لا يكاد يمر يوم إلا وتتناقل وسائل الإعلام المصرية والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي حالة تعدي من الشرطة المصرية على أحد المواطنين وبالتحديد من “أمناء الشرطة”، هؤلاء الموظفون الأمنيون في جهاز الشرطة المصرية الذين يعينوا من بين خريجي معاهد أمناء الشرطة التي تُنشئ بقرار من وزير الداخلية.
أنشئ معهد أمناء الشرطة عام 1967 على يد وزير الداخلية في ذلك الوقت شعراوى جمعة، وقد كان الغرض منه تخريج عاملين بالشرطة مساعدين للضباط على قدر من التعليم لكنهم ليسوا برتبة ضابط.
يحتك أمناء الشرطة بالمواطنين أكثر من احتكاك غيرهم من الضباط، وبات لأمناء الشرطة في مصر دورًا هامًا في تسيير المصالح اليومية للمواطنين، مما أنشئ لوبي اجتماعي خاص بهم يعتمد على الرشوة والفساد في المصالح المعنيين بها كأمور المرور والأحوال المدنية بالإضافة إلى الشؤون الأمنية الشرطية.
حادثة الأمس تُفصح عن وجه جمهورية أمناء الشرطة في مصر
قتل مواطن على يد أمين شرطة ليس خبرًا جديدًا في مصر، لكن ما حدث بالأمس يكشف بشاعة وجه جمهورية أمناء الشرطة في مصر، حيث أمين شرطة من قسم شرطة الدرب الأحمر بإطلاق النار علي سائق سيارة نقل بعد مشادة كلامية بينهما ما أسفر عن مقتله، المشادة الكلامية كانت بسبب الاختلاف على قيمة أجرة توصيل مشتريات بين الطرفين.
إذن في مصر حينما تختلف مع أمين شرطة فمصيرك سيكون طلقة في الرأس تودي بحياتك في الحال كما حدث في حالة الأمس، التي لم تختلف كثيرًا عن حادثة سبقتها بأيام لأمين شرطة يتحرش بسيدة متزوجة قرب محطة قطار مترو طالبًا منها الذهاب معه إلى منزلة عنوة.
8 حوادث للقتل والتعذيب والتحرش في أقل من أسبوع واحد
تظهر تجليات سلطة هذه الجمهورية في ارتباك أفرادها لاعتداءات على المواطنين بمعدل شبه يومي وأكثر، حيث رصدت الصحافة في مصر 8 حوادث متفرقة تعدى فيه أمناء شرطة على المواطنين في مصر إما بالقتل أو الضرب والتعذيب مرورًا بالتحرش وسحل الحوامل وإخفاء قسري.
حيث اعتدى من ثلاثة أيام قبيل حادثة الأمس اثنان من أمناء الشرطة، على عاملين بمستشفى إيتاي البارود العام بمحافظة البحيرة، بالضرب بسبب رفض العاملين صعود أميني الشرطة إلى الأدوار العليا بالمستشفى لزيارة مريض، إلا بعد دفع قيمة التذكرة المقررة، التي أصر أمينا الشرطة على عدم دفعها، بالإضافة إلى التعدي على الموظفين، وحينما تدخل مدير المستشفى رد عليه ضابط بطريقة ساخرة “وأيه يعني لما العمال انضربوا؟” بحسب رواية مدير المستشفى للإعلام.
وفي نفس الأسبوع قبيل هذه الحادثة بيوم واحد وقعت مشادة كلامية بين أمين شرطة وطبيب بعدما حضر أمين الشرطة إلى مستشفى بولاق الدكرور بصحبه والده، تطورت هذه المشادة مع الطبيب ، الأمر الذي دفع الطبيب للإصرار على عمل محضر تعدي باسم المنشأة، وقد صرحت الدكتورة منى مينا عضو مجلس نقابة الأطباء إن الأمين تجاوز لفظيًا بحق الطبيب، وهو ما يقود إلى ملف تعدي أمناء الشرطة على المستشفيات الذي شهد تصعيدًا من جانب نقابة الأطباء في الفترة الأخيرة بسبب تعدي أمناء شرطة على أطباء بمستشفى المطرية.
كما اتهم مواطن في نفس الأسبوع ضابط بقسم أول شبرا الخيمة وأربعة من أمناء الشرطة، بالتعدي عليه أمام أطفاله مساء الاثنين الماضى، وقال في تصريح مصور لموقع “انفراد” إن الضابط تعدى على عدد من المواطنين بالمنطقة، وصرخ فى وجههم: “إحنا أسيادكم يا ولاد الـ….” ، مشيرًا إلى أنه قدم بلاغًا بالواقعة.
بالإضافة إلى حادثة تعذيب مواطن من قبل قوة شرطة في الشارع، وسحل مواطنة أخرى “حامل” في الإسكندرية من قبل دورية شرطة، وحادثة تحرش أمين شرطة بسيدة في المرج وتهديد زوجها، تلك الحادثة التي سلطت وسائل الإعلام الضوء عليها في الأسبوع الماضي.
النظام يحمي أدوات القمع
كل هذه الانتهاكات التي ترتكبها جمهورية أمناء الشرطة لم تحظ باعتراف النظام بعد، الذي فضل أن يعتبرها “حوادث فردية” أو ربما آثر حماية هؤلاء الأمناء الذين يُعدهم عصا قمع المواطنين الخاصة بهم، وربما كسر هيبتهم سيكون كسرًا لهيبة قمع النظام ككل.
حيث رصدت صحيفة مصرية أن أمناء الشرطة ارتكبوا انتهاكات بحق المواطنين خلال السنوات الماضية والنتيجة كانت إخلاء سبيلهم في النهاية، وتحرت الصحيفة هذا النهج خلال 14 شهرًا من إخلاء السبيل لأمناء شرطة متهمين في حوادث مختلفة.
لعل آخرها إخلاء نيابة شرق القاهرة الكلية سبيل أمين الشرطة المتهم في واقعة التعدي على سيدة والتحرش بها بالقرب من مترو عزبة النخل بضمان وظيفته.
وفي نفس الشهر أخلت نيابة المطرية سبيل 9 من أمناء الشرطة المتهمين في واقعة الاعتداء على أطباء المطرية من سراي النيابة بضمان الوظيفة، وكذلك في البحيرة أخلي سبيل أمين الشرطة المُتهم بالاعتداء على إحدى الممرضات بمستشفى كوم حمادة.
أما في شهر يناير الماضي أخلت النيابة سبيل أمين شرطة متهم بتلقي رشوة في وحدة للمرور، وكذلك الأمر في محافظ كفر الشيخ التي أخلي فيها سبيل أمين شرطة في واقعة قتل مواطن.
حيث تتبعت الصحيفة هذا السيل من الإفلات من العقاب الذي يواجه أمناء الشرطة في سيل آخر من الاتهامات بالقتل والتعذيب والفساد طوال 14 شهرًا.
القصة لم تنتهي بعد
يظن البعض أن القصة تتوقف عند لحظة الانتهاك التي تقوم به الشرطة في مصر تجاه المواطنين، لكن هناك تكملة لهذه القصة لا يدركها فاعلها أو المتستر عليها، مثلما حدث في قضية الشاب خالد سعيد الذي قتل على يد الشرطة المصرية، وكانت خاتمة قصته ثورة الخامس والعشرين من يناير.
كذلك قصة الأمس التي قُتل فيها مواطن على يد أمين الشرطة برصاصة في الرأس، استكمالها الأهالي الذين طاردوا أمين الشرطة صاحب الواقعة الذي اختبئ في أحد المحال التجارية بالمنطقة، حيث أشار شهود العيان إلى أن الأهالي تمكنوا من اقتحام المحل وتعدوا علي الأمين بالضرب حتي لقي مصرعه متأثرًا بجروح وكدمات متفرقة بالجسم، وفي رواية أخرى أن بعض الأهالي تمكنوا من نقله إلى المستشفى قبل موته.
ثمة متورط آخر في واقعة القتل لجأ إلى مديرية أمن القاهرة إلا أن أهالي المنطقة بقيادة أسرة القتيل قاموا بحصار مديرية أمن القاهرة هاتفين ضد الحكومة، فيما وردت أنباء عن شاهد عيان، بأن أقسام شرطة عابدين والسيدة زينب والدرب الأحمر المحيطين بمنطق الواقعة، تم إغلاقهم على خلفية قتل أمين شرطة لمواطن خشية الفتك بهم من قبل الأهالي الغاضبين.
بينما دفعت مديرية أمن القاهرة بعدد من تشكيلات الأمن المركزي والعمليات الخاصة؛ بمحيط مقر مديرية أمن القاهرة؛ عقب تجمع العشرات من أهالي المواطن الذي لقي مصرعه برصاص أمين الشرطة، وبادرت وزارة الداخلية بعقد لقاء مع أسرة القتيل في محاولة لإنقاذ الموقف المشتعل.
هذا الاستكمال للقصة كان في الأقصر أيضًا منذ أشهر حينما خرج المئات من شباب محافظة الأقصر في جنوب مصر، في احتجاجات على مقتل المواطن طلعت شبيب داخل قسم الشرطة، بعد ساعات من ضبطه وسط اتهامات بتعرضه للتعذيب، وتوجهت هذه التظاهرة إلى قسم شرطة الأقصر، وسط تمركز أمني مكثف أمام قسم الشرطة خشية اقتحامه، ولم تستطع قوات الشرطة التدخل لفض هذه التظاهرة نظرًا لتعاطف الأهالي معها.
السيناريو الأقرب لأي انتفاضة قادمة ضد النظام المصري سيكون عبر بوابة الشرطة وانتهاكاتها حتى لو لم يقرأ النظام الصورة بشكل كامل حتى الآن، إلا أن تراكمات الوضع بهذه الصورة تُنبئ بأن الانتفاضة ضد جمهورية أمناء الشرطة وحماتها ستكون أقرب من أي وقت مضى.