بدأت في المملكة العربية السعودية خلال هذا الأسبوع مناورات “رعد الشمال” التي وصفتها وكالة الأنباء السعودية “واس” بأنها الأضخم في تاريخ المنطقة.
وبدأت وفود عشرين دولة في التوافد إلى أراضي المملكة، للمشاركة في المناورات التي انطلقت في الرابع عشر من شهر فبراير الجاري، في مدينة الملك خالد العسكرية بمدينة حفر الباطن شمال المملكة، بالإضافة إلى قوات درع الجزيرة التي تضم جيوش دول مجلس التعاون الخليجي.
تستمر تلك المناورات قرابة خمسة وعشرين يومًا، والتي تعتبر أول تعاون عسكري لدول التحالف الإسلامي، الذي أُعلن عنه في 15 ديسمبر من العام الماضي بقيادة المملكة العربية السعودية، بهدف محاربة الإرهاب بجميع أشكاله، وتدعيم القدرات العسكرية لدول التحالف لمواجهة جميع التحديات.
تحديات إقليمية
وتأتي تلك المناورات في وقت تشهد فيه المنطقة بصفة عامة، والسعودية بصفة خاصة، تحديات إقليمية، تتمثل في النفوذ الإيراني المتنامي، ورغبتها الجامحة في التوسع على حساب أمن واستقرار دول المنطقة، خاصة بعد رفع العقوبات الدولية عنها، وحصولها على عشرات المليارات المجمدة في بنوك أوروبا وأمريكا.
ولذلك تسعى المملكة لوضع حد للتدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة كما في العراق واليمن وسوريا ولبنان، وبالتالي فإن تلك المناورات هي امتداد وخطوة جديدة على طريق التحالفات التي دشنتها المملكة بداية من التحالف العربي في اليمن.
ويرى مراقبون أن تلك المناورات ربما تأتي استكمالاً لعاصفة الحزم في اليمن، ومن الممكن أن تشارك تلك القوات في عمليات ضد الانقلاب الحوثي في اليمن؛ لوضع حد للأزمة والتوتر على الحدود الجنوبية، لتتفرغ بعدها المملكة لإدارة الملف السوري، الذي يشكل هو الآخر تهديدًا إقليميًا لها، خاصة بعد إعلان الرياض صراحة عزمها التدخل البري في سوريا، وإرسالها لعشرين طائرة لقاعدة إنجرليك التركية لتكون بداية لعمليات عسكرية في الأراضي السورية.
التأهب لأي مواجهة مع روسيا
رغبة المملكة في التدخل البري في سوريا قوبل برفض من روسيا، بل وتهديد من جانب المسؤولين الروس بأن تلك القوات ربما تدخل في مواجهة مع القوات الروسية، وبالتالي تأتي تلك المناورات لتكون رسالة قوية لموسكو بأن أي تهور سيعرض روسيا لحرب ومواجهة مع جيوش التحالف الإسلامي التي لن تسمح بدورها بأن تتعرض المملكة قائدة التحالف لأي تهديد.
تدرك المملكة أيضًا أن كونها عضوًا في التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة لا يعني أن تتدخل واشنطن للدفاع عن المملكة ومصالحها ضد التهديدات الإيرانية والروسية، بمعنى آخر فإن الرياض لا تأمن مكر الأمريكان الذين يتصرفون بطريقة براجماعية من منطلق المصلحة، ودليل ذلك التدخل الإيراني والروسي في سوريا الذي لم يكن له أن يتم إلا بضوء أخضر من واشنطن؛ لتتحول سوريا لساحة صراع إقليمي بين روسيا وإيران من جهة والسعودية وتركيا من جهة أخرى، خاصة بعد رفض واشنطن دعم قوات المعارضة بالسلاح النوعي لحسم المعارك ضد النظام.
تراجع وانحسار الدور الأمريكي
مواقف واشنطن المتناقضة التي تلعب على جميع الأحبال، وتتعاون مع جميع القوى المختلفة التوجهات والأيدولوجيات جعلها وسيط غير نزيه، لا يلبي طموح دول المنطقة وجعلها تتجه لأن تأخذ هي زمام المبادرة في تحديد مستقبل المنطقة ومصيرها، خاصة بعد التراجع الأمريكي في كثير من الملفات، كما في العراق وسوريا وليبيا.
وبداية ذلك كان في عملية عاصفة الحزم التي يرى بعض المراقبين أن السعودية اتخذت قرار التدخل ضد الانقلاب في اليمن بمعزل عن أمريكا، وبالتالي تأتي مناورات رعد الشمال كمؤشر لنشاة كيان إسلامي إقليمي فاعل ومؤثر وقادر على اتخاذ القرار والدفاع عن مصالح شعوب ودول المنطقة العربية والإسلامية.
تطلعات شعوب المنطقة
تلبي مناورات رعد الشمال، وفقا للمراقبين، طموح شعوب المنطقة بأن يكون لها قوة ودرع يحميها، ويمكّن لها الخروج من عباءة الهيمنة لأمريكا والغرب، يؤهل للمنطقة اتخاذ القرارات المصيرية والحاسمة في ظل التحديات الدولية والإقليمية الراهنة، خاصة إذا علمنا أن تلك المناورات تتم بمشاركة 20 دولة، تضم جيوش أقوى دول المنطقة بما يقارب 150 ألف جندي و300 طائرة ومئات الدبابات والآليات الحربية والمتطورة.
ولذلك يمكن القول أن تلك المناورات هي الأكبر والأضخم في تاريخ المنطقة من حيث العتد والعتاد، بداية صعود نجم قوة إسلامية إقليمية فاعلة ومؤثرة، تكسر احتكار الغرب للقوة وتضع حدًا لتدخلات الغير في شؤون المنطقة ومصائر شعوبها.