في 30 من شهر سبتمبر 2015، بدأ سلاح الجو الروسي بتوجيه ضربات جوية ضدّ المعارضة المسلّحة في الأراضي السورية، بعد أن طلب الرئيس السوري بشار الأسد دعمًا عسكريًا من موسكو ووافق مجلس الإتحاد الروسي على تفويض الرئيس فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة الروسية خارج البلاد.
كان هذا التدخّل الروسي المعلن لأوّل مرّة صفعة قويّة لمختلف فصائل المعارضة المسلّحة المتواجدة على الأرض والّتي كان من أبرزها تنظيم الدولة الإسلاميّة الّذي أضحى في الأشهر الأخيرة في مواقع دفاع لا هجوم في المدن والقرى التي يسيطر عليها في سوريا.
إنّ السبب الرئيسي في هذا التكتيك الجديد من قبل “الدولة الإسلاميّة” هو كثافة قصف طائرات التحالف التي ملأت سماء العراق وسوريا بدءًا من الطائرات بدون طيار وصولاً الى آخر أنواع السوخوي والرافال والـF 16 الأمريكية بأنواعها.
لكن ورغم هذا الكمّ الهائل من القصف على المدن السورية إلّا أنّ تنظيم الدولة لا يزال متماسكا في المناطق التي يسيطر عليها في سوريا رغم فقدانه لبعضها خلال الأشهر الأخيرة، فإلى الآن ظلّت عاصمته السوريّة “الرّقّة” في قبضته رغم حوالي 5 أشهر من القصف الروسي-التّحالفي بل سيطر التنظيم على قرى أخرى في مناطق متفرّقة.
تماسك تنظيم الدولة رغم القصف الروسي
في الأوّل من شهر نوفمبر 2015 سيطر مقاتلو التنظيم على بلدة مهين الإستراتيجية في ريف حمص الجنوبي بالكامل عقب هجوم شنه بالتحالف مع أبناء المدينة، واستهدف فيه القوات السورية النظامية المرابطة في المنطقة.
لكن وقبل إطباق سيطرته الكاملة على “مهين” تمكّنت القوّات السّوريّة في 23 من الشهر ذاته من إعادة السيطرة على بلدتي مهين وحوارين، حيث قالت وسائل إعلام سورية ونشطاء إن قوات الحكومة – المدعومة بالغارات الجوية الروسية – سيطرت على بلدتي مهين وحوارين.
بلدة “مهين” عاشت خلال 40 يومًا حالة من الكرّ والفرّ بين الجيش السوري ومقاتلي تنظيم الدولة، ففي 10 ديسمبر 2015، استعاد تنظيم الدولة السيطرة على بلدتي مهين وحوارين بريف حمص،في تطور مهم، وذلك بعد أن تسلّلت مجموعة “انغماسية” من مقاتليه إلى الجبال المطلة عليها، ليتمكنوا من الدخول إلى البلدة.
ولم تتجاوز المدة الزمنية بين سيطرة الجيش واستعادتها من قِبل التنظيم أكثر من 20 يومًا، الأمر الذي يؤكد أهمية البلدة من ناحية طرق المواصلات وتأثيرها في المناطق المحيطة بها، فالبلدة تبعد عن الأوتوستراد الدولي نحو 20 كيلومترًا، وفي حال نجح التنظيم بالوصول إلى الأوتوستراد، فسيكون على مشارف بلدة البريج جنوبًا التي تعتبر البوابة الشمالية للقلمون الغربي، وعلى مقربة من حسيا والقصير في ريف حمص الجنوبي.
وشكلت هذه العملية صدمة في الأوساط الشعبية الموالية لدمشق، خصوصًا في ريف حمص الجنوبي والشرقي، حيث كان يتوقع أن يستعيد الجيش القريتين وتدمر من يد التنظيم، بعد وصول الجيش إلى مشارف المدينتين.
وتعتبر خسارة مهين وحوارين تشويشا على العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات النظامية السورية مدعومة بالميليشيات الشيعية ضمن جهودها في استعادة القريتين التي تشكل البوابة الجنوبية الغربية للانطلاق نحو تدمر في الشرق.
شهر نوفمبر الأليم للتنظيم
وفي شهر نوفمبر أيضا، أعلن الجيش السوري عن فكّ الحصار عن مطار كويرس العسكري، وقالت مصادر رسمية سورية إن وحدات من جيش النظام تمكنت من فك الحصار عن عناصر داخل مطار كويرس العسكري، بريف حلب الشرقي بعد عامين من حصاره من قِبل تنظيم الدولة الإسلامية.
الشهر نفسه كان أليما على تنظيم الدولة، حيث تمكّنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة على بلدة الهول شرق مدينة الحسكة شمال شرقي سوريا بشكل كامل.
وعلى إثر ذلك قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن قوات “سوريا الديمقراطية”، المكونة من وحدات حماية الشعب الكردي ووحدات حماية المرأة وجيش الثوار وفصائل غرفة عمليات بركان الفرات وقوات الصناديد وتجمع ألوية الجزيرة والمجلس العسكري السرياني، تمكنت من السيطرة على بلدة الهول الواقعة بريف الحسكة الشرقي.
تقدّم جديد في يناير
بعد ذلك، واصل تنظيم الدولة الإسلاميّة رغم قصف الطيران الروسي تقدّمه في مناطق أخرى من سوريا،وفي 18 من شهر يونيو الماضي، ذكرت صحيفة “الواشنطن بوست” الأمريكية نقلاً عن ناشطين معارضين للنظام السوري، أن تنظيم الدولة قام بشن هجوم جديد شرق سوريا، مستفيداً من العاصفة الرملية وانتزع عدة مواقع من قوات النظام قرب مدينة دير الزور في إطار هجوم مستمر طيلة ثلاثة أيام تقول وسائل إعلام رسمية إنه أسفر عن مقتل 300 شخص.
وأوردت الصحيفة نقلاً عن المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي مقره في لندن، أنّ تنظيم الدولة استطاع فرض سيطرته على معسكر الصاعقة التابع للنظام، بالإضافة إلى أجزاء من قرية عياش، الّتي أكّد نشطاء من المعارضة السورية لاحقا أن التنظيم أحكم سيطرته عليها بالكامل.
هذا التقدّم الكبير والخسائر الموجعة في صفوف المقاتلين الموالين للنّظام، دفعت وزارة الخارجية السورية إلى القول “إنها بعثت رسالة إلى الأمم المتحدة تستنكر فيها الهجوم على المدينة” كما أجبرت حزب الله اللبناني الذي يقاتل إلى جانب قوات الحكومة في سوريا على إصدار بيان ندّد فيه أيضا بهجمات تنظيم الدولة الإسلامية.
وفي 23 من شهر يناير أيضا، قالت تقارير إعلاميّة إنّ تقدّما جديدا أحرزه تنظيم الدولة في مواقع عسكرية تابعة لقوات الأسد في منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، حيث سيطر مقاتلو التنظيم على عدة نقاط وبعض التلال الجغرافية الهامة الّتي كانت تتمركز فيها قوات الأسد في محيط اللواء 128، وذلك بعد تمهيد ناري بواسطة الدبابات ومدافع الهاون والرشاشات الخفيفة والمتوسطة للعناصر التي شنت هجوماً مفاجئاً على تلك المراكز من محورين.
وفي 4 من شهر فبراير الجاري أعلن تنظيم الدولة، عن مقتل نحو 90 عنصراً لقوات النظام السوريّ غرب مطار كويرس في ريف حلب الشرقيّ، وأفادت وكالة “أعماق” التابعة له، أنّ عناصر التنظيم شنّوا، هجوماً من عدة محاور على قوات النظام والمليشيات الداعمة له غرب مطار كويرس في ريف حلب الشرقي، أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 90 من عناصرها.
قوّات سوريا الديمقراطيّة الأكثر فاعليّة
وقبل أيّام وتحديدا فجر الثلاثاء، شنّت “قوات سوريا الديمقراطية” الّتي تشكّلت في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وتضم في صفوفها وحدات حماية الشعب الكردية التي أثبتت كونها من أكثر شركاء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة فاعلية في مجابهة تنظيم “الدولة الاسلامية”، على الأرض في سوريا هجوما جديدا للسيطرة على الشدادي مدعومة بغطاء جوي أمريكي.
ورغم أنّ المعلومات الواردة على وسائل الإعلام متضاربة حول سيطرتها على مدينة الشدادي من عدمها، قال المرصد السوري لحقوق الانسان المعارض إن مسلحين تدعمهم الولايات المتحدة بمن فيهم وحدات حماية الشعب الكردية سيطروا الجمعة على بلدة الشدادي الإستراتيجية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا من أيدي مسلحي تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ومن شأن السيطرة على الشدادي المساعدة في عزل مدينة الرقة عاصمة التنظيم في سوريا.
أطماع لاستعادة الرقة في 30 يوما
وبعد محاولة لاستقراء سير العمليات العسكرية لتنظيم الدولة الإسلامية خلال 5 أشهر منذ انطلاق التدخّل الروسي في سوريا يمكننا القول، إنّ التنظيم عدّل الكفّة من خلال سيطرته على مناطق وفقدانه لأخرى وربّما آخرها مدينة الشدّادي إذا ما صدقت التقارير الإعلاميّة الّتي تحدّثت عن ذلك إلى حين كتابة هذه السّطور.
كذلك يمكن القول إنّ مقاتلي الدّولة حققّوا تقدّما معنويّا كبيرا على قوّات المعارضة المسلّحة والقوّات النّظامية في مناطق متفرّقة من سوريا، في حين حققت قوات “سوريا الديمقراطية” بغطاء جوي للتحالف الدولي تقدماً ملحوظاً على الأرض على حساب تنظيم الدولة في الريف الشمالي للرقة وحلب وفي ريف الحسكة الجنوبي وفي ريف حماة أمام القوات النظامية.
في الأخير يمكننا القول “إنّ قوات سوريا الديمقراطية هي القوّة الضاربة الآن على الأرض في مواجهة تنظيم الدولة الإسلاميّة قد تمكّنت من تعديل موازين القوى على الأرض ولعلّ ذلك يعود إلى ما حبته بها الولايات المتّحدة الأمريكية من دعم مالي وعسكري سخيّ وغطاء جوّي كبير رفقة الطيران الروسي،وهو ما مكّنها من تشديد الخناق على “الرقّة” العاصمة السورية لـ”الدولة الإسلاميّة”.
هذا التقدّم غير المريح، دفع مصادر عسكرية سورية إلى القول إنهم ينوون التقدم نحو محافظة الرقة، “بعد السيطرة على مواقع في أطراف المحافظة بين حماة والرقة منذ عدة أيام” وربّما هو الّذي أغرى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف،لتقديم وعود لنظرائه الغربيين، بتحويل عمليات النظام في سوريا “خلال 30 يومًا”، نحو محافظة الرقة بحسب صحيفة الشرق نقلا عن مصادر تركية مطلعة.