هناك رسم تعبيري كرتوني على الإنترنت، لفيل متعجب يقف على رقاقة دون أن يسقط، كدلالة على الجرافين، أقوى مادة في العالم، فهو أقوى 40 مرة من الماس، وأقوى 300 مرة من الفولاذ، وفي نفس الوقت، هو أرق مادة، إذ يبلغ سمكه سمك ذرة كربون واحدة فقط، لديه مرونة عظيمة، وهو قادر على توصيل الحرارة والكهرباء أفضل من معظم المواد، ولابد أن هذا سوف يصيبك بالحيرة، فمادة بهذه الخصائص الخارقة، لماذا لم تحدث ثورة حقيقية ملموسة في حياتك اليومية من الطاقة والطب وحتى التصنيع حتى الآن؟ والإجابة، هي في كونها غالية الثمن، وهو ما قام باحثون من جامعة غلاسكو في إسكوتلندا بإيجاد حل له، يتوقع أن يسبب ثورة تبدأ ملامحها في الظهور من الآن.
ففريق الباحثين وجد طريقة لإنتاج عدد ضخم من رقاقات الجرافين عالية الجودة أرخص بمئة مرة من الطرق السابقة، فحاليًا، الطريقة الأكثر شيوعًا لتحضير الجرافين تعرف بـ”ترسيب الأبخرة الكيميائية”، حيث يتم تحويل المتفاعلات الغازية إلى رقاقة من الجرافين على سطح خاص يعرف باسم الركيزة.
وقد كانت هذه الركيزة في الماضي غالية دائمًا، مثل البلاتين والنيكل أو التيتانيوم كاربيد، وهذه المواد ناعمة، وتنتج رقاقات عالية الجودة من الجرافين، لكن المشكلة أنها مكلفة بشكل لا يصدق، ما يعني عدم قدرتنا على استخدام الجرافين في معظم الصناعات، ما جعل العلماء يحاولون استخدام النحاس كبديل لتقليل التكلفة، لكن هذا المعدن ما يزال في حاجة للمعالجة ليكون مكلفًا أيضًا، وهنا، قرر فريق جامعة غلاسكو أن يجربوا ما إن كان بإمكانهم تصنيع الجرافين باستخدام رقائق النحاس، المتوافرة بكثرة بثمن بخس في الأسواق، والتي تستخدم لصناعة بطاريات الليثيوم المنزلية الأيونية الشائعة.
الفريق وجد أن هذه اللفافات النحاسية كانت ناعمة بشكل كاف لصناعة الجرافين عالي الجودة، دون أي معالجة، بل إن عملهم المدهش لم يتوقف هنا، فقد أظهرت رقاقات الجرافين المتكونة خصائص بصرية كهربية جعلتها أكثر مناسبة للاستخدام في الترانزوستر عن الرقائق التي تم تصنيعها باستخدام المواد غالية الثمن!
الباحث الرئيسي رافيندا داهيا قال إن هذا النحاس المتوافر تجاريًا، والذي استخدموه، يباع بسعر دولار واحد للمتر المربع، مقارنة بتكلفة النحاس الحالي المستخدم في صناعة الجرافين والذي يكلف 115 دولارًا، أضف إلى ذلك تكاليف معالجة هذه المادة، مضيفًا أن العملية التي يعتمد عليها الفريق تنتج الجرافين عالي الجودة بثمن منخفض جدًا، ما يقربنا من إنتاج أدوات إلكترونية جديدة مع مجموعة واسعة من التطبيقات، بداية من المدن الذكية المستقبلية إلى الرعاية الصحية المتنقلة، وسوف تجعل هذه الطريقة الجديدة العلماء يبدأون أخيرًا في استخدام الجرافين في ابتكارات جديدة مثل الفلاتر عالية المستوى التقني، والمواد بالإضافة إلى الأجهزة الطبية.
ويقول داهيا إن معظم البحث الذي يقوم به شخصيًا، هو في مجال الجلود الصناعية، وبالتفكير في ذلك، فإن الجرافين يمكن أن يوفر جلودًا تعويضية خارقة المرونة، كما إنها موصلة مما يجعل إضافة خاصية الإحساس إليها ممكنة، بطريقة يستحيل أن تصل إليها أكثر الأطراف التعويضية في وقتنا الحالي، وهذا اكتشاف مثير للغاية، سوف يفتح الباب لتطبيقات لم تكن تخطر في خيالنا من قبل، نلمسها في حياتنا اليومية قريبًا.