هل يختص العرب بالبؤس الجنسي دون العالم؟

319416-32751b88-0b00-11e4-a510-9f89e2418c8b

أنهى الجزائري كامل داوود مقاله في صحيفة نيويورك تايمز والذي كان بعنوان البؤس الجنسي في العالم العربي بعبارة “الجنس مريض في العالم العربي، وها قد انتقلت العدوى إلى أرض اللجوء”، مشيرًا إلى أن حادثة التحرش بالفتيات الألمانيات في كولنيا في حفل رأس السنة الماضي تنذر بأن البؤس الجنسي الذي يعاني منه الشباب العرب، وأن علاقتهم المرضية بالمرأة قد انتقلت معهم في لجوئهم إلى ألمانيا أرض اللجوء، واضعًا الثقافة العربية ومن فوقها الثقافة الإسلامية في إطار المساءلة عن القمع المستخدم في الثقافات المتشددة أو المحافظة تجاه العلاقة بين الرجل والمرأة أو تجاه الجنس كفكرة عامة، محملًا إياها المسؤولية الكاملة عن البؤس الجنسي المرضي الذي تعاني منه الأجيال العربية والذي تُصدره الآن للمجتمعات الغربية.

فبعد قراءاتك لمقال كامل داوود، سيكون لديك فكرة عامة عن أن كل رجل شرقي هو رجل غاضب وبائس جنسيًا، يسعى وراء الفتيات ومهووس بالحور العين الموعود بهم في الجنة بشكل جنوني، يهرب من مشاكله المجتمعية نحو الثقافة الغربية المنفتحة ليرضى نفسه الغاضبة التي قُمعت في مجتمعه العربي.

يعد التحرش بالفعل علاقة مرضية بين الرجل والمرأة، ولا خلاف من أن الثقافة الجنسية تحولّت في العديد من المجتمعات العربية المحافظة إلى الثقافة الأبوية، أي الثقافة التي لا يتدخل فيها الشباب، ولا يجب أن يتعاملوا معها إلا في مرحلة عمرية معينة تأتي في الأغلب قبل الزواج، لتأتي خبرات الشباب العربي في الثقافة الجنسية محدودة للغاية، فالآباء يتعاملون مع الجنس كأمر هامشي لا داعي من التحدث فيه، كما أن المناهج الدراسية تتحاشى التحدث عنه، كما يختصرون الحديث إذا ما جاء الموضوع عن الجهاز التناسلي لكل من الأنثى والذكر في سطور معدودة في الكتاب.

كما أنه لا اعتراض في غياب الوعي الثقافي بأهمية وجود الطبيب النفسي في الثقافة الجنسية عند المشارقة، كما لا ننسى في الحديث النقطة الأكثر استفزازًا لمتبنيين الثقافة الغربية، وهي أن المرأة أداة جسدية تُستخدم لإشباع حاجات الرجل كما كان في الجاهلية وليس هناك داع من تثقيفها حول تلك الأمور.

الحقيقة تقول بأن نسبة كبيرة من المجتمعات العربية تعاني من العدمية الجنسية، ومصطلح العدمية في حد ذاته nihilism يعبر عن رفض كل مبدأ أخلاقي أو ديني، كما يصل إلى أن يتبنى فكرة أن الحياة نفسها عديمة القيمة، وهذا ما يتبعه أغلب العالم العربي عند الحديث عن الجنس، فهم يحاولون رفض المبادئ التي يتحدث عنها الجنس، بل يحاولون التعتيم عليه وكأنه لا وجود له.

الأمر ليس له علاقة بالدعوة إلى الحرية الجنسية التي جعلت من الثقافة الغربية ثقافة ثورية منذ الستينات وحتى الآن، الثورة الجنسية منذ الستينات كانت لها حماسة، هذا لا ينكره الجميع، بل لقد وصل الأمر إلى حماسة عند دعاة الدين والشيوخ، فمنهم من يصدر فتاوى الآن تخص الجنس ولكن على الطريقة الإسلامية كما يحبون أن يسموّها، إلا أن الثورة الجنسية التي شكلت بنسبة كبيرة جذور الثقافة الغربية الآن قد فاتها الكثير عن مجتمعها قبل أن تلقي باللوم على البؤس الجنسي في العالم العربي.

نعم يعاني العالم العربي من البؤس الجنسي، فماذا عن البؤس الجنسي في العالم الغربي؟ يتهم البعض الثقافة الغربية بالثقافة المنفتحة لدرجة الانفلات، ويسميها البعض بثقافة الانحلال، وذلك لأنها تتمتع بالحرية الجنسية التي تكاد تنعدم في بعض البلدان العربية، إلا أن الصورة ليست وردية كما يحب أن يصورها أتباع الثورة الجنسية، فلتلك الثقافة المنفتحة وجهًا آخر شديد السواد، فاللوم لا يقع فقط على بقاع من العالم العربي التي تعاني بؤسًا جنسيًا عائدة أسبابه لتقاليد وتربية منذ الصغر أكثر منه بسبب الهيمنة الدينية، فهناك أيضًا لوم على البؤس الجنسي الغربي، الذي جعل من الجنس سلعة تجارية، بداية من صناعة الأفلام الإباحية إلى الألعاب الإباحية جعل البؤس الجنسي الغربي بؤس جنسي مرضي، بداية مع الإعلانات التي لا تخلو من صور لامرأة عادية أو لأجزاء من جسدها، إلى السياسة التي يتبعها الإعلام الغربي في التشهير بالأفكار الجنسية المرضية عن طريق السينما أو المجلات، كمجلة بلاي بوي المجلة الإباحية الأشهر في العالم.

هناك امرأة من بين كل أربع نساء في الغرب تتعرض للتحرش الجنسي في مرحلة معينة من حياتها، كما أن الاستغلال الجنسي للأطفال مشكلة تواجهها الثقافة الغربية سواء كان باستغلالهم في الأفلام الإباحية أو في الدعارة، أو ارتكاب الجرائم الجنسية، حيث تحتل بريطانيا المركز الرابع بين أسوأ خمس دول في العالم تقوم بالاستغلال الجنسي للأطفال، حيث أشارت الإحصائيات الحديثة إلى بلوغ عدد الجرائم الجنسية ضد الأطفال 18.915 جريمة بين عامي 2013-2014 في بريطانيا، كما تحتل الولايات المتحدة الأمريكية المركز الذي يليها، فطبقًا لمركز رعاية الطفل الأمريكي CAC فمن المتوقع أن يولد 500.000 طفل سيتعرضون لجرائم جنسية قبل بلوغهم سن الثمانية عشر إذ لم تحارب الولايات المتحدة الجرائم الجنسية ضد الأطفال

اللاجئ العربي ليس مصدر البؤس الجنسي في الغرب، فالليبرالية الجنسية التي يتم تسويقها كقيمة مطلقة ويقوم الكثيرون في سبيل ذلك بالتقليل، بل والتحقير من الثقافات المختلفة عنها، لم تستطع تجاوز العديد من المشكلات التي لا يمكن أن توصف بأقل من كونها “بؤسًا جنسيًا”. ولإن كان “البؤس الجنسي” عند العرب تعريفه الحرمان أو المنع أو المحظور، فإن البؤس الجنسي في الغرب مكمنه  تسليع الجنس وتفريغه من قيمته كتجربة إنسانية متكاملة وابتذاله إلى الحد الذي جعل منه تجربة مؤذية لدى ملايين النساء حول العالم. 
القمع والتشدد يولدان الكبت، ولا يمكن لمجتمع مكبوت أن يتقدم، لكن الحل لم يكن أبدا غربيّا!