شيء من السحر والخيال
“سيرك برشلونة الممتع”، “عالم من السحر والخيال”، و”القادمون من البلاي ستيشن”، وغيرها من عبارات الإطراء والإعجاب، قيلت في المستوى الكروي المبهر الذي يقدمه لاعبو فريق برشلونة الإسباني في الآونة الأخيرة، والذي ترجم إلى نتائج عريضة وانتصارات مدوية تهاوت أمامها معظم الأرقام القياسية، فمنذ هزيمته الأخيرة على يد إشبيلية في 3 أكتوبر 2015 خلال مباريات المرحلة السابعة من الليغا، حقق الفريق الكتالوني 25 فوزًا و6 تعادلات، مكونًا سلسلةً فريدةً لا نظير لها في تاريخ النادي، قوامها 31 مباراةً متتاليةً دون أية هزيمة في جميع المسابقات، جعلته يحلق في صدارة الليغا بفارق 6 نقاط عن أقرب مطارديه أتلتيكو مدريد، إضافةً إلى بلوغه المباراة النهائية لكأس ملك إسبانيا بعد أن أهان فالنسيا في نصف النهائي بسباعية، كما استطاع تصدر مجموعته في دوري أبطال أوروبا بكل سهولة، بعد تحقيقه 4 انتصارات وتعادلين، لتضعه القرعة في مواجهة أرسنال الإنجليزي في دور الـ 16.
ومن المعلوم أن خلف كل نجاح أسبابًا بنيت عليه، وجهودًا تضافرت من أجل الوصول إليه، وسنحاول فيما يلي تحليل الأسباب الـ 5 الرئيسية وراء الفترة الكروية الرائعة التي يعيشها البارسا حاليًا:
السبب الأول: إدارة النادي
جوزيب ماريا بارتوميو رئيس نادي برشلونة
في 23 يناير 2014، استقال ساندرو روسيل من رئاسة نادي برشلونة قبل نهاية مدة رئاسته بعامين، تاركًا منصبه إلى نائبه جوسيب ماريا بارتوميو، والذي وجد نفسه محاطًا بسلسلة من الاضطرابات المالية والإدارية التي ورثها عن الرئيس السابق، أبرزها قضية صفقة نيمار المشبوهة، وقضية ناشئي لامسيا التي حرم النادي على إثرها من إجراء التعاقدات لمدة عام كامل، فشرع رجل الأعمال الكتالوني بحل المشاكل بكل روية وهدوء، مستفيدًا من معرفته التامة بكل صغيرة وكبيرة داخل أسوار النادي، من خلال عمله كنائب للرئيس منذ عام 2010، فكوفئ على مجهوداته في نهاية موسمه الثاني، بفوز الفريق بلقب دوري أبطال أوروبا إضافةً إلى لقبي الدوري والكأس المحليين، ليجد الفرصة أمامه مواتيةً للإعلان عن انتخابات مبكرة لرئاسة النادي في 18 يوليو 2015، أسفرت عن فوزه بنسبة 54% من الأصوات، متفوقًا على منافسه المباشر رئيس النادي الأسبق جوان لابورتا بفارق كبير، ليؤمن بارتوميو مقعده الرئاسي حتى عام 2021، ويتابع سياسته الحكيمة الهادئة في إدارة النادي خلال الموسم الحالي، فيقطف ثمار ذلك نجاحًا منقطع النظير.
السبب الثاني: لويس إنريكة
مدرب البارسا لويس إنريكة
في مطلع شهر يوليو 2014، خَلَف لاعب النادي السابق لويس إنريكة، الأرجنتيني تاتا مارتينو في تدريب البارسا، في خطوة لم تلقَ الكثير من القبول والتفاؤل لدى معظم أنصار النادي، الذين توقعوا فشل المدرب محدود الخبرة، وعدم محاكاته لتجربة المدرب الأسبق بيب غوارديولا، ولكن (اللوشو) خالف تلك التوقعات وضرب بكل التكهنات السلبية عرض الحائط، فقاد فريقه عبر مسيرة تصاعدية ممتازة، لبلوغ قمة الليغا بل وقمة أوروبا والعالم الموسم الماضي، ليخرس بذلك جميع الأصوات المشككة بقدراته الفنية، وخاصةً مع توالي انتصاراته هذا الموسم، الذي استطاع نقل الفريق خلاله إلى مرحلة جديدة من الانسجام والإمتاع والإبهار المرافق للنتائج، متجاوزًا جميع المطبات التي واجهته، وعلى رأسها إصابة نجم الفريق ميسي وابتعاده مدة شهرين، ليستحق ابن استورياس ذي الـ 45 عامًا جائزة أفضل مدرب في العالم لعام 2015، كاعتراف صريح بنجاحه في إدارة دفة نجوم البلوغرانا الذهبية بكل حنكة وذكاء.
السبب الثالث: ثلاثي (MSN)
ميسي، نيمار، سواريز
لا داعي لمراجعة الكثير من الإحصائيات، بل يكفي أن نتابع إحدى مباريات البارسا التي تحولت إلى مهرجانات تهديفية، لنعلم أننا أمام أفضل خط هجوم على سطح المعمورة، بل لا غرو في اعتباره الأفضل عبر التاريخ! ولم لا؟ ومن يقوده هو الأسطورة الحية ليو ميسي، الذي تعجز الحروف عن وصف روعة ما ينثره من سحر كروي! ومعه الفنان القادم من البرازيل نيمار، صاحب المهارات الفطرية الخلابة التي صقلت عبر الموسمين الماضيين، ليبلغ ذروة مستواه هذا الموسم، أما ثالثة الأثافي وآخر أركان المنظومة الهجومية المرعبة، فما هو إلا العضاض الأورغواني لويس سواريز، والذي غامر النادي باستقدامه صيف عام 2014 رغم العقوبة المفروضة عليه إثر عضته الشهيرة في كأس العالم، ليرد اللاعب الجميل لناديه بتألقه الملفت بدءًا من الموسم الماضي، ووصولًا إلى الموسم الحالي الذي يعيش فيه أزهى فتراته الرياضية، من خلال انفراده بصدارة ترتيب هدافي الليغا مع نهاية المرحلة الـ 24 برصيد 24 هدفًا.
أعضاء هذا الثلاثي الهجومي الفريد، يتميزون –فضلًا عن قدراتهم الفردية الهائلة- بانسجام فريد من نوعه في عالم النجوم، عبر عنه كل منهم بقوله (ليس للحسد والغيرة مكان بيننا)، وعلى هذا، فسر نجاحهم الباهر يكمن في تعاونهم وتعاضدهم، الذي قادهم لتسجيل 89 هدفًا (بواقع: 40 هدفًا لسواريز، 27 لميسي، و22 لنيمار) في جميع مسابقات الموسم حتى الآن، وهي حصيلة مرشحة للارتفاع بكل تأكيد.
السبب الرابع: الجنود المجهولون
بوسكيتس وإنييستا
من قال بأن قوة خط الهجوم تكفي وحدها لحصد الانتصارات والبطولات في كرة القدم فقد كذب، فما الذي يمكن أن يفعله المهاجم الهداف إذا لم يزوده لاعبو الوسط والظهيران بالتمريرات المناسبة؟ وما قيمة تسجيل المهاجمين لـ 3 أهداف أو أكثر إذا سمح خط الدفاع وحارس المرمى بتلقي عدد أكبر منها؟
وإذا كان دور ثلاثي MSN في تسجيل الأهداف قد خولهم بلوغ أرقى درجات الشهرة والنجومية، فالفضل في ذلك يعود إلى جنود الفريق المجهولين، أو –بالأصح – الأقل شهرةً بين صفوف العوام، وليس عند العارفين والمختصين، الذين لا ينكر رشيد منهم فضل لاعب كأندريس إنييستا، قائد الجوقة ورسامها البارع، أو سيرجيو بوسكيتس، رمانة ميزان خط الوسط وصاحب الأدوار التكتيكية الخفية، أو إيفان راكيتيتش صاحب التمريرات والأهداف الحاسمة، أو المحارب خافيير ماسيكرانو، والصخرة جيرارد بيكيه، والسهمين المنطلقين داني ألفيس وجوردي ألبا، وصولًا إلى مركز حراسة المرمى، والذي يتناوب عليه بنجاح الحارسان: كلاوديو برافو وأندريه تير شتيغن.
السبب الخامس: تخبط الملكي
مشهد من الكلاسيكو الأخير الذي انتهى برباعية للبارسا
مصائب قوم عند قوم فوائد، ومشاكل الغريم الأزلي والمنافس المحلي والأوروبي الأبرز ريال مدريد، عند أبناء كاتالونيا ألقاب وبطولات، ليس فقط في الوقت الحالي بل عبر تاريخهما الطويل، لطالما ارتبطت أحزان أحدهما بأفراح الآخر، وعلى هذا، فليس من المستغرب اعتبار فترة التخبط الإداري والرياضي التي يعيشها النادي الملكي، والتي بدأت منذ نهاية الموسم الماضي مع إقالة المدرب أنشيلوتي بعد خروج الفريق خالي الوفاض، واستمرت في حقبة خليفته بينيتيز القصيرة، والتي شابها التوتر والمشاكل، وخاصةً بعد سقوط الفريق على أرضه في الكلاسيكو بالأربعة، ومن ثم فضيحة الخروج من الكأس نتيجة خطأ إداري، لتتم التضحية ببينيتيز وتعيين زين الدين زيدان خلَفًا له، في خطوة لا يتوقع النقاد أن تغير كثيرًا من موسم الريال المضطرب، والذي نزل بردًا وسلامًا على قلوب لاعبي البارسا، فكان سببًا رئيسيًا من أسباب استمرار نجاحاتهم الحالية.
العبرة في النهاية
من بطولات برشلونة الموسم الماضي
رغم كل ما قيل وكتب عن أداء البارسا الرائع ونتائجه المبهرة وأرقامه القياسية خلال ما مضى من الموسم الحالي، تبقى الأمور بخواتيمها، وتبقى الكؤوس والبطولات هي الفيصل في تقييم نجاح الموسم من فشله، فهي وحدها من تخلد وتذكر في عالم المستديرة المتجدد.