لقد كان الرئيس الأمريكي الأكثر شبابا والأعمق كاريزما والذي قاد أمته من خلال العاصفة، ليُختطف في أوج مجده بإصرار عجيب من مسلح وحيد، أو كما يعتقد الكثيرون، تختطفه مؤامرة كبيرة.
هذا الرئيس كان جون فيتزجيرالد كينيدي، واليوم هو الذكرى الخمسين لاغتياله عندما كان يسير في موكبه بسيارته المكشوفة في دالاس، بولاية تكساس الأمريكية.
مهد اغتيال كينيدي الطريق ليس فقط لخليفته ليندون جونسون ليصبح الرئيس السادس والثلاثين، لكنه أيضا مهد الطريق لكم هائل من نظريات المؤامرة التي ما زال صداها يتردد بعد نصف قرن من عملية الاغتيال.
يُذكرنا اغتيال كينيدي بالشرق الأوسط، الذي شُكل تاريخه الحديث بالعديد من الاغتيالات سيئة السمعة. مصر، الأردن، ولبنان في حالات كثيرة استضافت العديد من الاغتيالات السياسية المروعة التي، مثل مقتل جون كينيدي، هزت المنطقة، بل وحتى العالم.
حسن البنا
“إن اغتيال الشيخ المصري حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين، في فبراير ١٩٤٩، خلف صراعا بين الإسلاميين والدولة، وبأكثر من شكل، لا تزال تؤثر على المشهد السياسي المصري” يقول ذلك موريس جونيور لابيل، وهو باحث زائر في قسم التاريخ بجامعة ساكاتشاون الكندية.
“استشهاد الشيخ حسن البنا يستمر ليمثل الدافع الروحي والسياسي للنضال الذي تقوم به العديد من الحركات الإسلامية ضد الأنظمة العلمانية، سواء في مصر أو في العالم العربي، أو الأمة الإسلامية أو حتى على مستوى العالم، فالصراع الدائر حاليا بين الإخوان والدولة، هو مشهد مهم في التاريخ المصري المعاصر، مثلما يتضح من الصراع بين الدولة والإخوان الذين يدعمون الرئيس السابق محمد مرسي”
إسقاط القادة
بالنسبة للعديدين من المحللين، يكاد يكون اغتيال الرئيس المصري أنور السادات، و عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري هي أقرب عمليات الاغتيال شبها من ناحية التأثير باغتيال جون كينيدي.
كريم مقدسي، أستاذ العلوم السياسية والإدارة العامة في الجامعة الأمريكية في بيروت يقول “اغتيال السادات والحريري هما أوضح مثالين من ناحية الأهمية والتأثير المحلي وعلى مستوى المنطقة”
ويتابع “مقتل السادات عكس الاستياء الشعبي الإقليمي تجاه السياسة التي تقودها النخبة للتصالح مع إسرائيل والولايات المتحدة. في حالة الحريري، اغتياله كان أكثر أهمية للولايات المتحدة وحلفائها السعودية وإسرائيل، بل وفرنسا وبريطانيا أيضا، حيث ساعدت على توفير مجال لهم لـ”الحرب على الإرهاب” في المنطقة، وبدء معركة ضد محور إيران، كما أن عملية الاغتيال تُعد خطوة ناحية الانقسام السني الشيعي”
اللبنانيون يرون أن اغتيال الحريري كان أوسع تأثيرا في المنطقة من اغتيال السادات، فقد أدى الاغتيال لما عُرف “بثورة الأرز”، وإنهاء عقود من الهيمنة السورية على لبنان، فالحريري كان يمتلك مكانة ظهرت في الحداد الذي وصل إلى كل أنحاء العالم.
التي غالبا ما تُنسى، على الرغم من أهميتها الكبيرة وعظم تأثيرها، هي تلك الاغتيالات التي وقعت في إيران.
بعد عامين من سقوط الشاه، انفجرت قنبلة ضخمة في مقر الحزب الجمهوري الإسلامي في ٢٨ يونيو ١٩٨١، حيث قتلت عددا من الوزراء وأعضاء البرلمان.
خلال شهرين لاحقا، انفجرت قنبلة أخرى في مكتب رئيس الوزراء محمد جواد باهونار، ما أدى إلى مقتله بالإضافة إلى الرئيس المنتخب حديثا حينها، محمد علي رجائي.
مجاهدي خلق من بين منظمات أخرى تم اتهامها في تلك العملية، إلا أن رد الحرس الثوري كان عنيفا، فمنذ ذلك اليوم وحتى ٢٠١٣، رأينا إيران تتحول إلى دولة بوليسية، حيث ثبت الإسلاميون أقدامهم في الأرض، وأخبروا الجميع “أننا جءنا هنا لنبقى، وأن هذه هي ثورتنا الإسلامية، وجمهوريتنا الإسلامية”
لبنان هي عش الأفاعي. فمنذ استقلالها عن فرنسا عام ١٩٤٣، ابتُليت لبنان بالاغتيالات، بل إن الاغتيالات حفرت أثرها في نظامها السياسي الحالي الفريد من نوعه.
تونس لديها تاريخ جديد مع الاغتيالات، فمع اغتيال شكري بلعيد ومحمد براهيمي في فبراير ويوليو من العام الجاري، أشعل موجة غضب تجاه الحكومة التونسية، ما تزال تحاول التعافي منها حتى الآن، وبالتأكيد ظهرت آثارها على المشهد السياسي التونسي.
الاغتيالات السياسية لديها آثار قصيرة وطويلة المدى، فالشرق الأوسط شُكل بالاغتيالات، اغتيال إسحاق رابين في ١٩٩٥ والأدلة التي بدأت تظهر الآن بخصوص رحيل ياسر عرفات في ٢٠٠٤ والتي تثبت مقتله تؤكد ذلك. فالاغتيالات السياسية في المنطقة كانت كثيرة ودموية وكلها أثرت في مسار بلدان المشرق.
ترجمة وتحرير نون بوست
المصدر: الجزيرة