإبداء تراجعها بناءً على هذا النحو بحجة أو بأخرى.
فالولايات المتحدة – نفسها-، التي تعتبر راعية العملية السياسية، والتي أخذت على نفسها التكفّل بإيجاد تسوية نهائية ودائمة للقضية الفلسطينية، خارت قواها عن آخرها، منذ أن قام الرئيس “باراك أوباما” بإبلاغ العالم بأن السلام، لا يزال بعيداً، وكان اعترف صراحة بأن من المستبعد حصوله خلال الفترة المتبقية له في البيت الأبيض، والتي ستنتهي بعد عدة أشهر من الآن.
اللجنة الرباعية أقدمت على شطب نفسها – تقريباً- من لائحة المصلحين، بدى ذلك واضحاً، منذ مسارعتها بالتعلّق باستقالة مُمثلها “توني بلير” خلال العام الماضي، بعد ثماني سنوات عجاف، غلب عليها الفشل تلو الفشل، باعتبار أن مساعيها لم تأتِ بشيء، ما يعني أن حل الدولتين لا يزال بعيد المنال.
وحتى في هذه الأثناء، فإن وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي “فيديريكا موغيريني” لم تتحدث مطلقاً أثناء لقائها مع “نتانياهو” أوائل الأسبوع، عن حل الدولتين ولا أي اقتراحات أخرى لإحياء عملية السلام، برغم ادّعائها بأنها تلقّت استعداده إلى جانب رئيس السلطة الفلسطينية “أبومازن“ لخوضها من جديد.
كما أن المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام “نيكولاي ملادينوف” الذي كان يعلن دائماً بأن منظمته ترغب في العمل مع كافة الأطراف من أجل حل يقوم على دولتين، وذلك في أقرب مهلة معقولة، أصبح الآن بعيداً عن التحدث عن ذلك السعي، إذ لم يتفوّه عن تلك الرغبة، حتى أثناء تجوله بين البيوت المهدّمة داخل قطاع غزة.
فرنسا، والتي تعتبر من الدول الأكثر حماساً بالنسبة لإيجاد نهاية لملف الصراع، وصاحبة المبادرات والمقترحات والتهديدات ضد إسرائيل، أصبحت الآن أكثر فتوراً باتجاه مبادرتها الأخيرة، وخاصة بعد أن استقامت لأن تنشرها أمام “نتانياهو” فيما إذا كانت ستلقَ القبول لديه.
من جانبها أعلنت مستشار ألمانيا “أنجيلا ميركل” بعد لقاء قصير مع “نتانياهو” خلال اليومين الفائتين، بأن الوقت الحالي ليس هو الوقت المناسب لدفع فكرة حل الدولتين الى الأمام، لكن يمكن القيام ببعض التحسينات الموضعية.
هذه الدول وفي صميمها، بأن إسرائيل هي من تعوق تطبيق حل الدولتين، إلاّ أنها لم تقُم بالتخلّي عن دعمها وتأييد سلوكها، فبالنسبة لواشنطن فقد أعلنت في كل مرّة، عن مواصلتها القيام بتعهداتها باتجاهها، وبخاصة في شأن تمكينها لأن تكون أكبر قوة في الشرق الأوسط.
وأكّدت من جهتها، مجموعة الدول الأوروبية على ضرورة توسيع العلاقات الثنائية معها، وسمحت بعرض ما أمكنها من مساهمات وسواء كانت اقتصادية وأمنية وعسكرية وغيرها، وكانت ألمانيا قد زودت إسرائيل بعقود عسكرية ضخمة، بما فيها غواصات الدولفين الهجومية المتطورة، والتي لم تدفع إسرائيل أثماناً لها، وقررت بريطانيا بأنه يُحظر عليها مقاطعة إسرائيل، حتى لو تعلق الأمر بالمستوطنات، وكانت أطرافاً غربية زارت الأسبوع الماضي إسرائيل، قد أوضحت عن أن إقامة دولة فلسطينية غير ممكن وغير منطقي، على المدى المنظور على الاقل.
الشي اللافت، هو اليسار الإسرائيلي، الذي كان يُعوّل عليه الكثيرون، بقلب السياسية اليمينية، باتجاه التوصل إلى تسوية، أصبح الآن وكأن مسّاً قد أصابه، حيث بدا منقلباً حتى على برنامجه السياسي، الذي كاد بفضله الفوز برئاسة الحكومة خلال انتخابات الكنيست الإسرائيلية الأخيرة، وذلك حين أعلن زعيمه “إسحق هيرتسوغ” بأن حل الدولتين ليس مناسباً الخوض فيه، الأمر الذي دعا “نتانياهو” إلى مُخاطبته قائلاً: إن أفضل شيء بالنسبة لك، هو أنك صحوت من الحلم.
ربما يعود كل ما سبق، إلى قوّة “نتانياهو” المميزة في المماطلة والإقناع معاً، وسواء على الصعيدين المحلّي والدولي، وبالمقابل انهيار المحيط العربي أمامه، نحو الرغبة في توديع الماضي العصيب، باتجاه إنشاء علاقات تعاونية، باعتبارها أكثر ربحاً له من تلك المكاسب التي يأمل بتحقيقها من أن يبقَ الصراع محتدماً.