يعيش الاقتصاد التونسي منذ عدة سنوات على وقع أزمات متكررة، ما إن يحاول تجاوز إحداها حتى يجد أخرى أمامه، الأمر الذي حتم على مسؤولي الدولة اللجوء إلى القروض محليًا ودوليًا لتغطية العجز المتواصل في الموازنة العامة للبلاد في عدة مرات.
وأعلن رئيس مجلس التحاليل الاقتصادية (حكومي) توفيق الراجحي في تونس أمس الجمعة أنه يمكن لبلاده أن تطلب من صندوق النقد الدولي قرضًا بقيمة 12 مليار دينار (نحو 6 مليار دولار) لتونس على 4 سنوات بفائض 2%.
وأوضح الراجحي أن “المحادثات مع وفد صندوق النقد الدولي في بدايتها وأن هناك لقاءات تمت مع رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد ومع محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري وتعلقت بالإصلاحات الاقتصادية التي يجب القيام بها، وتابع أن الهدف اليوم هو المحافظة على نسبة المديونية أو التخفيض فيها وأن النقاشات مع وفد صندوق النقد تدور حول هذا الأساس.
وبدأ وفد من صندوق النقد الدولي، الخميس، محادثات مع تونس بخصوص برنامج ائتمان جديد قد تبلغ قيمته 1.7 مليار دولار على الأقل يمتد لأربع سنوات ويتضمن إطلاق حزمة إصلاحات جديدة لإنعاش الاقتصاد، وتستمر زيارة وفد صندوق النقد التي بدأت اليوم حتى الثالث من مارس المقبل وتتضمن لقاءات مع عدد من الوزراء، ومن المنتظر أن يجتمع مجلس إدارة صندوق النقد الدولي بنهاية شهر أبريل المقبل لتحديد موقفه من البرنامج الائتماني.
ومن المقرر أن تحصل تونس على نصف مليار يورو من الاتحاد الأوروبي لدعم اقتصادها، كما تعهدت فرنسا بمنح تونس مساعدات مالية تصل إلى مليار دولار على خمس سنوات.
كانت تونس قد اتفقت مع الصندوق في 2013 على برنامج ائتمان بحوالي 1.74 مليار دولار، ووافقت تونس بمقتضاه على تطبيق سياسات اقتصادية معينة مثل إبقاء العجز تحت السيطرة وزيادة مرونة سوق الصرف الأجنبي، وشهد هذا القرض الذي حصلت عليه البلاد من صندوق النقد الدولي، ووُزع على مراحل منذ عام 2012، عدة تعقيدات، بسبب مطالبة الصندوق لتونس، تنفيذ مزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
من المتوقع أن يصل التداين إلى 50.354 مليون دينار تونسي (الدينار = 0.48 دولار أمريكي)، في العام 2016 أي بنسبة 53.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وفق إحصائيات لوزارة المالية التونسية.
أما بخصوص الإصلاحات فقد أردف المسؤول الحكومي قائلًا “سيكون لدينا برنامج وطني للإصلاحات الكبرى على مدة 5 سنوات، وهي منقسمة إلى 5 محاور هي تمويل الاقتصاد والموازنات الاقتصادية وإيجاد شبكات الضمان الاجتماعي وتنمية الموارد البشرية وتطوير الإطار الترتيبي والمؤسساتي”، وتابع “الهدف من الإصلاحات هو حل الإشكال الذي وقعت فيه تونس منذ الثورة حين كان معدل النمو في حدود 5.2 % ولم يكن قادرًا على الرغم من ذلك من حل مشكلة البطالة التي كانت تقدر بـ 13% انهار إلى 3%.
كما دعا الراجحي إلى “إعادة النسق القديم للاقتصاد لحل أزمة البطالة التي تقدر حاليًا بـ 15.4% ، فضلًا على إرساء اقتصاد ديناميكي وذي قدرة تشغيلية مرتفعة”، وطالب الراجحي كذلك بتغليب الأجندة الاقتصادية على الأجندة السياسية حتى يتم إنجاح هذه الإصلاحات.
ويُعزى سبب تواصل تردي الوضع الاقتصادي بحسب ما أكده عدد من المراقبين إلى غياب برنامج تنموي واضح للحكومة فضلًا عن تواتر العمليات الإرهابية وتدهور القطاع السياحي الذي يمثل أحد أعمدة الاقتصاد في تونس، إذ يشتغل بها 400 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر، وتساهم بنسبة 7% من إجمالي الناتج المحلي، وتدرُّ ما بين 18 و20% من العملات الأجنبية.
وبحسب تقديرات المركز التونسي لليقظة والذكاء الاقتصادي التابع للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات فإنّ خسائر تونس بسبب حربها ضد الإرهاب تصل إلى 12.1 مليار دينار تونسي سنويًا ( 580 مليون دولار) أي ما يعادل 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي لتونس، ويقول المركز إن الجزء الأكبر من تلك الخسائر تتضمن السيولة التي خصصتها الحكومة لتمويل ميزانيتي الداخلية والدفاع والمقدرة بـ500 مليون دينار لدعم جهود مكافحة الإرهاب ضمن الموازنة التكميلية لسنة 2015.
وحذر سليم شاكر في تصريحات سابقة من أن تونس ستعيش أوقاتًا صعبة، والعاصفة قد تتحول إلى إعصار، إذا أحجم المجتمع الدولي عن برنامج اقتصادي كبير لمساعدة تونس، وأضاف وزير المالية ، أن تونس تحث المجتمع الدولي ومجموعة الثماني على تمويل برنامج إنقاذ كلفته 25 مليار دولار يخصص لتطوير البنية التحتية ودعم السلم الاجتماعي وتقوية الأمن وسد العجز في الميزانية.
وذكر سليم شاكر أن احتياجات تونس من التمويل الأجنبي في 2016 ستبلغ 3.6 مليارات دينار، مضيفًا أن تونس ستعود للسوق المالية من جديد سنة 2016، وستصدر سندات بقيمة تصل إلى مليار دولار في يناير أو فبراير 2016، على أقصى تقدير.
وتتوقع تونس حسب وثيقة ميزانية الدولة لسنة 2016 تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 2.5% لسنة 2016 .
وحصلت تونس سنة 2015 على حوالي 15 قرضًا من جهات مختلفة أبرزها الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية والبنك العالمي والوكالة اليابانية للتعاون الدولي وألمانيا وإيطاليا والمملكة العربية السعودية.
من جهته دعا وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي، الأربعاء، خلال اجتماع للوزير بسفراء الدول الأوروبية في تونس حضره وزيرا الداخلية والسياحة التونسيان، الدول الأوروبية إلى إعادة النظر في تحذيرات سابقة لرعاياها بعدم السفر إلى تونس التي تضررت سياحتها منذ مقتل 59 سائحًا أجنبيًا العام الماضي في هجومين دمويين تبنّاهما تنظيم الدولة الإسلامية.
وقالت الوزارة في بيان إن الجهيناوي “شدد على أن تكريس موقف التضامن والدعم لتونس في هذه المرحلة يستدعي مراجعة الدول الأوروبية الصديقة، تحذيرات السفر لرعاياها باتجاه تونس بما يساعد القطاع السياحي على استعادة نسقه الطبيعي”.
ففي 2015، قتل 59 سائحًا أجنبيًا في هجومين داميين استهدف الأول متحف باردو الشهير قرب العاصمة، والثاني فندقًا في ولاية سوسة (وسط شرق) وتبناهما تنظيم الدولة الإسلامية، وتراجعت إيرادات السياحة في تونس عام 2015 بأكثر من 35% وعدد السياح بأكثر من 30%، مقارنة بسنة 2014 بسبب الهجمات، وفق إحصاءات البنك المركزي.
وتراجع عدد السياح الأوروبيين الوافدين إلى تونس في 2015 بنحو 54% مقارنة بسنة 2014، بحسب إحصاءات وزارة السياحة.
من جهة أخرى يؤكد العديد من المراقبين في تونس خطورة الحرب على ليبيا على الاقتصاد التونسي باعتبار أنّ هناك تدفقات كبيرة من الليبيين والتونسيين المقيمين هناك، وانتقل إلى تونس، نحو 2.6 مليون ليبي، للعيش في البلاد، وفق إحصاءات صادرة الأسبوع الجاري، عن وزارة الداخلية التونسية، ما دفعها لإعلان خطة طوارئ مع احتمالية دخول المزيد.
وأعلن المعهد التونسي للإحصاء (حكومي)، الأربعاء الماضي، أن نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، بلغ 0.8 % خلال العام الماضي 2015، مقارنة مع 2.3 % في العام 2014، ويعود ذلك إلى تراجع غالبية القطاعات الاقتصادية.
ووفقًا لمعطيات حديثة للمعهد التونسي، فإن نسبة البطالة في البلاد، ارتفعت إلى 15.4% في الربع الأخير من العام الماضي، مقارنة مع 15.3% مسجلة في الربع الثالث.