أن تكون معلمًا، ذلك كفيل بأن تُهدر كرامتك وتعيش فقيرًا في وطنك، تهديد ووعيد، قمع واعتقال، إشاعات مغرضة قيلت فيهم من قِبل الحكومة وأتباعها من الشعب، معلمو الضفة الغربية وإضرابهم المستمر أصبح قضية رأي عام يتناولها الجميع ما بين مؤيد ومعارض وآخر يتهم جهات معينة توجه هذا الحراك.
يواصل المعلمون الفلسطينيون اليوم الثلاثاء إضرابهم عن العمل للأسبوع الثاني على التوالي، مطالبين الحكومة الفلسطينية بحقوقهم المالية المنقوصة وإجراء تعديلات في نظام التقاعد وفتح الباب أمام سلم الدرجات الوظيفية، كذلك تأمين التعليم المجاني في الجامعات لأبناء المعلمين ورفع الراتب الأساسي وتطبيق علاوة طبيعة التخصص الدراسي، وصرف علاوة غلاء المعيشة.
ويطالب المعلمون باستقالة أعضاء الاتحاد العام للمعلمين، وعلى رأسهم رئيس الاتحاد أحمد سحويل الذي يتهمونه بالوقوف مع الحكومة ضد مطالب المعلمين المشروعة.
وأكدت “لجان التنسيق المطلبية” المنبثقة عن المعلمين المضربين، استمرارهم بالإضراب الشامل والوقفات الاحتجاجية إلى حين تلبية مطالبهم من قِبل الحكومة، والحشد والتظاهر اليوم الثلاثاء أمام مجلس الوزراء في رام الله تزامنًا مع اجتماع الحكومة هناك.
الحكومة تتنكر ولا مجيب
من جانبه عمدت الحكومة الفلسطينية إلى التنكر لمطالب المعلمين وأعلنت استمرار الدوام في المدارس كالمعتاد ووقف الإضراب، في تجاهل واضح لمطالب المعلمين، ورُفض قرار الحكومة والاتحاد باستمرار الدوام من قبل المعلمين ورأوا فيه طعنة لهم ولمطالبهم من قِبل ممثلهم الشرعي والذي يجب أن يكون مناصرًا لهم لا عليهم.
وقامت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية بإعادة الاعتبار لرئيس الاتحاد سحويل وعقد اتفاقية جديدة معه تتضمن تطبيق بعض مطالب المعلمين على دفعات رغم مطالبة المعلمين برحيله وعدم شرعية الاتحاد، وفي ذلك استفزاز واضح للمعلمين وحراكهم رافضين ذلك، معلنين استمرار الإضراب حتى تنفيذ مطالبهم الواضحة ممتنعين عن التفاوض فيها مع الحكومة.
واتهم المعلمون الحكومة الفلسطينية بتدمير العملية التعليمية لعدم تلبيتها مطالبهم وتنصلها من صرف متأخراتهم المتفق على صرفها بعد الاتفاق الذي وقع مع الحكومة في عام 2013 وأن تعنت الحكومة يقودهم نحو المجهول.
الأجهزة الأمنية وسياسة القمع
تعتمد سياسة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية على قمع أي حراك شعبي مهما كانت دوافعه، وتلجأ إلى الادعاء بأن كل حراك ونشاط احتجاجي هو مُسيّس، بهدف حرف بوصلته الحقيقية ومطالبه المشروعة إلى أجندات تتهم السلطة بعض الجهات بتنفيذها.
وقامت أجهزة الأمن باعتقال بعض المعلمين واتهامهم بالوقوف خلف الحراك، كما هددت أصحاب الحافلات في مناطق الضفة الغربية من نقل المعلمين إلى الاعتصام المقرر من قِبلهم أمام مجلس الوزراء اليوم، وذلك لإفشال الاعتصام في خطوة منهم لفك إضرابهم الشامل.
وتنفيذًا لهذه السياسة نشرت الأجهزة الأمنية الحواجز العسكرية على مداخل المدن في الضفة الغربية اليوم، لتفتيش المركبات ومنع الحافلات التي تقل المعلمين من الوصول إلى مدينة رام الله، وقامت بحجز هوياتهم ورخص القيادة الخاصة بهم ومخالفة السائقين الذين ينقلون المعلمين، مما دفعهم لسلك طرق التفافية للوصول إلى رام الله، وبعضهم اضطر إلى الوصول مشيًا على الأقدام.
رغم ذلك احتشد آلاف من المعلمين في رام الله بالقرب من مقر الحكومة للاعتصام والمطالبة بحقوقهم وسط إصرارهم على مواصلة خطواتهم الاحتجاجية وإضرابهم الشامل حتى نيل حقوقهم.
من يحرك الإضراب؟!
المعلمون طالبوا الحكومة بمطالب تهدف إلى تحسين رواتبهم وأوضاعهم لسد حاجاتهم الأساسية وتغطية مصاريف غلاء المعيشة، ولضمان حياة كريمة بعد التقاعد تجنبهم من العمل مرة أخرى في عمر كبير لا يستطيعونه.
لكن عمدت السلطة الفلسطينية ومؤسساتها التابعة لها من حركة فتح وبعض الفصائل والجهات الأخرى لبث الشائعات المغرضة والقول أن هدف الإضراب سياسي بحت، وأن حركة حماس تقف خلف هذا الحراك في الضفة الغربية، وهذا ما اعتبرته اللجان التنسيقية المطلبية للمعلمين تنصلاً واضحًا من المسؤولية عن حقوق المعلمين ومحاولة من السلطة وحركة فتح لإجهاض الإضراب.
وأكد المعلمون أن هذا الحراك مطلبي ولا يجب تحميله أكثر من ذلك، وأن الشعب الفلسطيني يقف مع المعلمين وإضرابهم حتى إنصافهم من قِبل الحكومة، لكونهم يطالبون بحقوقهم المشروعة، والتي تمتنع الحكومة عن تنفيذها، كما أكدوا على عدم وقوف أحد أي كان خلف هذا الحراك وهو حراك نقابي للمعلمين ليس أكثر.
ووجه المعلمون أسئلة وعبارات للحكومة والسلطة الفلسطينية للإجابة عليها بدلاً من الزج بالبعض بالوقوف خلف هذا الإضراب، وتساءلوا، من المسؤول عن تجويع المعلم؟! وإلى متى ستبقى مطالب المعلمين مهمشة دون تنفيذ؟!
ويتساءل البعض هل ستتجاوب السلطة لمطالب المعلمين أم أنها ستستمر في قمعها لهم ومحاولة إفشالها لإضرابهم المشروع؟ وهل سيؤدي ذلك إلى امتداد هذه الاعتصامات والإضرابات إلى قطاعات مهنية ونقابية أخرى من الممكن أن تدخل قريبًا إلى هذا الإضراب بسبب إصرار وتعنت الحكومة والأجهزة الأمنية في تعاملها مع هذه الحراكات.