أعلنت الولايات المتحدة وروسيا عن خطة لوقف إطلاق النار في سوريا، حسبما ارتأت روسيا في السابق بحيث لا تشمل هذه الهدنة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها من المجموعات التي أسموها “الإرهابية” دون تفصيل، على أن يُصبح وقف إطلاق النار نافذ المفعول اعتبارًا من يوم السبت القادم.
وفي بيان مشترك لواشنطن وموسكو أعلنا أن أطراف النزاع في سوريا ستعلن ما إذا كانت ستوافق على وقف إطلاق النار في موعد أقصاه منتصف النهار (12:00) حسب التوقيت المحلي لدمشق يوم الجمعة القادم، كما أن وقف القتال سيدخل حيز التنفيذ عند منتصف ليلة الجمعة/ السبت 27 فبراير.
نص الاتفاق الأمريكي الروسي على وقف قوات المعارضة السورية المسلحة الهجمات بأي نوع من الأسلحة، بما في ذلك الصواريخ، ومدافع الهاون، والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات، ضد قوات النظام السوري وحلفائه من القوات التي تُسانده.
بينما ستظل “الأعمال العسكرية التي تشمل غارات النظام السوري وروسيا والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بقيادة الولايات المتحدة مستمرة تجاه تنظيمي داعش وجبهة النصرة وغيرهما من المجموعات التي يصنفها مجلس الأمن الدولي بأنها إرهابية”، وذلك بحس نص البيان المشترك.
هذا وقد تابع البيان أن روسيا والولايات المتحدة ستعملان معًا على ترسيم حدود المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرها من المجموعات التي يعتبرها مجلس الأمن الدولي إرهابية المستبعدة من الهدنة، والتي لن يشملها وقف إطلاق النار.
المعارضة قبلت مضطرة
هذا وقد لاقت الهدنة قبولًا لدى المعارضة السورية، وقد جاء ذلك في إعلان رئيس الهيئة العليا للمفاوضات، رياض حجاب، أن فصائل المعارضة السورية أبدت موافقة مبدئية على التوصل إلى اتفاق هدنة مؤقت، بشرط أن يتم ذلك وفق وساطة دولية، كما أكد حجاب أنه لا يتوقع أن تمتثل حكومات سوريا وإيران وروسيا للخطة المطروحة.
بينما تمسك حجاب بأن قبول المعارضة للهدنة يجيئ على أساس وقف كل أشكال الحصار من قِبل النظام السوري والمليشيات التابعة له لكافة المدن السورية المحاصرة، علاوة على السماح بإدخال المساعدات وإطلاق سراح جميع السجناء وإنهاء القصف والهجمات على المدنيين من قِبل سلاح الجو الروسي.
فيما يُعتقد أن المعارضة السورية اضطرت للقبول بهذه الهدنة التي ستفرض وفق الشروط الروسية التي رفضتها المعارضة مسبقًا، وذلك بسبب الإنهاك الشديد الذي تعاني منه فصائل المعارضة المسلحة على جبهات القتال لا سيما على جبهة حلب.
وهو ما يُشير إلى نجاح الخطة الروسية التي اتبعت سياسة الأرض المحروقة مع المناطق التي تُسيطر عليها المعارضة بعد إمطارها بسيل من القصف العنيف الذي فاقم من الأوضاع الإنسانية في هذه المناطق، وهو الأمر الذي أدى إلى تراجع القوات التابعة للمعارضة السورية المسلحة، كما أجبر فصائل المعارضة على القبول بهذه الهدنة الروسية لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق مع الحلفاء.
ردود أفعال متباينة
لم تخف بريطانيا تخوفها من فشل هذه الهدنة رغم الترحيب المبدئي بها، جاء ذلك على لسان وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، الذي أكد أن وقف إطلاق النار في سوريا الذي أعلنته موسكو وواشنطن لن يكون ناجحًا ما لم تغير روسيا والنظام السوري التي تدعمه موقفيهما على الأرض.
واستكمل الوزير البريطاني في بيان إن “روسيا، على وجه الخصوص، يجب أن تحترم هذا الاتفاق عبر وقف هجماتها على المدنيين السوريين وجماعات المعارضة المعتدلة، واستخدام نفوذها من أجل ضمان أن يفعل النظام السوري الشيء نفسه”.
بينما وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاتفاق بأنه “خطوة حقيقية لوقف حمام الدم في سوريا”، مؤكدًا أن روسيا “ستفعل كل ما يلزم” لكي يتقيد النظام السوري بالاتفاق، كما يأمل أن “تفعل الولايات المتحدة الشيء نفسه” مع فصائل المعارضة المسلحة.
أما وزير الخارجية الفرنسي، جان مارك أيرو، فقد صرح بقوله: “سنكون يقظين جدًا لتنفيذ هذا الاتفاق بحسن نية من قِبل الأطراف المعنية في سوريا”.
أما الكيان الإسرائيلي فقد رأى أنه من الصعب حدوث توقف كامل لإطلاق النار في سوريا بين الأطراف اللاعبين هناك، وقد جاء هذا الموقف على لسان وزير الدفاع الإسرائيلي، موشي يعلون، في كلمة له على متن سفينة تابعة للبحرية الأميركية تزور دولة الاحتلال.
صيغة روسية بامتياز
هذه الصيغة التي خرج بها اتفاق الهدنة المطروح تعد صيغة روسية بامتياز سبق وأن اعترضت عليها المعارضة السورية، ولكن الولايات المتحدة في هذه المرة يبدو أنها تحاول استخدام نفوذها لدى المعارضة السورية والدول الداعمة لها للقبول بهذا الطرح ولو بشكل مؤقت قبيل استئناف مفاوضات جنيف.
وفي جانب تحديد المنظمات الإرهابية فقد سحبت موسكو وواشنطن البساط من تحت الدول المعنية بالأزمة السورية وألجأت الأمر لمجلس الأمن لتحديد المنظمات الإرهابية في سوريا، وهو ما يفتح المجال للتلاعب الروسي الأمريكي بوضع تنظيمات من المعارضة المسلحة السورية على هذه القوائم دون ضابط واضح، بعدما فشلوا في إقناع المملكة العربية السعودية وتركيا بقائمة روسيا التي تضمنت غالبية التنظيمات المسلحة التي تقاتل ضد النظام في سوريا بجانب داعش وجبهة النصرة.
وقد شمل الاتفاق الأمريكي الروسي أيضًا بحسب البيان مزيدًا من التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا الذي قد رفضته أمريكا في وقت سابق بشأن التنسيق العسكري في سوريا، حيث جاء في البيان “ومن أجل تنفيذ وقف الأعمال العدائية بطريقة تعزز الاستقرار وتحمي الأطراف المشاركة فيه، فإن الولايات المتحدة وروسيا مستعدتان للعمل معًا لتبادل المعلومات ذات الصلة (مثل: البيانات المجمعة التي تحدد الأراضي التي تنشط فيها المجموعات التي تعلن التزامها وقبولها بالهدنة، ومركز تنسيق لكل جانب، بغية ضمان التواصل الفعال) ووضع الإجراءات الضرورية لمنع تعرض الأطراف المشاركة في وقف الأعمال العدائية إلى هجوم من قِبل القوات المسلحة الروسية، أو التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، القوات المسلحة التابعة للحكومة السورية والقوى الأخرى التي تدعمها، والأطراف الأخرى المشاركة في عملية وقف الأعمال العدائية والعمليات العسكرية، بما في ذلك الضربات الجوية من قِبل القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية، والقوات المسلحة الروسية، والتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش ستستمر ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة وأي منظمات إرهابية أخرى يحددها مجلس الأمن”.
“وفي سبيل تحقيق ذلك الهدف وتعزيز وقف فعال ومستدام للأعمال العدائية، ستقوم روسيا الاتحادية والولايات المتحدة بإنشاء خط اتصالات ساخن وحسب الضرورة والاقتضاء، فريق عمل لتبادل المعلومات ذات الصلة بعد أن تكون الهدنة قد دخلت حيز التنفيذ”.