شهد الاقتصاد الإيراني منذ تسعينيات القرن الماضي ازدهارا اقتصاديا ملحوظا مستفيدا من زيادة عوائد النفط التي ارتفعت من حوالي 118 مليار دولار سنة 1993 إلى حوالي 476 مليار دولار سنة 2008، وقد كان لهذه العوائد أثرها على مؤشرات الاقتصاد الكلي عموما. إذ ارتفع معدل نمو نصيب الفرد من الناتج الملحي الإجمالي متجاوز سنة 2007 (7%) بعد ان كان سنة 1994 سالب (2,8%). وقد تزامن مع زيادة عوائد النفط ارتفاع في قيم صادرات إيران من السلع والخدمات من حوالي 76 مليار دولار سنة1990 إلى أكثر من 346 مليار دولار سنة 2011، أما معدلات التضخم فقد شهدت هبوطا ملحوظا من 50% تقريبا سنة 1995 إلى حوالي 10% سنة 2010.
إن العقوبات على إيران بدأت بعد شباط 2006 حين قررت إيران كرد فوري على قرار إحالة ملفها النووي إلى مجلس الأمن استنأف النشاطات التخصيبية وعدم السماح بإجراء تفتيشات مفاجئة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو تفتيش المواقع غير المعلن عنها أيضا والإعلان بأنها قد بدأت في إجراء التخصيب على نطاق محدود. إلا أن هذه العقوبات كانت تركز على حظر الأنشطة المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني. وفي 23 كانون الثاني 2012 فرض الاتحاد الأوربي حظرا فوريا على جميع العقود الجديدة لاستيراد وشراء ونقل البترول الإيراني الخام ومنتجات البترول. ومنذ ذلك الحين والاقتصاد الايراني يواجه تدهورا اقتصاديا تمثل في انخفاض عائدات النفط بحوالي 200 مليار دولار، وارتفاع معدلات التضخم إلى 39%، وانخفاض معدلات نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى أقل من سالب 7% ، وانخفاض سعر صرف التومان مقابل الدولار الأمريكي من حوالي 10 آلاف تومان للدولار الواحد عام 2011 إلى حوالي 26 ألف تومان للدولار الواحد في عام 2014.
هذا التدهور السريع الذي نجم عن حزمة العقوبات الاقتصادية دفع إيران للعودة إلى طاولة المفاوضات والتي انتهت في تموز 2015 برضوخ إيراني لإملاآت الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي حول برنامجها النووي مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها. ورغم التفاؤل الإيراني بالازدهار الاقتصادي الذي سيحققه رفع العقوبات، ودعوات الانفتاح على الغرب على لسان مسؤوليها والزيارات التي أجراها رئيس وزرائها لبعض البلدان الأوربية، إلا أن رفع العقوبات تزامن مع انهيار اسعار النفط، كما أن بقاء إيران تحت المراقبة المشددة وإمكانية استتئاف العقوبات عليها ظل يثير مخاوف رأس المال الأجنبي ويضعف فرص إيران في استقطاب الاستثمارات الاجنبية.
إلى جانب ذلك كله فإن الوضع الأمني والسياسي المضطرب لمنطقة الشرق الأوسط ودور إيران الأساسي في الأحداث التي تشهدها المنطقة يجعلها عرضة للمخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تحدق ببلدان المنطقة. ذلك كله يضعف الأمل بعودة الوضع الاقتصادي في إيران إلى ما قبل 2012. واستمرار هبوط قيمة التومان إلى ما يزيد عن 30 ألف تومان مقابل الدولار مؤشر واضح على هشاشة الوضع الاقتصادي في إيران.
إن سياسة الانفتاح الاقتصادي بحد ذاتها مثار شكوك كبيرة في ظل المغامرات السياسية والعسكرية التي تخوضها إيران مع دول المنطقة، إذ إن استقطاب الاستثمارات الاجنبية يتطلب بيئة مستقرة سياسيا وأمنيا ومثل هذه البيئة أبعد ما يكون عن المحيط الإقليمي لإيران، وإن البرنامج النووي الإيراني كان أحد عوامل الاضطراب التي تواجهها المنطقة، والتي حالت دون استغلال الفرص الاستثمارية والتنموية التي تزخر بها منطقة الشرق الأوسط عموما والدول المجاورة لإيران بشكل خاص. وقد جلبت الأزمة السياسية والأمنية التي تعيشها المنطقة أزمة اقتصادية خانقة فاقمت من سوء الاوضاع الاقتصادية في إيران وذلك من أوجه عدة هي:
إن الخصومات السياسية بين دول المنطقة المنتجة للنفط أدت إلى غياب التنسيق بينها للتحكم بأسعار النفط وإيقاف تدهورها من خلال تقليص حجم الانتاج النفطي، فبدل أن تتفق السعودية وإيران على تحديد حصص الانتاج في السوق النفطي كان التنافس قائما لزيادة الانتاج بسبب خوف إحداهما من سيطرة الأخرى على السوق النفطي.
إن التدخلات الإقليمية المباشرة في الصراعات الداخلية لدول المنطقة أدت إلى فسح المجال واسعا لنمو حركات ارهابية مثل داعش وغيرها التي بدأت تهدد كل دول المنطقة بل أصبحت مصدر تهديد عالمي أدى إلى هروب رؤوس الأموال والموارد البشرية وولد أزمات نزوح وهجرات جماعية بكل ما تنطوي عليه من تبعات اقتصادية تمثلت في ارتفاع معدلات الفقر وتعطل المشاريع الاقتصادية وخفض الطلب على السلع المستوردة وخسارة كبيرة في الأسواق التي كانت تصرف المنتجات الإيرانية.
إن التدخل العسكري الإيراني المباشر في النزاعات الداخلية في دول المنطقة بحد ذاته يعد استنزافا للموارد المادية والبشرية التي كان يمكن توجيهها لدعم التنمية الاقتصادية للبلد. كما أن هذا التدخل أدخل المنطقة في سباق تسلح استنزف الموارد المالية لدولها بما فيها إيران في شراء الطائرات والصواريخ والأسلحة والذخائر المختلفة.
إن إشغال البر والبحر والجو الإقليمي بالعمليات القتالية أضر كثيرا بفرص استثمار الموقع الجغرافي المتميز للمنطقة على طرق النقل العالمية في تقديم خدمات النقل والمواصلات للأفراد أو البضائع عبر العالم.
إن سعي إيران لترميم علاقاتها الخارجية مع دول الاتحاد الأوربي بشكل خاص والدول الغربية بشكل عام لا يمكن أن يؤتي ثماره وينعش فرصها في التنمية الاقتصادية من دون إعادة ترميم علاقاتها الخارجية مع دول الجوار الإقليمي والمساهمة بشكل فاعل في إعادة الأمن والاستقرار للمنطقة برمتها الذي كانت إيران وبرنامجها النووي أحد أهم العوامل في فقدانه.