أكثر من 250 طفلا فلسطينيا يعيش حياة القهر والظلم في معتقلات إسرائيل، ليس لسبب سوى لأنهم أطفال فلسطينيون يبحثون عن طفولتهم وحريتهم المسلوبة.
تعذيب وحرمان من التعليم ومن العلاج ومن زيارة الأهل، هي أهم الملامح القاسية التي يعاني منها الأطفال المعتقلين الذين هم دون الثامنة عشرة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصف الكلمات قساوة الاحتلال بحق الأطفال المعتقلين، ولكن ربما جريمة اعتقال إسرائيل للأسير الطفل “وديع مسودة” من محافظة الخليل المحتلة ذو الخمس أعوام يشرح تفاصيل الجريمة كاملة وبدون دلائل، لاسيما وإذا ما رافقت عمليات الدهم والاعتقال ضد الأطفال تلك الكلاب البوليسية الوحشية التي يسوقها جنود الاحتلال معهم لاعتقال طفل صغير بريء والزج به في غياهب السجون الإسرائيلية دون حسيب أو رقيب.
وبينما أطفال العالم ينعمون بأحضان دافئة مطمئنة ويعيشون حياة الطفولة؛ غير أن أطفال فلسطين المعتقلين يعيشون بين أربعة جدران وفي زنازين قذرة تطوفها الحشرات والجرذان والفئران، ويُقدّمون إلى المحاكمات، وتُلصق بهم تهم باطلة ليس لها رصيد على أرض الواقع.
وعندما تعيش تحت قانون الغاب فإنك لا تعرف أين حطت الرحال بطفلك المعتقل الأسير، حيث يمنع الاحتلال الإفصاح عن مكان احتجاز الأطفال المعتقلين في سجونه، حتى وصلت الدرجة بهذا الاحتلال إلى حرمان الأطفال المعتقلين من الحصول على حق زيارة محامٍ يذود عنهم ويفند مزاعمه.
وليس ضربا من الخيال أن يمارس جنود الاحتلال الإسرائيلي التحرش الجنسي بالأطفال المعتقلين على اعتبار أنهم بعيدون عن الكاميرات أو عن ذويهم أو عن مراقبة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نفسها التي لا تكترث أصلا بمعاناة الأطفال إياهم.
ولعل أفظع أنواع التعذيب التي يتعرض لها الأطفال المعتقلين في سجون الاحتلال بالإضافة إلى ما سبق؛ هو ضرب الأطفال وتعليقهم من أيديهم ومن أرجلهم في الجدران وفي سقف غرف السجن والزنازين، إضافة إلى حرمانهم من النوم ومن الطعام، وحرمانهم من زيارة الأهل لفترات طويلة تمتد إلى شهور، علاوة على استخدام أبشع وسائل الضغط النفسي والبدني لانتزاع الاعترافات، والضغط عليهم لتجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية كعملاء ومتخابرين! وعلى الرغم من أن الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وتحديدا اتفاقية حقوق الطفل، شددت على ضرورة توفير الحماية للأطفال والحرص على حياتهم وإعطائهم فرصهم في البقاء والنمو؛ إلا أن ذلك يبدو أنه لا ينطبق على الأطفال الفلسطينيين المعتقلين المعذبين. فإسرائيل بالإضافة إلى أنها لم تراع حقوق الطفل؛ فإنها داست القانون الدولي الإنساني بأقدام مؤسستها العسكرية اللاإنسانية.
من يمكن أن يصدق في العالم أن طفل ذو الخمسة أعوام هو “مخرب” ويهدد أمن دولة إسرائيل؟. ولعله من المعروف بديهيا أن الاعتقال الإداري هو اعتقال محرم وفق القانون الدولي الإنساني، بيد أن إسرائيل تستخدمه ضد المعتقلين الفلسطينيين، نعم إن هذه مصيبة، ولكن المصيبة الأعظم بل والكارثة ربما هي أنها تستخدم هذا النوع من الاعتقال ضد الأطفال المعتقلين، لتكون المعاناة مركّبة، حيث أن الاعتقال الإداري يُعرّف بأنه اعتقال يصدر من جهة ما تجاه شخص ما دون توجيه تهمة معينة أو لائحة اتهام بحيث يكون بناء على ملفات سرية استخبارية أو بسبب عدم وجود أو لنقص الأدلة ضد متهم ما، وهو اعتقال محرم في القانون الدولي ضد الأفراد، فما بالكم إذا كان ضد الأطفال.
ويعكس الواقع المؤلم والمرير في الأراضي الفلسطينية؛ الحالة المترهلة التي تعيشها جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والمجتمع الدولي، كما وتعكس الحالة التي يحياها القادة والزعماء والرؤساء الذين يكتفون بمتابعة المشهد المؤلم من مكان بعيد، وكأنه عبارة عن مسلسل تلفزيوني، فيتابعونه بصمت، وكأنهم لا ناقة لهم تجاه هذه القضية ولا جمل.