“باب الشهداء”، هذا هو آخر الأسماء التي أطلقها أبناء القدس على باب العامود التاريخي في مدينتهم، وذلك بعد ارتقاء أكثر من 10 شهداء عند هذا الباب وفي محيطه منذ اندلاع الانتفاضة الحالية، وهو كذلك الباب الذي مر منه مفجر الانتفاضة مهند الحلبي إلى شارع الواد، حيث نفذ عمليته التي أودت بحياة مستوطنين.
باب العامود ماتزال حجارته منذ الأزل شاهدة على ارتقاء الشهداء، فهو باب النصر وبوابة دمشق أيضاً، أما الاحتلال فقد أطلق عليه مؤخراً اسم “باب الإرهاب”، وتحديدا بعد عمليتي الطعن واطلاق النار الأخيرتين، اللتين نفذ إحداهما الشهيدان عمر عمرو ومنصور الشوامرة، ونفذ الأخرى الفدائيون الثلاثة أحمد زكارنة وأحمد أبو الرب ومحمد كميل.
شهداء ما إن داست أقدامهم منطقة باب العامود حتى سطروا بدمائهم وبسكاكينهم وقعاً خاصاً وبطولياً وسقوا بدمائهم الحجارة التاريخية، كان منهم الشهيد محمد علي ابن هذا الباب والذي كان يومياً يحتسي القهوة جلوساً على مدرجه الروماني، قبل أن يقصده طالبا الشهادة عند درجاته مستهدفا عناصر وحدة “اليسام” المتواجدة هنا دائما للتفتيش والاعتداء على الشبان والفتيات، ولطرد من يحتسون القهوة والشاي أيضا.
محاولات للنيل من قيمة الموقع
ويقول الشاب طارق حجازي أحد الباعة المقابلين لباب العامود، إن المنطقة تحولت لثكنة عسكرية كاملة بقوات مدججة بكافة أنواع الاسلحة، تراقب المارة وتفتش من أرادت منهم بشكل مهين وتشهر أسلحتها في وجوههم، مضيفا، “وعند كل عملية وارتقاء شهيد أو حتى في حالة الاشتباه بأمر ما، تتحول المنطقة لساحة حرب تنتشر فيها الكلاب البوليسية ورائحة الغاز المسيل للدموع”.
ويضيف حجازي، إن باب العامود فقد الأمان الذي ارتبط به دائما، “فكل لحظة تمر عليه نتوقع أن يحدث شيء، فهو الباب المشتعل بين أبواب القدس .. في ناس اشتقت لرؤيتها نفتقدها اليوم، فقد كانوا يأتون لشراء كأس من القهوة أوالشاي والجلوس على درجات باب العامود، اليوم أصبحوا يخافون الاقتراب او الوصول للمنطقة وأصبح المكان للعابرين ليس إلا”.
وباب العامود هو الباب الرئيس للقدس العتيقة، وهنا محلات تجارية ومطاعم ومواقف للسيارات وحافلات المواصلات، وقد كان دائما يعج بالزائرين من الفلسطينيين والسياح، لكن مؤخرا تغيرت معالمه كثيرا بعد أن أزالت سلطات الاحتلال بسطات وقصت أشجارا لتأمين مدى رؤية جيدة لكاميرات المراقبة.
ويتابع حجازي، “المناسبات الدينية كانت تتم في باب العامود، أمسيات واحتفالات دينية وترفيهية، لكن قبل فترة جاء المولد النبوي ولم نشعر فيه، فلا يوجد ناس ولا كشافة ولا أي مظهر لمظاهر القدس العربية والإسلامية في هذه المنطقة”.
الحاج الستيني إبراهيم شبانة، أحد باعة صحيفة القدس منذ (50 عاما) في باب العامود، أصبح مع ثباته في المنطقة لعقود أحد معالمها، يستذكر اليوم ما كان عليه باب العامود سابقا، موضحا أن إجراءات الاحتلال المشددة على باب العامود ورواده ومحبيه أفسدت أجواء باب العامود.
ويبين شبانة، أن قوات الاحتلال كانت سابقا توقف الشبان وتدقق في بطاقاتهم الشخصية وقل ما تفتش أحدهم، لكنها اليوم أصبحت تعتمد التفتيش الجسدي بشكل أساسي على مرمى عدسات الكاميرا وأعين المارة، دون أن تميز بين شاب أو طفل أو فتاة وطلاب جامعات.
“الناس تذهب وباب العامود يبقى”.. هكذا يقول إبراهيم شبانة، فهو باب أثري تاريخي وروماني وشاهد على الحضارات المتلاحقة، كما يعرب عن اشتياقه للناس في باب العامود وسلاماتهم ولأصوات الباعة المتجولين والباعة على البسطات.
وبالقرب من باب العامود يقع حي المصرارة الذي يفصله عن غربي القدس المحتلة شارع رقم “1”، ويمر من هذا الحي المستوطنون الذين استولوا على منازل في البلدة القديمة، وقد وقع في هذا الحي ثلاثة شهداء منهم الشهيد الطفل إسحاق بدران.
ويقول أحمد دنديس أحد الباعة في باب العامود، “نحن باقون إلى يوم القيامة، فالاحتلال يظن أنه بإجراءاته القمعية والبربرية سيرهبنا ويحد من وقوع العمليات الفدائية، لكن هذه الاجراءات والممارسات تزيد الحقد وتولد الصراع أكثر فأكثر”.
ويضيف دنديس، “بعد استشهاد الشاب الشهيد مهند الحلبي زادت وتيرة التشديدات على باب العامود، ومؤخرا اشتدت الهجمة الشرسة على المنطقة وتزامنا مع ذلك زادت وتيرة العمليات، حتى أصبح اسم الباب باب الشهداء أو ساحة الشهداء”، معتبرا، أن ما يجري اليوم جاء ردا على انتهاكات الأقصى ومحاولات تقسيمه والاعتداء على النساء داخل الأقصى وفي محيطه.
ويتابع، “أجمل شيء في باب العامود لمة التجار وحجارته وأشجاره، ومن شدة روعته وأهميته لم يمر احتلال ولا حضارة إلا واهتم ببسط سيطرته عليه”، لكن دنديس لم يستطع أن لا يعقب على حديثه عن الجمال هنا دون استذكار تفتيش رجل سبعيني بشكل مهين، وهو ما يعتبره أحد المظاهر المخجلة والمبكية.
“باب الرعب”.. إسرائيليا
على الجانب الآخر؛ يرى الاحتلال في باب العامود منطقة شديدة الخطورة والحساسية، وتحديدا في ظل المعطيات التي نشرت لاحقا حول تنفيذ 11 عملية في المنطقة خلال الانتفاضة، ما دفع صحيفة “يديعوت أحرنوت” لتسمية باب العامود بـ”باب الإرهاب”، حسب تعبيرها.
وتقول الصحيفة، إن منطقة باب العامود شهدت 11 عملية بينها عمليتان استخدم فيهما السلاح الناري، وتسع عمليات طعن، مضيفة، أن شهر شباط الجاري وحده شهد تنفيذ ست عمليات في باب العامود.
وتضيف “يديعوت”، أن العمليات التي وقعت في الأسابيع الأخيرة أدت لإصابة 11 إسرائيليا أحدهم لقي مصرعه لاحقا، فيما استشهد 9 فدائيين واعتقل ستة آخرون، مشيرة إلى أن بين المنفذين فتيات ونساء.
تجدر الإشارة إلى أن العملية التي نفذها الفدائيون الثلاثة من قباطية أحمد زكارنة وأحمد أبو الرب ومحمد كميل تعتبر الأقسى والأصعب على الاحتلال، كونها جاءت مزدوجة واستخدم فيها الرصاص وأوقعت عدة إصابات إحداها لقيت مصرعها، كما أن أذرع الاحتلال مازالت عاجزة حتى الآن عن تحديد كيفية وصول الشبان لباب العامود وحصولهم على السلاح الذي استخدموه في العملية، وهو السر الذي دفن مع الشهداء القادمين من خلف جدران الفشل الأمني المحيطة بالقدس.
المصدر: شبكة قدس الإخبارية