إذا أردنا أن نصف الجيل الحالي من الناشئين، فلن نخطئ إن وصفناه بـ”جيل الفيسبوك”، أو ” جيل تويتر”، و أيا ما كان المعنى الذي تحمله تلك التسمية، إيجابـاً أو سلبـاً، فإن هذا الجيل لم يسلم من تأثير مواقع التواصل الإجتماعي عليه، بل إنه نال أكبر التأثير، مقارنة بتأثيرها على الأجيال التي اقتحمت مواقع التواصل حياتها بعد أن أخذت منها الأيام ما أخذت، و نضجت عقولها و أجسادها، و أكل الدهل عليها و شرب، و هرمت لأجل الكثير من اللحظات التاريخية.
تأثير مواقع التواصل الإجتماعي على المراهقين على وجه الخصوص نال الكثير من الدراسة و البحث من الؤسسات المعنية، و الكُتاب و الدارسين في هذا المجال، الكاتِب المهتم بمجال الأطفال و حمايتهم من مخاطر الإنترنت “سورن راماسوبو” كتب بعنوان: تأثير وسائل التواصل على المراهقين. في التالي ترجمة المقال:
نال تأثير وسائل التواصل الإجتماعي على الأطفال و المراهقين أهمية قصوى، ليس ذلك بسبب ضعف تلك الفئة العمرية و سهولة التأثير بها فحسب، بل لأنهم يشكلون نسبة كبيرة من مدمني شبكات التواصل، و حسب تقرير منظمة Common sense media، فإن نسبة 75% من المراهقين في أميريكا يمتلكون حسابات في وسائل التواصل الإجتماعي، و يُـعتبر موقع فيسبوك أداة التواصل الرئيسية لـ 68% منهم.
و في الوقت الذي تلعب فيه وسائل التواصل دوراً كبيراً في توسيع مظلة التواصل الإجتماعي بين الناس، و تعلّم المهارات التقنية، فإنه لا يمكن التغاضي عن مخاطرها. فعند المراهقين، يؤدي ضعفُ التنظيم الذاتي أو صعوبته، و سهولةُ التأثر بضغط الأقران إلى وقوعهم فريسةً سهلةً لتلك المخاطر، مثل “اكتئاب الفيسبوك”، “التحرش الجنسي الألكتروني”، و “التنمّر الألكتروني”، و التي تُعتبر مخاطر حقيقية. المشاكل الأخرى؛ مثل السمنة المرتبطة بمواقع التواصل، إدمان الإنترنت، و اضطرابات النوم، لا تزال تحت الدراسات المكثفة بسبب النتائج المتضاربة لتلك الدراسات.
المنظمة الأمريكية لعلم النفس عرّفت “التنمّر الألكتروني” ( التنمّر ترجمة لمصطلح bullying ) بأنه تصرف عدواني من شخص ما، يسبب المضايقة لشخص آخر. و يتراوح التنمّر بين التهديد المباشر و رسائل البريد المزعجة إلى نشاطات أخرى مثل التصيد الألكتروني للضحايا. 32% من المراهقين يقرّون بتعرضهم لنوع من أنواع التهديد عبر الإنترنت من الآخرين. و بينما تعد الرسائل، و رسائل البريد المزعجة أبسط أشكال “التنمر الألكتروني” إلا أنها الأكثر إنتشاراً، 13% فقط من الشباب من عينة الدراسة أقروا بتلقيهم رسائل عدوانية أو رسائل تهديد. بل إن مجرد تمرير الملاحظات الخاصة إلى مجموعات أخرى بدون إذن المُرسِل يعتبر غالباً “تنمّراً الكترونياً”. مركز أبحاثPew research وجد أن 15% من المراهقين قد تعرضوا للمضايقة و الإزعاج بتمرير رسائلهم الخاصة أو نشرها في المنتديات العامة. و أيضا وجد أن 39% من المراهقين قد تعرضوا للتنمّر الإلكتروني في مواقع التواصل الإجتماعي بطريقة ما، مقارنة بـ 22% تعرضوا له من غير مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي.
إن أحد أسباب التنمّر الإلكتروني هو إمكانية إخفاء الهوية في شبكة الإنترنت. و تبعا لمنظمة Stopbullying فإن هناك نوعين من الأشخاص يحتمل أنهما الأكثر تسببا لللتنمر الألكتروني؛ المشاهير و المطامير، النوع الأول يلجأ لمثل هذه الأنشطة ليحافظ على شهرته أو ليشعر بقوته, بينما الأخير يتنمّر ليندمج في المجتمع، أو ليزجّ بنفسه في مجتمع آخر ليس منه. المجلس الدولي لمكافحة الجريمة وجد من خلال دراسة أجراها أنّ حوالي ثلاثة أرباع ضحايا التنمّر الألكتروني يلاحقون المتنمّرين، و لذلك لا تكون فكرة إخفاء الهوية آمنة كما يُعتقد. المتنمّر قد يكون غالبا من الأصدقاء – إن صح وصفهم بالأصدقاء – أو احد المعارف. 23% فقط من ضحايا التنمّر اقرّوا بتعرضهم للتنمّر من قبل أشخاص لا يعرفونهم.
يبدو التنمّر سهلا لأن المتنمرين لا يرون ردات فعل ضحاياهم شخصياً، و لذلك فإنهم لا يشعرون بتبعات جرمهم. لكن في الحقيقة، قد تكون نتائج التنمّر كبيرة جدا إلى درجة أن الضحايا قد ينتحرون، أو يصابون بالإكتئاب لدرجة الحاجة إلى علاج نفسي. و لأن تصرفات الأشخاص عبر شبكات التواصل يطغى عليها التهكم بالآخرين، فإن ذلك يجعل من الصعب التعرف على ضحايا التنمّر، غير أن المؤشرات تشير إلى أن الضحايا يتجنبون أجهزة الحاسوب و الأجهزة الخلوية، أو يقلقون منها، و يظهرون تغيرا في نمط تصرفاتهم.
التحرش الجنسي الألكتروني، ( أو ما يُسمّى: Sexting، و هي كلمة منحونة من كلمتين: textو ( sexهو إرسال رسائل ذات محتوى جنسي، نصوصـاً أو صوراً، إلى شخص أو مجموعة، أحد النشاطات المنتشرة بين المراهقين في وسائل التواصل الإجتماعي. الحملة العالمية لحماية المراهقين وجدت من خلال دراسة عالمية أن 20% من المراهقين متورطين في التحرش الجنسي الألكتروني. و في حين أنّ الأولاد المراهقين يلجؤون إلى إرسال رسائل ذات محتوى أو إيحاء جنسي، فإن البنات أكثر ميلاً لإرسال صور غير مناسبة لأنفسهن، غالباً يتم إرسالها إلى أصدقائهن. و أيا يكن، فإن طبيعة إنتشار شبكة الإنترنت و ديمومتها، تجعل منها بيئة مناسبة لانتشار مثل تلك الأشياء إلى حد يجعلها مألوفة لدى المستخدمين. 17% من المتحرشين اعترفوا بمشاركتهم الرسائل التي وصلتهم مع الآخرين، و 55% منهم يشاركون تلك الرسائل مع أكثر من شخص واحد. و فضلاً عن الصدمة و الإهانة التي قد يسببها التحرش، فإن هناك تبعات قضائية لها، و بعض الدول تعتير تلك النشاطات جرائم يعاقب عليها القانون في الوقت الذي تمارسها فيه بعض المجموعات كجرائم منظمة.
“اكتئاب الفيسبوك”، يعرف بأنه اضطراب عاطفي يتطور عندما يقضي الأطفال و المراهقين جُلّ وقتهم على مواقع التواصل الإجتماعي، و هو الآن مرض حقيقي. دراسات حديثة أثبتت أن المقارنة هي السبب الرئيسي لاكتئاب الفيسبوك، الدراسة أشارت إلى أن المقارنة الدونية ( المقارنة بالأشخاص الأقل مستوى ) تسبب الإكتئاب بنفس الدرجة التي تسببها المقارنة الفوقية ( المقارنة بالأشخاص الأعلى مستوى ) و هناك تقارير متناقضة كذلك الأمر في هذا المجال. دراسات أخرى أشارت إلى أن موقع الفيسبوك يجعلنا أكثر سعادة، و يزيد من الثقة و الإندماج الإجتماعي بين المستخدمين. و إذا علمنا أن عقولنا متلهفة لاستخدام شبكات التواصل، فإنه يبدو منطقيا أن نتوقع أن شبكات التواصل عبر إتاحتها لخاصية المشاركة يمكن أن تخلق شعورا ذاتيا بالرضا عن الذات. تلك الدراسات تُظهر أن تأثير شبكات التواصل على حياة الشخص تعتمد على الطريقة التي تُستخدم بها.
المخاطر الأخرى للاستخدام الواسع لشبكة الإنترنت بين الشباب هي انتهاك الخصوصية، مشاركة الكثير من المعلومات، و الإنفصال عن العالم الحقيقي. و البصمة الرقمية و التي هي الأثر الباقي الذي يخلفه مستخدمو وسائل التواصل – فضلا عن مستخدمي شبكة الإنترنت نفسها – لدى تسجيل دخولهم في أي خدمة. و هذه البصمة بديمومتها يمكن أن تسبب نتائج خطيرة في المستقبل، على المستوى المهني و الشخصي. و من المهم معرفة أن أي نشاط على الشبكة؛ المنشورات، حسابات مواقع التواصل، التعليقات في أي موقع، التغريدات، و كل صغيرة و كبيرة على مدى سنوات تساهم في تشكيل البصمة الألكترونية. المخاطر الحقيقة الأخرى هي كمية المعلومات التي تتم مشاركتها في مواقع وسائل التواصل. موقع ( LexisNexis and Lawers.com ) أجرى دراسة على 1000 شخص اميريكي و وجد أنّ أكثر من نصفهم قد نشر الكثير من المعلومات الشخصية عبر الشبكة، و ما يقلق أكثر هي حقيقة أن 44% منهم يعتقدون أن المعلومات التي نشروها على مواقع الفيسبوك و “لينكدإن” و “ماي سبيس” قد استخدمت ضدهم.
مرحلة الفتوة – أو المراهقة – هي أنسب مرحلة للإنفتاح على العالم، إطلاق الأجنحة في الهواء، و البدء بأول خطوة في هذا العالم، و يجب أن تكون هذه الخطوة برعاية من الأهل و المهتمين، و أن يكونوا جزءاً منها. و عندما نتحدث عن تصفح مواقع التواصل الإجتماعي، فإنه يستلزم من الأهل أن يكونوا على معرفة و اطلاع بإيجابيات و سلبيات تصفح تلك المواقع، ليس من أجل التشكيك، بل ليكونوا مدركين لسلوكيات أبناءهم المراهقين، و كذلك فإنه من المهم أن يكون الأهل على معرفة بإعدادات الخصوصية و حسابات أبنائهم. الحوارات المفتوحة عن قواعد و ادبيات استخدام شبكات التواصل ستقطع بنا طريقا طويلة في المواطنة الرقمية العالمية، و السلوكيات الصحيحة المبنية عليها.