ترجمة وتحرير نون بوست
شاءت الأقدار هذا العام أن تصبح إيران والولايات المتحدة مسرحًا لعمليتين انتخابيتين تاريخيتين؛ ففي إيران، تستعد الدولة لانتخابات حاسمة في 26 فبراير، الأولى سيُنتخب من خلالها مجلس الشورى الإسلامي، والأخرى ستحدد أعضاء مجلس خبراء القيادة.
في الوقت عينه، تتحفز الولايات المتحدة للانتخابات التمهيدية التي ستسفر عن ترشيح شخصيتين من أكبر حزبين أمريكيين، الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، ليتنافسا على منصب الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية.
في ظاهر الأمر، تبدو مقارنة إيران بالولايات المتحدة مثيرة للسخرية بعض الشيء؛ فإيران هي دولة ثيوقراطية دينية تخضع بشكل كامل لحكم طبقة ضيقة من رجال الدين الشيعة، في حين أن الولايات المتحدة هي موطن أحد أقدم الديمقراطيات الدائمة في العالم.
بناء على ذلك، قد ترفع حاجبك متسائلًا هل هناك أي وجه شبه بين “الممثلين السوبر”، وهم ممثلون غير منتخبون يدعمون بلا أي قيود أحد المرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية ضمن المؤتمر الوطني للحزب، وبين الأعضاء الطاعنين بالسن من مجلس خبراء القيادة الذين يمكن أن تتم تسميتهم بـ”الملالي السوبر” في إيران؟ للأسف الشديد ليس لدي أي إجابة لإخراجك من حالة الاستغراب تلك.
مكائد المال والسلطة للنخبة الأوليغارشية
في حين تظهر سيطرة إيران على الانتخابات كمسألة سيطرة صارخة وواضحة من قِبل الفصائل الحاكمة، تعمل النخبة الأوليغارشية في الولايات المتحدة، من خلال المال والسلطة، على حد الخيارات التي يتمتع بها الشعب، وعادة ما تقوم بوضع فصيل واحد من النخبة الحاكمة ضد الآخر.
ألقت المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون كلمة في بنك جولدمان ساكس، وبالمقابل تلقت أموال دعم هائلة، مما ساعد على إطراد توقعاتها بأن تعمل ملايين الدولارات التي ستضخها لجان العمل السياسي الهائلة، أو الـ”Super PACs“، على إيصالها لدفة الرئاسة، وهنا، سترفع حاجبك مرة أخرى لتتساءل إن كانت الأصول التي فُك تجميدها وعادت إلى طغمة الملالي الحاكمة في إيران تشكل نوعًا من لجان العمل السياسي الهائلة أيضًا.
مهما كان الأمر، فإننا نشهد في أمريكا وإيران حاليًا مشهدين انتخابيين على طرفي نقيض؛ ففي حين يستخدم النظام الحاكم في إيران كل ما في وسعه بشكل ممنهج ومستمر لتضييق أفق الطيف السياسي، فتح صعود بيرني ساندرز على منصة الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة هذا الطيف إلى أفق تاريخية لم يسبق لها مثيل، حتى أنه سمح بدخول إحدى أكبر المحرمات، مصطلح “الاشتراكية الديمقراطية”، إلى المفردات السياسية في الولايات المتحدة.
الأمر ليس كذلك في إيران، حيث يتم تضييق المجال السياسي باستمرار ببن العوامل المتنازعة وقوى الوضع الراهن، لدرجة أن الرئيس روحاني يبدو كإرنستو تشي غيفارا مقارنة مع خصمه على الجانب الآخر.
من خلال تعليق واحد حول هنري كيسنجر، فتح بيرني ساندرز الجروح القديمة لحرب فيتنام وأعادنا إلى حقبة الستينيات، أي قبل أكثر من 70 عامًا، وقبل اندلاع الثورة الإسلامية في إيران بعقد كامل.
تستطيع مقارنة ذلك بالحفرة الخانقة التي سعت النخبة الحاكمة في الجمهورية الإسلامية لخلقها في الذاكرة التاريخية للأمة، من خلال عصابة من كبار رجال الدين الذين محوا بشكل منهجي الذاكرة التاريخية للأمة، بحيث أضحى يتوجب عليها أن تختار ما بين أحد فصائل النظام الحاكم وفصيل آخر.
أصوّت أو لا أصوّت
على هذه الخلفية، وسواء إن اختار الشعب التصويت أو عدم التصويت، الأمر الأهم بالانتخابات الإيرانية يتمثل بالبراعة الحازمة التي يجب أن يتمتع بها الشعب الإيراني لهزيمة النظام الحاكم غير الشرعي والفاسد بعمق وتوأمه الروحي المتجسد بالمعارضة المنفية الخائنة التي تحاول حشد الولايات المتحدة أو إسرائيل لتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران.
ويمكننا القول بأن المقياس الوحيد للتغيير الدائم الذي لا يزال مفتوحًا أمام الإيرانيين يتمثل بنجاحهم في ابتكار الأساليب الجديدة للقيام بالتغيير داخل وطنهم، المحكوم من قِبل الدولة الدينية الفاسدة للغاية وغير الشرعية.
من خلال الأدلة المتزايدة، تتمتع العملية الديمقراطية، المتجسدة بالذهاب إلى صناديق الاقتراع والتصويت، في كل من إيران والولايات المتحدة بأهمية متضائلة في نتيجتها الفعلية، وبدلًا عن ذلك تتعاظم أهميتها بالقوى الاجتماعية الخفية التي أُطلق العنان لها في مسار هذه الانتخابات.
ساعد بيرني ساندرز على تحرير هذه القوى في أمريكا، ولم ينجم هذا عن وجود ساندرز بحد ذاته، بل بحكم القوى الاجتماعية الخفية التي يتم إنكارها كـ”حركة احتلال” و”حياة السود مهمة” التي التفت حول ساندرز بنجاح الآن.
ما يفعله ساندرز اليوم في الولايات المتحدة يشبه تمامًا ما فعله مير حسين موسوي خلال الحركة الخضراء في خضم الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2009.
لا يبدو من المهم حقًا ما آل إليه وضع الموسوي الآن، الذي أضحى تحت الإقامة الجبرية، أو حقيقة أن بيرني ساندرز قد لا يحوز حقًا أي فرصة للتغلب على جميع المؤسسات السياسية في الولايات المتحدة، دون أن يتحول هو الآخر ليصبح نسخة أخرى من أوباما.
ما يهم حقًا هو الطريقة التي ستُستخدم بها هذه الممارسات الانتخابية للكشف عن القوى الخفية الكامنة في تلك الدول؛ ففي الواقع لا تكمن الديمقراطية، باعتبارها المثل السياسي الأعلى، بنتائجها المطبقة على أرض الواقع، بل بالقوى الاجتماعية التي أُطلق لها العنان داخل الأمة لتتعرف على نفسها.
في إيران، يسعى النظام الحاكم -عبثًا- وبشكل منهجي لمحو الذكريات التاريخية حتى في خضم الانتخابات الأخيرة، ناهيك عن تأسيسه لنظام استبداد ديني لا يرحم، وبالمقابل، نجح ساندرز في الولايات المتحدة في إيقاظ ذكريات الحركات المناهضة للحرب والحقوق المدنية التي طغت في ستينيات القرن الماضي.
ما يحصل الآن في أمريكا مماثل لما حصل في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2009، عندما بزغت الحركة الخضراء، والتي لم تكشف فقط عن الجذور العنيفة للاستبداد الديني الشيعي في الجمهورية الإسلامية، بل استدعت أيضًا اللحظات الافتتاحية للثورة الدستورية في إيران ما بين عامي 1906 و 1911.
أخيرًا، الأمر المشترك والمهم ما بين أمريكا وإيران هو استغلال هذه المناسبة الانتخابية كفرصة لإعادة التأكيد على وجود هذه القوى المُنكرّة، المقموعة، المنتهكة، والسرية داخل المجتمع المضطرب لاستعادة تاريخها المتمكّن والمحق.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية