ترجمة وتحرير نون بوست
على مدى السنوات الثلاث الماضية عانت تركيا وشعبها من سلسلة من التفجيرات الكبرى، تسبب كل منها بدوامة انحدرت بالبلاد نحو أعمال عنف أسوأ من أي وقت مضى، وتوتر سياسي يشابه حربًا داخلية متعددة الأطراف.
منذ بداية العام، لقي مئات من الأشخاص- الجنود، الشرطة، المدنيين، وأعضاء الميليشيات الإرهابية- حتفهم في الاشتباكات الدائرة في شرق تركيا، واطرد عدد القتلى اليومي بشكل مؤسف، حيث قُتل جنديان ورجل شرطة في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة المنصرم في جنوب شرق تركيا، كما قُتل ثمانية آخرين في كمين نصب على الطريق في اليوم السابق.
نجم هذا التوتر البالغ الأثر جرّاء انهيار عملية السلام والحوار المستمرة منذ عامين بين السلطات التركية وحزب العمال الكردستاني (PKK) في يوليو الماضي، الأمر الذي جاء نتيجة لتفجير سابق حصل في بلدة سروج على مقربة من الحدود السورية من قِبل أشخاص مجهولين، يُعتقد ربما بأنهم تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية، ومنذ ذلك الحين تكشفت الأحداث عن مجريات أكثر دموية من أي وقت مضى، حيث تشهد تركيا تفجيرات في قلب العاصمة التركية، أنقرة، فضلًا عن التفجيرات المستمرة في جنوب شرق البلاد ذي الأغلبية التركية.
ولكن الانفجار الأخير الذي وقع أمام إشارات المرور على بعد 300 متر من مبنى البرلمان في أنقرة خلال ساعة الذروة مساء الأربعاء مُسفرًا عن مقتل 28 شخصًا، يهدد بتحول الأمور نحو الأسوأ، وذلك من خلال مشاركة تركيا المباشرة بالحرب الأهلية في سوريا، الأمر الذي سيؤدي على الأرجح إلى دخول القوات التركية على وجه السرعة بصراع مباشر مع قوات النظام السوري وحلفائه الروس، وبعبارة أخرى، ستُخلق أزمة دولية من الدرجة الأولى، إذا قرر الناتو، كما تأمل تركيا، أن يتضامن مع أنقرة في حربها التي تُزمع استهلالها بالداخل السوري.
يرغب صنّاع القرار الأتراك بالخوض في هذا الطريق لأنهم يدّعون بأن أكراد سورية يقفون خلف تفجير أنقرة الأخير، وبالأخص وحدات حماية الشعب (YPG)، وهي جماعة كردية مرتبطة عقائديًا بحزب العمال الكردستاني في تركيا، ويُعتقد بأنها مدعومة بالعديد من المقاتلين الأكراد في تركيا وكذلك في سوريا.
أثبتت وحدات حماية الشعب والتنظيم الأساسي الذي تتبع له، حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، بأنها المجموعة الأكثر نجاحًا عسكريًا في خضم القتال الدائر في سوريا وشمال العراق على مدى العامين الماضيين، حيث استطاعت هذه القوات دحر أعضاء تنظيم داعش من خلال العمل الوثيق مع الدعم الجوي الأمريكي، حيث تعمد أمريكا والتحالف المناهض لداعش على ضرب أهداف التنظيم من الجو، مفسحة المجال بذلك للأكراد وبعض الحلفاء العرب في جيش النظام السوري للتقدم على الأرض.
خلق هذا المزيج نوعًا من اللعنة المؤرقة بالنسبة لأنقرة، لأنه أدى إلى تشكيل خط من الجيوب الكردية المستقلة على جزء واسع من الحدود السورية التركية، وتزامن ذلك مع استعداد القوات الكردية حاليًا لاغتنام السيطرة على النقاط الرئيسية في الممر البالغ طوله 98 كم الممتد شمالًا من اعزاز حتى جرابلس في ريف حلب؛ مما سيمنع تركيا من الوصول إلى حلفائها في المعارضة السورية، وسيربط المزيد من الجيوب الكردية مع بعضها البعض وصولًا إلى مدينة عفرين في الشمال الغربي.
نتيجة لذلك، تلاشت الآمال التركية في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد وفي خلق إدارة سورية جديدة سنية، رغم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرفض الاعتراف بسقوط مخططه؛ ونتيجة لذلك، تعارض أنقرة في الوقت الراهن مقاربات الولايات المتحدة وروسيا في سوريا، حيث انتقدت دعم الأمريكيين للأكراد السوريين ورفضهم لإدانتهم على أنهم تشكيلات إرهابية، كما اعترضت على تدخل روسيا في سوريا، قصفها لأهداف المعارضة السورية، وطبعًا ضمانها لبقاء الأسد ونظامه.
من الجدير بالذكر هنا، بأن العلاقات التركية- الروسية دخلت في طور سياسي متوتر للغاية جرّاء قيام الحكومة التركية بإسقاط طائرة مقاتلة روسية بالقرب من الحدود السورية في 24 نوفمبر المنصرم بعد انتهاكها للمجال الجوي التركي لمدة 17 ثانية.
مؤخرًا، وعندما بدأ الأكراد السوريون بتهديد بلدة اعزاز وقاعدة مطار منغ العسكري المجاورة، شعرت أنقرة بضرورة تحركها لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وفعلًا، عمدت في 13 فبراير إلى مباشرة قصف عنيف عبر الحدود لمراكز وحدات حماية الشعب، متجاهلة المناشدات الأمريكية لوقف القصف والاستهداف، وفي الوقت عينه، طفقت أحاديث متحمسة حول عملية عسكرية تركية عابرة للحدود تسيطر فيها على الممر الإستراتيجي الذي يربط اعزاز بجرابلس في الشمال السوري.
بالنسبة للمراقب الخارجي، تبدو خطوة أنقرة بالتدخل العسكري في سوريا محفوفة بالمخاطر، بالنظر إلى قوة النظام السوري وداعمه الروسي بالجو، وتمكّن وخبرة مقاتلي وحدات الحماية الكردية على الأرض؛ لذا يبدو بأن أنقرة أجّلت فكرة التدخل ولكنها لم تتخلَ عنها مطلقًا.
بغية الحد من المخاطر، ترغب تركيا بإعادة تفعيل خطتها بإنشاء منطقة حظر جوي على مقربة من الحدود التركية – السورية، الأمر الذي كانت تسعى إليه منذ بدء الحرب الأهلية في سوريا منذ أربع سنوات ونيف، كما تشير بعض الاقتراحات بأن تركيا تشجع اللاجئين السوريين على عدم عبور الحدود إلى تركيا بغية خلق الشروط المسبقة الملائمة على الأرض لفرض منطقة الحظر الجوي.
ومن هذا المنطلق، ستتمع قضية أنقرة بدعم أقوى للغاية، إذا استطاعت أن تظهر بأن وحدات حماية الشعب الكردية ليست مجرد منظمة إرهابية، كما تصر، بل إنها تعمد أيضًا لمهاجمة الداخل التركي على أرض الواقع، والانفجار الذي ضرب أنقرة مساء الأربعاء، وفقًا لتصريحات أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، يخدم بالضبط هذا الاعتبار، حيث نقلت السلطات التركية بأن الانتحاري الذي نفذ الهجوم، صالح نجار، هو كردي سوري يبلغ من العمر 23 عامًا من الحسكة، وتمامًا كانتحاري تفجيرات إسطنبول الأخيرة، تم إدخاله إلى تركيا والاستحصال على بصمات أصابعه.
وفي سياق متصل، أدانت المعارضة التركية ما اعتبرته ثاني فشل كبير للأجهزة الأمنية في إحباط الهجوم الإرهابي بعد أربعة أشهر من حصول تفجير أنقرة، الذي عُزي أيضًا لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية، والذي أسفر عن مقتل 107 أشخاص.
وهنا يبقى السؤال الرئيسي والملح، هل نفّذ صالح نجار هجوم أنقرة بالنيابة عن وحدات حماية الشعب، التي لم يسبق لها وأن نفذّت عمليات مشابهة في الداخل التركي مسبقًا؟
رغم أن الكثير من الأكراد السوريين يقاتلون في صفوف حركات مسلحة أخرى، بما في ذلك داعش، يصر القادة الأتراك على أن منفّذ عملية أنقرة تابع لوحدات الحماية الكردية.
من جهة أخرى، أنكر حزب الاتحاد الديمقراطي وأيضًا وحدات حماية الشعب أي اتصال لهما بعملية أنقرة الأخيرة، كما امتنع المتحدث باسم الولايات المتحدة الأمريكية، في تصريح له يوم الخميس المنصرم، عن تأكيد أي ارتباط للأكراد بهذه العملية، رغم أن الحكومة التركية أطلعت السفراء الأجانب على الأدلة التي جمعتها لدعم مزاعمها، لأنها إذا كانت تسعى للقيام بعملية برية في سوريا، فإنها سترغب في رؤية حلفائها في حلف شمال الأطلسي يقفون إلى جانبها عندما تنخرط بذلك.
في هذا السياق، يبدو من غير المرجح أن يدعم الناتو تحركات تركيا للانخراط بالداخل السوري بسبب مخاطر تعجيل الصراع العالمي التي ستنجم عن ذلك؛ لذا، عمدت تركيا بدلًا من ذلك صباح يوم جمعة إلى قصف عفرين، الجيب الأكثر اكتظاظًا بالأكراد في سوريا، من مقاطعة هاتي الساحلية، وذلك في الوقت الذي تستمر فيه صراعاتها الداخلية بالاطراد والتوسع بشكل مؤلم.
المصدر: ميدل إيست آي