ترجمة وتحرير نون بوست
بأسلوبه التقليدي المخادع، سعى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لتصوير إيران على أنها بلد لطيف، وعلى استعداد للحوار مع المملكة السعودية العنيدة والمتشددة، حيث صرّح لمستمعيه ضمن مؤتمر ميونخ الأمني الأسبوع الماضي: “نحن نعتقد بأنه لا يوجد أي شيء في منطقتنا من شأنه استبعاد احتمالية عمل إيران والسعودية معًا من أجل مستقبل أفضل لنا جميعًا”، مشيرًا إلى أن المتطرفين “هم تهديد لأخوتنا في المملكة العربية السعودية تمامًا كبقية دول المنطقة، نحن مرتبطون بمصير مشترك”.
لا يزال هذا الخطاب أفضل من الخطاب الإيراني المستهلك الذي يدعي بأن المملكة العربية السعودية وداعش هما وجهان لعملة واحدة؛ ففي الوقت الذي كان ظريف يقدم فيه نفسه كحمل وديع، كان رفاقه في الحرس الثوري يرفعون أعلامهم على ما تبقى من مئذنة مسجد في شمال سوريا، وهم يشاهدون النساء المنكسرات وهن يحملن الأعلام البيضاء في مسيرة تمر بجانبهم.
هؤلاء المدنيين ليسوا من داعش، ولكن البعض منهم قد ينضم للتنظيم بعد دفعه للتطرف جرّاء الممارسات الإيرانية في سوريا، وإذا كانت إيران ترغب بفتح نضال مشترك مع السعوديين ضد داعش، فيجب على طهران حينئذ تغيير سياستها.
تنظر إيران إلى المنطقة، وخاصة سوريا، من منظار طائفي؛ فالميليشيات التي تعول عليها طهران، والتي ينحدر بعضها من مناطق بعيدة كأفغانستان، هي ميليشيات طائفية، فهم يداهمون القرى السورية بشعارات طائفية، محيين بذلك صراعات تعود لأكثر من ألف عام، وبالدم والطائفية، تعيد إيران رسم خريطة المنطقة من جديد.
على الجهة الأخرى، السياسة السعودية الرسمية ليست طائفية، رغم أنها تظهر كذلك من حين لآخر بفضل التصريحات الحمقاء لبعض رجال الدين السعوديين، الذين يجب إيقافهم لأنهم يضرون بالمملكة ويعيقون محاولات الرياض للانضمام إلى صفوف العالم الحر، وهم يجعلون المملكة العربية السعودية تبدو كإيران، ويجعلون الصراع يبدو طائفيًا في عيون الغرب.
استضافت الرياض ودعمت اللجنة العليا للمفاوضات المنبثقة عن المعارضة السورية، والتي ينتمي أعضاؤها إلى كامل التركيبات السياسية والدينية والعرقية المختلفة في البلاد، سواء من السنة، العلويين، المسيحيين، البعثيين السابقين، جماعة الإخوان المسلمين، الليبراليين، السلفيين، العرب، الأكراد، والتركمان، جميعهم تم استقبالهم ومساعدتهم من قِبل الرياض للتوصل إلى اتفاق يؤكد على الديمقراطية والتعددية لبلادهم.
من الناحية الأخرى، لا يمكن لإيران، أن تقدم مثل هذه القائمة؛ فحلفاءها الأقوياء الذين يحاربون في سوريا جميعهم طائفيون، باستثناء روسيا، التي لا تهتم بالسوريين، بل تستغل سوريا كجزء من معركتها الإستراتيجية ضد الغرب.
في الوقت عينه، تدعم الرياض التعددية في سوريا وفقًا لما يطمح إليه السوريون، فهي لا تحوز مشروعًا سياسيًا تسعى لتصديره إلى سوريا، وأي شيء يتفق عليه السوريون مقبول للرياض، فما يهم بالنسبة للسعودية حقًا هي سوريا الحرة والمستقرة.
يتمحور المشروع الإيراني في سوريا حول بشار الأسد، الرئيس المفلس أخلاقيًا والمنتهي سياسيًا؛ فالربيع العربي أنهاه بذات الطريقة التي أنهى بها الحكم العسكري في مصر، رغم أن هذا الحكم عاد قسرًا للسلطة مرة أخرى، وكما أنهى نموذج “حكم الرجل الواحد” في اليمن وتونس وليبيا. صحيح أن جميع هذه الدول تمر بمرحلة مخاض صعبة، ولكنها جميعها تسير ضمن المسار التاريخي الصحيح نحو الديمقراطية والتعددية، في تناقض مباشر مع المشروع الإيراني.
إذا كان ظريف صادقًا حقًا في رغبته بسوريا المستقلة، المستقرة، التعددية، والخالية من الإرهاب، فلماذا إذن تدعم إيران الديكتاتور، الذي يعارض – كما كان والده من قبله – التعددية، ويدير البلاد بالقمعية والاضطهاد بمساعدة 22 جهاز استخبارات؟
إذا كان يهتم بالتعددية حقًا، والتي كانت من بين أهداف الانتفاضة السورية منذ خمس سنوات، فلماذا إذن لم تدعم إيران الوثيقة الموقعة من قِبل اللجنة العليا للمفاوضات بدلًا من الإصرار على “الاستقرار” في ظل الأسد؟ يبدو بأن النظام الملكي السعودي القديم أكثر تفهمًا للثورة السورية من “الثوريين” في إيران.
خلال الزيارة السرية، برعاية روسية، التي قام بها رئيس المخابرات السورية، علي مملوك، إلى جدة الصيف الماضي، استمع السعوديون مباشرة للنظام السوري، وحينها، عرضت الرياض، وفقًا لتقرير تم تسريبه، وقف الدعم السعودي المقدم للثوار السوريين مقابل انسحاب إيران وحزب الله اللبناني من سوريا، بغية جعل الصراع في سوريا خالٍ من العناصر الخارجية، ولكن مملوك لم يعد إلى السعودية لنقل الرد من رؤسائه، وبعدها جاء الرد الحقيقي بصورة مباشرة الغارات الجوية الروسية في سوريا في سبتمبر الماضي.
السيد ظريف: ليس هناك رؤية مشتركة بين السعوديين والإيرانيين حول سوريا؛ فإيران يجب أن تغادر سوريا ليتمتع السوريون بالسلام، ولنتجنب جميعًا حربًا إقليمية أكبر.
المصدر: ميدل إيست آي