أعلن رئيس بلدية لندن، بوريس جونسون، ” سأدعو إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي” مضيفا ” يجب عدم الخلط بين روائع أوروبا وقضاء عطل فيها والغذاء الممتاز والصداقات، مع مشروع سياسي قائم منذ عقود وينذر اليوم بالخروج عن السيطرة الديمقراطية”.
جونسون من رافضي بقاء بريطانيا في الاتحاد ومعه خمسة وزراء بينهم وزير العدل”مايكل غوف” و”زاك غولدسميث” المرشح لخلافة بوريس جونسون، وكشف الوزير السابق جون ريدوود أنه “يعرف” ستة وزراء على الأقل يفكرون في الاستقالة من الحكومة إذا ما أجبروا على التصويت بنعم للبقاء في الاتحاد، في 23 يونيو/ حزيران القادم موعد الاستفتاء.
لم يبقى الكثير أمام ديفيد كاميرون لإقناع البريطانيين حول بقاء المملكة بالاتحاد فأمامه أربعة أشهر فقط علما أنه كان مقررا في العام المقبل، وقدم أمس الإثنين للبرلمان الاتفاق الذي انتزعه من شركائه الأوروبيين في بروكسل في اليومين الماضيين بعد محادثات شاقة وطويلة لتعزيز” الوضع الخاص” لبريطانيا داخل الاتحاد الأوروبي.
كاميرون وخلال المحادثات طلب من نظرائه ال 27 ب ” اتفاق يتمتع بالمصداقية يكون قويًا بما يكفي لإقناع البريطانيين بتأييد انتماء المملكة المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي” داعيًا إلى اتفاق يتيح تسوية مشاكل العلاقات بين بريطانيا والقارة.
وقد واجه صعوبات جدّية في إقناع الزعماء الأوروبيين، فبلجيكا تعد من أشد المعارضين لتقديم تنازلات لبريطانيا حيث أشار رئيس وزرائها أنه ” من غير المقبول أن يكون لبلد من خارج منطقة اليورو استراتيجية، مقابلة لاستراتيجية منطقة اليورو”، فيما قالت رئيسة وزراء هولندا، بيتا سيدلو” نريد اتفاقا جيدًا لكن ليس بأي ثمن”، وقال فرانسوا أولاند أن “الاتفاق ممكن، لكننا لا يمكن أن نمنع أوروبا من المضي قدما” على أنه ” لا يجب منح أي بلد حق النقض ولا يمكن لأي بلد أن يتملص من القواعد المشتركة أو السلطات المشتركة”. وسعى رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، في تليين مواقف قادة دول الاتحاد من خلال سلسلة لقاءات ثنائية معهم خلال تلك المحاثات.
في النهاية أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أن قادة الاتحاد اتفقوا على بقاء بريطانيا في الاتحاد، والآن انتقل كاميرون من معركة إقناع القادة إلى معركة إقناع الشعب حيث قال إنه سيضع “قلبه وروحه” خلال الحملات التي ستستبق الاستفتاء لدعم بقاء بريطانيا في الاتحاد وأهمية ذلك لجهة الأمن والرخاء الاقتصادي والاجتماعي، وفي استطلاع للرأي أجرته صحيفة “ميل اون صنداي” إلى رفض 48% من المشاركين الخروج من الاتحاد فيما أيده 33% وبقي 19% مترددين.
جوهر المفاوضات التي جرت في بروكسل تشمل ملفات الهجرة والرعاية الاجتماعية وسيادة بريطانيا ومنطقة اليورو، وقد تمكن كاميرون من انتزاع صلاحيات سيادية تسمح لسلطات بلاده إبعاد أشخاص أوروبيين يعتقد أنهم يشكلون خطرًا أمنيًا حتى لو لم تكن لديهم سوابق، حصل كذلك على سلطات أوسع لحظر دخول وترحيل المجرمين.
ونص الاتفاق على تقييد حرية تنقل الأشخاص غير الأوروبيين المتزوجين من مواطنين أوروبيين في محاولة لوقف ما يسمى ” الزيجات الصورية”. وطالب بتعليق لمدة أربع سنوات مساعدات العمل ومساعدات السكن الاجتماعي التي تمنح لمواطني الاتحاد الأوروبي في المملكة المتحدة إلا أنه وبسبب معارضة دول أوروبا الشرقية حصل على بند يسمح ب “تعليق طارئ” لبعض المساعدات الاجتماعية للمهاجرين الجدد على مدى سبع سنوات بصورة تدريجية مع ربط الإعانات العائلية بمستوى المعيشة في البلد الذي يعيش فيه الأبناء.
وبشأن علاقة بريطانيا مع دول منطقة اليورو فقد اتفق القادة على ألا تلزم الدول غير الأعضاء في اليورو بالمشاركة في تمويل عمليات الإنقاذ لدول أعضاء في اتحاد اليورو كما حصل في الأموال التي دُفعت لإنقاذ اليونان في السنوات الماضية.
وسيتم تعويض الدول الغير أعضاء عن أي أموال يقدمها البنك المركزي الأوروبي لدعم منطقة اليورو كما يحرم اتفاق كاميرون التمييز ضد الشركات والأفراد الأروبية على أساس العملة الوطنية لبلدانهم ومن شأن ذلك مساعدة الشركات البريطانية على العمل في أوروبا.
وفي ملف السيادة الوطنية طالب كاميرون بتوضيح أن عبارة “اتحاد أوثق من أي وقت مضى” الواردة في الميثاق الأوروبي لا تعني “التكامل السياسي” بين دول الاتحاد، فخرجوا باتفاق لتعديل المعاهدات القائمة بحيث يكون واضحًا أن الإشارات إلى “اتحاد أوثق من أي وقت مضى” لا تنطبق على المملكة المتحدة.
وحصل كاميرون على تعديل آخر يضمن لأية دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد رفع “البطاقة الحمراء” لإعادة النظر في أي من تشريعات الاتحاد الأووربي بدعم من 55% من الدول ال28 الأعضاء في الاتحاد.
وبرأي محللين ومطلعين أن كاميرون من خلال الاتفاق الذي استطاع انتزاعه من القادة الأوروبيين، نجح في المحافظة على بقاء بريطانيا في السوق الأوروبية الموحدة من دون التورط بال”التكامل السياسي” مع دول الاتحاد. ونجح أيضًا في حماية مصالح لندن كعاصمة مالية في الاتحاد الأوروبي على أساس “التنافسية” في مقابل “الحمائية” التي تفضلها دول مثل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، ومن شأن هذا الاتفاق مساعدة الشركات البريطانية التوسع في الأسواق الأوروبية.
ويرى اقتصاديين أن خروج بريطانيا من الاتحاد يمكن أن يؤدي إلى تدمير مكانة لندن المالية وإلى عزل الاقتصاد البريطاني فيما يقول معارضو البقاء في الاتحاد أن خروج بريطانيا سيجعلها أكثر قدرة وانفتاحًا على الاقتصاد العالمي بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي.
أما كاميرون فيرى في بقاء بريطانيا في الاتحاد مصلحة وطنية تعزز اقتصاد المملكة المتحدة ومكانة بريطانيا في العالم، أما إذا خرجت فسيؤدي ذلك إلى نتائج سلبية على الاقتصاد والأمن الوطنيين.
بقي أن نشير أن معارضو البقاء يروجون للاقتداء بنموذجي النرويج وسويسرا فهما خارج الاتحاد من دون أدن يحرمهما ذلك من توقيع اتفاقيات خاصة تضمن لهما حرية التجارة مع السوق الأوروبية، بينما يرفض أنصار البقاء في الاتحاد النموذجين السويسري والنرويجي لإن ذلك سيفقد بريطانيا دورها القيادي في أوروبا ويخرجها من القيادة إلى “الهامش” وسيعطي المزيد من القوة لألمانيا داخل الاتحاد.