ترجمة حفصة جودة
تقوم تلك الجماعة المسماة بالدولة الإسلامية بتجنيد الأطفال وإرسالهم إلى الموت في أرض المعركة بسوريا والعراق بمعدل متزايد وغير مسبوق، طبقًا لدراسة جديدة حول دعاية الجماعة.
ففي دراسة بجامعة ولاية جورجيا، قام الأكاديميون بتحليل 89 صورة لأطفال وشباب تقول الجماعة المتطرفة بأنهم قُتلوا أثناء قيامهم بعمليات عسكرية بين الأول من يناير 2015 وحتى 31 يناير 2016، هؤلاء الأطفال هم من بين 1500 شاب يقوم المتشددون بتجنيدهم للقتال، كما تقول ميا بلوم، أحد مؤلفي الدراسة، التي قدرت وجود آلاف من الأطفال الذين يقوم المتشددون بتلقينهم الفكرة ليصبحوا جنودًا محتملين.
“تلمح هذه الدراسة إلى حقيقة أن المشكلات أكبر مما كنا نتصور”، تقول بلوم في تقرير نشرته “سي تي سي” يوم الجمعة ضمن مجلة الأكاديمية العسكرية لمركز مكافحة الإرهاب بويست بوينت، وقد وجدت الدراسة أن حوالي 21 طفلًا قد ماتوا في هجمات انتحارية باستخدام سيارات مفخخة في أول سبعة شهور من عام 2015، بزيادة تبلغ مرتين ونصف عن أحد التقديرات السابقة.
في الحقيقة، معدل الضحايا بين الأطفال يبدو متسارعًا؛ ففي يناير الماضي قُتل ستة أطفال في عملية انتحارية للجماعة المتشددة، أما الشهر السابق، فقد ارتفع عدد القتلى من الأطفال إلى 11 طفلًا، وارتفع عدد التفجيرات الانتحارية التي تستخدم الأطفال لثلاثة أضعاف العام الماضي.
تتبعت الدراسة عدد القتلى والعمليات الانتحارية التي تنطوي على وجود الأطفال بين يناير 2015 ويناير 2016.
من المرجح أن يستمر هذا الاتجاه المقلق، كما يقول مؤلفو الدراسة، ومع فقدان داعش لأراضيها، فقد تلجأ للمزيد من الهجمات الانتحارية والكمائن، وهي من بين أكثر الأسباب شيوعًا لوفيات الأطفال، كما تقول الدراسة.
تميل الجماعات المتشددة لاستخدام هذه الأنواع، عندما تكون في موقف دفاعي، إما بدافع اليأس أو كشكل من أشكال الحرب النفسية.
قامت هذه الجماعة المتشددة بإجبار الأطفال وترهيبهم وتجنيدهم في صفوفها منذ أيامها الأولى في العراق، طبقًا لتقرير الأمم المتحدة، ومع توسع الجماعة في سوريا وانفصالها عن تنظيم القاعدة، قامت بالاستيلاء على مساحة شاسعة من الأراضي في المنطقة عام 2014، وتضخم استخدامها للأطفال المقاتلين.
قامت داعش باعتقال مئات الأطفال خاصة من اليزيديين أثناء تقدمها، وفي الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجماعة، يقوم المقاتلون بتجنيد الأطفال وتلقينهم الفكر المتشدد من خلال النظام المدرسي وذلك بتقليل حساسيتهم للعنف عن طريق قطع الرؤس والصلب في الساحات العامة، أما المقاتلين الأجانب الوافدين على المنطقة من أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط، ففي بعض الأحيان يجلبون أطفالهم للقتال معهم أيضًا.
وبالرغم من أنه من الصعب تقدير رقم محدد، فقد ذكر أحد التقارير أن حوالي 1100 من الأطفال تم تجنيدهم كمقاتلين من يناير وحتى أغسطس العام الماضي، وتقدّر بلوم بأن هناك على الأقل 1500 طفل يعملون كجزء من مجموعة أساسية من المقاتلين، وقد ألقت دراسة الجمعة الضوء على هؤلاء الشباب المجندين.
الأطفال المشردون بسبب استيلاء داعش على مسقط رأسهم في العراق يصلون في إحدى الكاتدرائيات في شمال العراق
من بين 89 طفلًا قُتلوا منذ يناير 2015، نجد أن 31% منهم سوريين و11% عراقيين، وهناك حوالي 25% أتوا من أحد البلدين لكن لم يكن واضحًا من أي البلدين تمامًا، أما الآخرين فقد جاءوا من اليمن، السعودية، تونس، ليبيا، المملكة المتحدة، فرنسا، أستراليا، ونيجيريا، غالبية هؤلاء الأطفال – 60% منهم – تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عامًا، و6% منهم تبلغ أعمارهم دون الـ12 عامًا، وفي تقرير سابق للأمم المتحدة جاء أن الأطفال بعمر الثمانية سنوات يتدربون على القتال في مخيمات داعش العسكرية.
يصف الأطفال الهاربون من قبضة الجماعة، شهورًا طويلة وشاقة في معسكرات التدريب، “لقد رأيت الكثير من الناس يتعرضون للتعذيب”، يقول أحد الأطفال – وهو مقاتل سابق بعمر 14 عامًا – ويضيف: “إنهم يجلدون الناس كل يوم حتى الأطفال، وليس مسموحًا لأحد بالمغادرة”.
وصف الأطفال الذين فروا من براثن داعش ظروفًا شاقة في معسكرات التدريب العسكرية للجماعة المتشددة
استخدام الأطفال كجنود هي مشكلة عالمية وتظهر بكثرة في المناطق التي مزقتها الحروب مثل اليمن وجنوب السودان، لكن داعش تختلف عن باقي الجماعات المسلحة في طريقة استخدامها للأطفال كمقاتلين، كما وجدت الدراسة؛ فبينما تقوم الجماعات الأخرى بنشر الأطفال لتعويض النقص في عدد المقاتلين الكبار أو من أجل مهمات محددة (مثل مهاجمة أهداف مدنية)، فإن داعش تستخدم الأطفال بطريقة مشابهة لطريقة استخدامها للكبار، وقد وجدت الدراسة أن الأطفال المقاتلين يموتون غالبًا في نفس الأماكن وبنفس نوعية الهجمات التي يموت فيها المقاتلون الكبار.
“يقاتل الأطفال جنبًا إلى جنب مع الكبار، وليس بديلًا عنهم” كما تقول الدراسة، فاستخدام الأطفال والشباب أصبح أمرًا طبيعيًا تحت حكم تنظيم الدولة الإسلامية.
تنظيم الدولة الإسلامية لا يميز بين المقاتلين البالغين والأطفال، الذين يقاتلون ويموتون في ظروف مشابهة للغاية
يشكل هذا الأمر معضلة مخيفة للقوات المحلية والدولية التى تقاتل لمكافحة داعش، “تحتاج القوات الأمريكية التي تقاتل الجماعة المتشددة لأن تكون قادرة على التمييز الدقيق بين الطفل العادي والطفل الذي قد يكون خطيرًا” تقول بلوم، وتتابع: “حتى الشرطة الأمريكية لا تستطيع أن تفعل ذلك في مدننا، فاحتمالية الخطأ في هذا الأمر عظيمة وردود الفعل قد تكون مرعبة”، علاوة على ذلك، فإن حجم وأساليب تجنيد داعش للشباب يجعل مساعدة الأطفال الناجين – إما عند هروبهم أثناء القتال أو في المستقبل عندما يتم هزيمة الجماعة – أمرًا أكثر تعقيدًا.
المعضلة الأخرى، هي المؤسسات الدينية وعائلات الأطفال التي تلعب دورًا رئيسيًا في إعادة دمجهم بالمجتمع، كما تقول بلوم، أما بالنسبة لداعش، فغالبًا ما تكون العائلات متورطة في التجنيد والتلقين الديني العميق للأطفال.
“نحن نتحدث عن أخذ الأطفال بعيدًا عن آبائهم، الذين ساهموا في تعريضهم لهذه الأفكار ووضعهم في مواجهة الخطر، وهذا الأمر يشكل تحديًا كبيرًا”، تقول بلوم.
المصدر: هافينغتون بوست