أكثر الأسئلة التي طرحت في الصحافة التركية في الأيام القليلة الماضية: “لماذا يختار أردوغان بالتصادم مع جماعة فتح الله كولن وهو على أبواب انتخابات بلدية تليها انتخابات تشريعية ثم أخرى رئاسية؟”، وتنقسم الإجابة ما بين ملفات عديدة، من بينها سفينة مرمرة ورئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان والملف الكردي والجيش والمدارس التحضيرية الخاصة وكذلك صراع النفوذ.
أردوغان لم يكن يوما ذراعا سياسيا لجماعة فتح الله كولن، ولكنه ومنذ تأسيس حزب العدالة والتنمية ورغم تفضيله لعدم الحديث عن علاقته مع كولن فإنه كان معلوما لدى الجميع أن الجماعة تدعم أردوغان وحزبه بالأصوات في الانتخابات وبالتسويق له عبر مؤسساتها المتشعبة والمنتشرة في كل مكان، من أمريكا إلى إفريقيا كما في آسيا وأوروبا وفي كل مكان في تركيا، حتى بدأ الخلاف العلني على إثر اعتداء القوات الإسرائيلية على سفينة مرمرة.
سفينة مرمرة:
بعد قيام قوات الجيش الإسرائيلي بالهجوم على سفينة مرمرة التركية المتجهة لكسر الحصار على قطاع غزة، وقتلها لتسعة مواطنين أتراك، وفي حين قام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بطرد السفير الإسرائيلي في أنقرة وخطى خطوات جادة نحو قطع العلاقات التركية الإسرائيلية، صرح فتح الله كولن لصحيفة وال ستريت جنرال الأمريكية بأن الجانب التركي هو المخطئ لأن السفينة مرمرة لم تحصل على إذن إسرائيلي لدخول غزة، واصفا ذلك بالتعدي على الشرعية.
هاكان فيدان:
مباشرة بعد وقوع أحداث سفينة مرمرة، قام أردوغان بتعيين هاكان فيدان، الذي تصفه وسائل الإعلام بأنه رجل المهمات الصعبة، ورجل الظل وأكثر المقربين إلى أردوغان، على رأس جهاز الاستخبارات خلفا لسلفه الذي كان متهما بالتعاون مع الموساد الإسرائيلي، ولكن جماعة فتح الله كولن، ولأسباب غير معلنة، رفضت هاكان فيدان، ووظفت كل قوتها للإطاحة به.
مفاوضات السلام مع الأكراد:
خلال فترة خدمته في مكتب أحمد داوود في وزارة الخارجية، وكذلك بعد ترأسه لجهاز الاستخبارات التركي، أجرى هاكان فيدان مفاوضات سرية، في العاصمة النرويجية أوسلو، مع قيادات حزب العمال الكردستاني تهدف إلى إحلال السلام وإنهاء الصراع المسلح بين الدولة التركية والحزب الكردي، غير أن مدعين عامين ومسؤولين رفيعي المستوى، محسوبين على جماعة فتح الله كولن، قاموا بكشف هذه المفاوضات للعلن، وفتحوا تحقيقات في حق فيدان ووجهوا له تهما بالتفاوض مع أعداء الوطن وتجاوز صلاحياته.
أردوغان تدخل بقوة في تلك الواقعة، وأنقذ فيدان من المحاكمة ومن إمكانية السجن، حيث أصدر تصريحات قاسية، قال فيها: “فيدان هو كاتم سري، وهو يتحرك بتعليمات مباشرة مني”، كما قام بتحصينه من المحاكمة إلا بإذن منه، وقام بعد ذلك بعزل عدد كبير من الأمنيين والمدعين العامين وبنقل عدد آخر إلى خارج المحافظات الرئيسية، كان معظمهم محسوبين على جماعة فتح الله كولن.
محاكمة قادة الجيش:
رغم أن قائد أركان الجيش السابق إيلكر باشبوغ، والذي قضت المحكمة بسجنه انفراديا مدى الحياة بتهمة تزعم شبكة أرغينيكون السرية والتآمر ووضع خطط لإثارة الفوضى وللإطاحة بالحكومة التركية، كان –باشبوغ- قد هاجم الجماعة مرارا، فإن فتح الله كولن صرح لصحيفة أمريكية، قبل المحاكمة، قائلا: “لو كان الأمر بيدي لأطلقت سراحه”، متهما أردوغان بتصفية الحسابات وبمحاولة “ضرب عصفورين بحجر واحد”، واصفا ذلك بالنفاق.
أحداث تقسيم:
بعد اندلاع احتجاجات ميدان تقسيم في وسط مدينة اسطنبول، وبعد قيام المتظاهرين بغلق أكثر الميادين حيوية في تركيا، وأهمها بالنسبة لقطاع السياحة، وبينما كان أردوغان يتحدث عن مؤامرة دولية لإدخال تركيا في حالة من الفوضى والفراغ، ندد فتح الله كولن بوصف أردوغان للمتظاهرين بالفوضويين، وقامت وسائل الإعلام التابعة للجماعة بمهاجمة أردوغان وبالتنديد بطريقة تعامل حكومته مع الأحداث.
السكن الجامعي المختلط:
مرة أخرى، قامت وسائل إعلام تابعة لجماعة فتح الله كولن بكشف أسرار أردوغان، حيث قامت صحيفة زمان التابعة لكولن بنشر تفاصيل اجتماع داخلي مغلق لحكومة أردوغان، أعرب خلاله أردوغان عن انزعاجه من السكن الجامعي المختلط وعن رغبته في منع السكنات الجامعية المختلطة، وهو الأمر الذي أثار ضجة كبيرة في تركيا، ونتج عنه خلاف حاد بين أردوغان وأقرب مستشاريه، بولنت أرينتش.
المدارس التحضيرية الخاصة:
قرار الحكومة التركية بغلق ما يسمى بالمدارس التحضيرية الخاصة، وهو ما قال عنه محللون أتراك بأنه الوتر الذي يوجع الجماعة والذي لا يمكن لفتح الله كولن أن يسكت عنه، حيث تمتلك الجماعة ما لا يقل عن ربع مراكز الامتحان الخاصة والتي تعتمد عليها فئة كبيرة من الأتراك في تعليمها الثانوي عوضا عن المعاهد الحكومية، وذلك لأنها لا تجبر التلميذ على دراسة كامل المناهج الدراسية الحكومية وتكتفي بإجراء اختبارات نهاية السنة وبتوفير قاعات للمذاكرة.
ويرى أردوغان بأن هذه المراكز مضرة من ناحيتين، فمن جهة هي مكلفة جدا وتستحوذ على الأموال التي يفترض أن تذهب إلى قطاع التعليم الحكومي، ومن جهة أخرى –حسب رأي أردوغان- تؤدي إلى إضعاف المستوى التعليمي للتلميذ التركي، فهي تعد الطالب فقط لاجتياز الامتحانات، ولا تمتلك مناهج تعليمية متكاملة مما أدى إلى تواجد تركيا متأخرة في التصنيفات الدولية.
كولن علق على القرار قائلا: “إنهم يريدون غلق كل شيئ، حتى أبواب الجنة يريدون غلقها.. على الأقل أتركونا نحن ندخل”، مشبها أردوغان بمن قاموا بالانقلابات في سنة 1980 و1997، في حين رد أردوغان قائلا: “يريدوننا أن نتراجع عن هذا القرار.. فليعلموا أننا لن نتراجع”.
ويذكر بأن إحصاءات أجراها حزب العدالة والتنمية أكدت أن نسبة الناخبين التابعين لجماعة فتح الله كولن من إجمالي الناخبين الأتراك لا تتجاوز 3 بالمائة، في حين تشير إحصاءات أخرى إلى أنها قد تصل إلى نسبة 8 بالمائة.