تستمر حلقات الصراع الداخلي بين قيادات جماعة الإخوان المسلمين في مصر وذلك عبر طرح روايتين مختلفتين حول حقيقة الأزمة الإدارية بين مجموعة اللجنة الإدارية العليا التي تولت إدارة الجماعة عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وبين مجموعة القيادات التاريخية للجماعة مدعومين بعناصر ما يُعرف بالتنظيم الدولي.
لكل طرف منهم روايته لحقيقة ما حدث وأصل الخلاف، ويعمل كل طرف حاليًا على طرح هذه الرواية على قواعد الجماعة المنقسمة جراء انقسام قياداتها بُغية كسب مزيد من الأنصار لحسم صراعه مع الطرف الآخر، في ظل فشل العديد من المساعي التي قادتها أطراف داخلية وخارجية لرأب الصداع وتجنب الانقسام الحاصل.
أحد فصول طرح هذه الروايات كان نشر الدكتور محمود حسين -الذي يتمسك بمنصبه كأمين عام للجماعة بينما يرى الفريق الآخر أن ولايته قد انتهت- مقالًا في التاسع من فبراير الماضي حمل عنوان “ردود على بعض التساؤلات” نُشر على موقع “علامات أونلاين” المحسوب على الجناح الداعم له.
المقال تضمن الرد على تساؤلات مطروحة على مواقع التواصل الاجتماعي تخص الخلافات الداخلية للجماعة، وهو بمثابة رد على رواية أعضاء اللجنة الإدارية العليا (القديمة) المختلفين مع جبهة حسين كليًا.
بدأ حسين مقاله بمقدمة قال فيها: “وصلتني مجموعة من التساؤلات من بعض الإخوة، قالوا أنها يتم تداولها بين الإخوة على مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت من واجبي الرد عليها بما لدي من وثائق، وخصوصا أن ما يتم تداوله يعتمد على معلومات غير صحيحة من جانب ومن جانب آخر يتم تداولها دون رجوع الأخ لمساره الصحيح للسؤال عنها. وكأن المراد تعمد نشر معلومات مغلوطة من البعض لصناعة صورة ذهنية غير صحيحة عن قيادة الجماعة”.
واعتمد حسين في ردوده كما قال على نقل فقرات من محاضر الجلسات المعنية بالخلافات لكنه لم يورد أي صورة منها بحجة أنه “ليس من المصلحة ولا سعة الوقت وضع صورة من المحاضر”، حيث قال: “وسأعتمد بإذن الله في ردودي علي تلك التساؤلات على نقل فقرات من محاضر الجلسات المعنية، وليس من المصلحة ولا سعة الوقت وضع صورة من المحاضر، ولكن الشهود معظمهم أحياء، والمحاضر موجودة لدى الأمانة والأرشيف”.
وقد فند الدكتور محمود حسين في مقاله المنشور ردودًا على تسع تساؤلات متعلقة بالأزمة الداخلية والإجراءات الإدارية المختلف عليها بين الطرفين، لكن الدكتور محمد كمال -رئيس اللجنه الإدارية العليا المنتهية في مايو الماضي وعضو اللجنه الإدارية العليا الحالية الموقوف من جانب مجموعة القيادات التاريخية- وهو أحد أبرز أعضاء اللجنة الإدارية العليا القديمة المختلفة مع جبهة الدكتور محمود حسين والدكتور محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام للجماعة آثر أن يرد على هذا المقال وهذه الرواية ببيان داخلي تم توزيعه على قواعد الجماعة، وقد حصل نون بوست على نسخة منه.
بدأ كمال حديثه في بيانه بتحديد سبب كتابته قائلًا: “كنت قد فضلت ألا ينشر أمرا داخليا في الإعلام حفاظا على وحدة صفنا وتأكيدا على دورالمؤسسية في حل مشاكلنا الداخلية الخاصة، ولكني طالعت ما نشره الأخ الكريم الأستاذ الدكتور محمود حسين بتاريخ م 2016-2-9 على موقع علامات تحت عنوان (الردود على بعض التساؤلات) وخصوصا التساؤل الخامس ونصه: مجلس شورى 2015 مطعون عليه لأنه تم بحضور15عضوا من الخارج، وأقر 16عضوا في الداخل من 46 أنهم لم يحضروا؟”.
وكان الدكتور محمود حسين رد على هذا التساؤل بالفعل في مقاله في عدة نقاط أبرزها تأكيده أن معلومات الدكتور محمد كمال حول أعداد حضور مجلس الشورى العام غير صحيحه بعدما أثبتت لجنة التحقيق ذلك الأمر.
هذا الانعقاد الذي يؤكد فيه حسين أنه تم اتخاذ عدة إجراءات فيه منها تغيير اللجنة الإدارية العليا (القديمة) وتشكيل لجنة إدارية جديدة بعضوية سبعة كممثلين للقطاعات وممثلين للجان الفنية المركزية وعضوية أعضاء مكتب الإرشاد وبإشراف القائم بالأعمال، وتم اعتماد الاقتراح في هذا الانعقاد، كما تم في هذا الانعقاد تحويل مجموعة القيادي محمد كمال للتحقيق فيما يخص مخالفة تعليمات المجلس وإخفاء المكاتبات عن الإدارة بحسب رواية الدكتور محمود حسين.
كذلك روى حسين أنه تم تشكيل لجنة في انعقاد آخر لتلقي اقتراحات الأعضاء، بشأن تعديل اللوائح وتطوير عمل الجماعة، وقد قامت اللجنة بإرسال جدول زمني، لتلقي إستمارات التطوير بدءًا من 27/12/2015 م ، ثم إستمارة تعديل اللوائح بدءا من 19/1/2016 م ، وأعطت مهلة شهرا لتلقي الاقتراحات ، وتم إرسال هذه الإستمارات لأعضاء الشورى العام ومسئولي المكاتب في الداخل والخارج.
بينما يرى الدكتور محمد كمال في روايته أن انعقاد هذا المجلس الذي اتخذ فيه هذه القرارات المصيرية بتشكيل لجنة جديدة وتحويله للتحقيق كان باطلًا بسبب تزوير في أعداد الحضور وعدم إكتمال النصاب القانوني، وتعمد عدم إبلاغ عدد من أعضاء مجلس شورى الجماعة للحضور.
نفى كمال في بيانه ما ذكره القيادي محمود حسين أنه طعن أمام لجنة تحقيق في مسألة شرعية انعقاد المجلس، مؤكدًا أن هذه اللجنة ليست لجنة تحقيق لأنها غير مشكلة من مجلس الشورى العام قائلًا: “ذكر الأخ الكريم ا.د.محمود حسين أني قدمت الطعن للجنة التحقيق وهو غير صحيح على الإطلاق حيث أنني خاطبت اللجنة الإدارية العليا (حضوريا) وفضيلة القائم بالأعمال (مراسلة يد بيدعن طريق د.محمدعبدالرحمن) والأخوة الثلاثة أعضاء لجنة التحقيق بصفاتهم (أعضاء مجلس شورى عام) وقد أكدت على أنها ليست لجنة تحقيق حيث لم يشكلها مجلس الشورى وكيف أطعن أمامهم وقد أودعت في مرفقات اجتماع اللجنة في نفس اليوم رسالة بعنوان (إلى إخواني الكرام) أطعن في صحة تشكيل هذه اللجنة وأقول أنها ليست لجنة تحقيق وأتحفظ على المثول أمامها مرة أخرى”.
وقد أرفق في بيانه رسالته الإعتراضية على لجنة التحقيق وبين بها أوجه اعتراضه.
وقد أرفق أيضًا في بيانه نص الطعن الذي أشار إليه محمود حسين والذي أكد كمال من جهته أنه لم يقدم إلى لجنة التحقيق ولكن تم تقديمه إلى اللجنة الإدارية العليا والقائم بأعمال المرشد محمود عزت، وفيه أثبت كمال أن من صوتوا على قرارات تشكيل لجنة جديدة وتوقيف مجموعة كمال هم 25 فرد بالداخل فقط وليس 46 كما ادعت مجموعة حسين، مطالبًا باستمارات التوقيع على محضر المجلس من قبل الحاضرين وهو المعروف باسم “محضر 30 شعبان” والذي يؤكد كمال أن ثمة تزوير بمحضر الحضور فيه وعلى اللجنة أن تحقق في ذلك الأمر.
حيث أثبت كمال في طعنه أن الاجتماع الذي يتحدث عنه حسين لم يحضره 78 شخص كما تستند المحاضر ولم يشارك عدد 71 شخص من مجلس الشورى العام في إقرار تحويلهم للتحقيق وتشكيل لجنة إدارية عليا جديدة.
كما أورد في بيانه أنه ثمة تضارب في أرقام الحضور بين 78 ( حسب رواية محمود حسين) وبين 75 (حسب رواية محمود عزت) في الداخل والخارج، وذلك بعدما أوضح أن إجمالي أعضاء مجلس الشورى العام في قطاعات الجماعة في الداخل هو 46 عضوًا لم يتم التواصل مع 14 عضو منهم لحضور هذا الاجتماع بالأساس، بمعنى أن الحضور 32 عضو فقط في الداخل وليس 46، وحتى بعد مجموعة من العمليات الحسابية الفرضية الأخرى أثبت كمال استحالة حضور هذا العدد (46) من الداخل كما تروي محاضر جبهة القيادات التاريخية.
وكذلك طعن كمال في أعداد حضور أعضاء مجلس الشورى العام للجماعة في الخارج استنادًا إلى أنه لا يجوز التصويت على قرارات مهمة كهذه عن طريق التمرير وليس التصويت المباشر إذ أن ليس هناك أي موانع أمنية خارج مصر لاعتماد آلية التمرير بدلًا من التصويت المباشر، وهو ما يفقد التصويت مصداقيته بحسب رواية كمال.
كما استند كمال في بطلان قرارات محضر 30 شعبان التي هي أحد أسس الفرقة بين القيادات في الجماعة، إلى أنه لم يتم دعوة 14 عضوًا من الشورى العام للاجتماع وهو ما يبطل الإجراءات المتخذة تمامًا لأن عدم دعوة عضو واحد فقط أمر كفيل بإبطال إجراءات اجتماع مجلس الشورى، بالإضافة إلى تواصل نون بوست مع مصدر مطلع على الوضع داخل الجماعة أشار إلى أن عدد من لم يتم دعوته ليس 14 فقط كما ذكر كمال في بيانه إذ يُضاف إليه عدد 7 آخرين، وهو الاستدراك الذي أرسل به كمال بالفعل، ليصبح عدد من لم تصلهم الدعوة 21 عضو من أعضاء مجلس الشورى العام للجماعة داخل مصر.
هذا وتحدث كمال عن مطالبته هو وآخرون من قيادات الجماعة لمجموعة الدكتور محمود حسين التي تستند على محضر اجتماع 30 شعبان بإخراج محاضر توقيعات الحضور بعدما ادعوا وجودها بحوزتهم إلا أنهم لم يستجيبوا، كما حدث وأن غير حسين ادعائه بأنه لا يملك سوى توقيعات حضور أعضاء مجلس الشورى العام بالخارج فقط.
كذلك أكد كمال أنه لا يجوز أن يأخذ التصويت على 7 قرارات بشكل إجمالي، والأصل في الأمر أن يتم التصويت على كل قرار منفردًا وهو ما لم يتم بحسب ما أورد من مستندات.
وقد خلص كمال بالوثائق التي أوردها في بيانه إلى عدم صحة ما ذكر من إجمالي الموقعين على إجراءات 30 من شعبان، وعدم صحة ما ورد من توقيع 46 عضو بالداخل على الاجراءات بشهادات شهود من قطاعات الجماعة المختلفة في أنحاء الجمهورية الذين أكدوا عدم اعتمادهم لأي من قرارات 30 شعبان بحسب ما ورد في الوثائق من استدراك للدكتور محمد كمال أكد فيه هذه النقطة بتواصله مع أعضاء بمجلس شورى الجماعة، وكذلك فيما يخص 24 عضو بالخارج.
وخلص كمال أيضًا في بيانه إلى بطلان الإجراءات لعدم دعوة عدد 14 عضو من أعضاء الشورى العام وهو أمر أكد عليه الدكتور محمود حسين من قبل بأنه إذا لم يتم دعوة عضو واحد فإن الإجراء مصيره البطلان، كما أن التصويت بالطريقة الإجمالية مخالف للأعراف الإدارية في الجماعة.
مشيرًا إلى التهرب -من جانب مجموعة حسين وعزت وعبدالرحمن- من المطالبة بإطلاعهم على توقيعات أعضاء مجلس الشورى العام على إجراءات 30 من شعبان رغم مطالبتهم بذلك من فترة طويلة، وعليه فإن محمد كمال يطعن بتزوير محضر 30 شعبان وهو ما يترتب عليه عدم إنفاذ القرارات المتخذة فيه من تشكيل لجنة إدارية جديدة ووقف البعض عن العمل والتحقيق مع البعض الآخر وهي القرارات التي أثارت ضجة كبيرة بين صفوف الجماعة.