يتفق كثيرون بأن الولايات المتحدة قامت في الآونة الأخيرة بخطوات عدة قد تؤدي لخسارتها لحلفائها في المنطقة مثل المملكة العربية السعودية وتركيا، فالسعودية التي تشعر بتخلي الولايات المتحدة عنها منذ أن تم توقيع الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني وبعد المواقف السلبية لواشنطن تجاه سوريا قد بدأت بالبحث الجدي عن التدابير والحلول الذاتية أو الإقليمية لحماية وتأمين نفسها.
أما تركيا فهي الأخرى قد تنامى غضبها من عدم وقوف الولايات المتحدة معها بجدية عند انتهاك الطائرات الروسية لمجالها الجوي، وكذلك أيضًا بعد حدوث أزمة طائرة السوخوي 24 الروسية التي أسقطها الأتراك في 24 نوفمبر الماضي، إذ كان الموقف الأمريكي منصبًا على معرفة تفاصيل كيفية سقوط الطائرة والعمل على منع المواجهة مع روسيا أكثر بكثير من الوقوف مع تركيا.
ولكن غضب الأتراك قد بلغ حدودًا غير مسبوقة عندما رفض الأمريكان اعتبار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي منظمة ارهابية كما تعتبرها تركيا وبدأوا بالتنسيق وتقديم الدعم العسكري للأكراد في شمال سوريا بشكل علني، بينما يقوم هؤلاء بقتال المعارضة السورية المعتدلة ويستولون على أراض كانت تحت سيطرتها في ظل انشغال المعارضة بالانسحاب من حمم القصف الروسي المكثف كما حدث مؤخرًا في تل رفعت ومطار منغ.
وقد كان لزيارة مبعوث أوباما بريت ماكغورك إلى كوباني ولقائه مع الأكراد في أول لقاء لمسؤول أمريكي بهذا المستوى مع القوات الكردية في محاولة لإشراكهم في إطار مباحثات جنيف صدى سلبيًا للغاية في تركيا، وفي اليوم التالي للقاء كانت معظم مانشيتات الصحف تنقل تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتساؤلاته لواشنطن “هل أنتم معنا أم مع الأرهاب؟”، “أنتم حلفاء من؟”، “هل أنا شريككم أم إرهابيو كوباني؟” وعبارات أخرى مماثلة تعكس الغضب التركي، وقد تلا ذلك قيام المدفعية التركية بقصف مواقع لوحدات الحماية التركية على الحدود مع سوريا.
مع هذا الموقف الأمريكي المتنكر للحلفاء بل والضاغط عليهم أكثر من “الأعداء” تم الحديث عن إمكانية أخذ خطوات ارتجالية من الدول التي تشعر بالتنكر والازدواجية في الموقف الأمريكي، فعندما قامت تركيا بقصف مدفعي لوحدات حماية الشعب الكردية شمال سوريا طالبتها واشنطن مباشرة بالتوقف عن ذلك لأن هذه القوات تقوم بمحاربة داعش، أما عندما قامت هذه القوات بشن هجمات على المعارضة السورية لم تطلب منها واشنطن التوقف كما أن واشنطن غضت الطرف طويلاً عن القصف الروسي للمعارضة السورية.
ولهذا فإن واشنطن تفتح الطريق أمام حلفائها للبحث عن الحلول وتحقيق الحماية أو أجزاء منها بأنفسهم، وفي الوقت الذي ما زالوا فيه حلفائها تستمر هي بالضغط عليهم حتى لا تتورط هي في المستنقع الذي تحاول بكل قوة أن تنأى عنه ولكن مع تزايد الاحتقان لديهم تخشى واشنطن أن يقع حدث مفاجئ لا تستطيع معه احتواء الموقف كما فعلت مع حادثة اسقاط طائرة السوخوي 24.
لذلك فإنه من المرجح أن واشنطن ستسعى إلى تفريغ احتقان حلفائها من خلال إعطائهم القليل من المواقف الداعمة حتى تنقشع هذه الحالة ربما بوصول الحلفاء إلى اليأس من إمكانية قيامهم بشيء أو بخلق حالة من السكون يتم العمل على إطالتها قدر المستطاع.
وفي حالة السعودية فإن الموقف الأمريكي سيرضى بتقدم ما في اليمن على حساب الحوثيين والقوات الموالية لعلي عبد الله صالح، أما في حالة تركيا فإن واشنطن ستختار اللعب على أحد خطين إما بالوقوف أكثر جدية مع تركيا في مواجهتها مع روسيا أو ستضغط على الأكراد للوقوف عند هذا الحد، وهي بهذه الحال تكون كالذي يرفع جذوة القهوة عن النار كلما اقتربت من درجة الغليان ثم يعيدها إذا همدت وسكنت.
في المدى المنظور يبدو أن واشنطن ستنجح في تهدئة حلفائها باستخدام الضغط والمناورات السياسية المختلفة كتنفيذ هدنة في سوريا وتقديم قطع صغيرة من الجزر أو حتى رشفات ضئيلة من عصير الجزر لهم، لكن سيكون من الصعب عليها إيقافهم بنفس الطرق إذا ازداد شعورهم بالخطر في ظل نأي واشنطن وابتعادها عنهم لكن في ذلك الوقت ربما سيضطرون إلى إعادة حساباتهم من جديد، ويندمون على تضييع الوقت، ولكن رب رأي يقول أنه لا حيلة لهم اليوم إلا بالقبول بالموقف الامريكي والدوران في فلكه حتى لا تتركهم واشنطن لقمة سائغة لمنافسيهم الأقوياء وفي هذا ليس لهم إلا أن يتحسبوا لتكرار هذا في المستقبل على أن المسألة ليست إلا مسألة وقت.