ترجمة وتحرير نون بوست
منذ 2015، عَبَرَ ما يزيد على مليون لاجئ إلى أوروبا؛ مئات الآلاف منهم من السوريين الفارين من برنامج التطهير العرقي الممنهج الذي ترعاه الحكومة السورية، والذي يقوده ويوجهه، بشكل جزئي، القادة الإيرانيون على الأرض، ويُدعم من القوة الجوية الروسية وضربات المدفعية الثقيلة.
أثار تدفق الأعداد الكبيرة من السوريين الفارين من هذا الرعب إلى أوروبا كافة أنواع الاستجابات، حيث طالبت الحركة اليمينية الألمانية المتطرفة، بيغيدا، بوضع حد لتدفق المهاجرين، حتى عبّر البعض عن قلقهم من تسلسل عناصر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضمن صفوف المهاجرين إلى أوروبا.
بعض السوريين المذنبين بارتكاب جرائم حرب أضحوا في الواقع في قلب القارة العجوز في الوقت الحالي، وبعض من هؤلاء يحوز صلات مع داعش؛ ففي ديسمبر المنصرم اعتقلت فنلندا شقيقين لظهورهما في مقطع فيديو يظهر عملية ذبح أحد المجندين العراقيين الشيعة، وفي يناير هاجم شخص مغربي، ليس لاجئًا، شرطة باريس، وفي عام 2015، تم سجن عضو في الجيش السوري الحر في السويد لظهوره في مقطع فيديو يبين قيامه ضرب أحد الأسرى.
ولكن مع ذلك، فإن الروايات المثيرة للذعر بشأن تسلل مقاتلي داعش إلى أوروبا لشن هجمات إرهابية، كالهجمات المنسقة التي ضربت باريس في نوفمبر من العام الماضي، ليس لها أساس واضح من الصحة على أرض الواقع؛ فمع تصاعد أزمة اللاجئين، باشرتُ بالدخول إلى صفحات وسائل الاعلام الاجتماعية للبحث عن معلومات عن المشتبه بهم، وتمعنت في المواقع العربية وصفحات الفيسبوك، كما تبادلتُ المعلومات مع بعض السوريين.
ما وجدته هو أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين لا يشكلون بالتأكيد تهديدًا على الأمن القومي الأوروبي، ولكنني لاحظت وجود اتجاه مقلق؛ يتمثل باستغلال حوالي 1000 شخصًا من المقاتلين الموالين للأسد، المتورطين في جرائم حرب، لعروض اللجوء السخية.
المقاتلون الذين وجدتهم في أوروبا معرفون باسم الشبيحة، وهم مقاتلون تم تجنيدهم من قِبل شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، لقمع الاحتجاجات التي اندلعت في عام 2011، وتضم صفوف الشبيحة بعض المجرمين المحبوسين بقضايا جنائية، وكذلك بعض السكان المحليين من الأقليات يُنظر إليها على أنها موالية للأسد، وخاصة من العلويين والمسيحيين.
تنامت السمعة السيئة للشبيحة لارتكابهم بعضًا من أسوأ جرائم الحرب إثر تضخم الاحتجاجات في سوريا لتتحول إلى حرب أهلية، سيّما مجازر بانياس وداريا، حيث تم شراء ولاء الشبيحة بالمبالغ النقدية الضخمة وأحيانًا بالمنشطات والمخدرات، ومع استمرار الحرب، أصبح مصطلح الشبيحة يُطلق لوصف جميع الموالين للأسد ضمن كافة المجموعات المسلحة، والآن، وبعد خمس سنوات من القتل، يتكدس ذات الرجال الذين تسببوا بفرار الكثيرين من وطنهم داخل أوروبا مهددين بوقوع الأزمة الأوربية المقبلة.
عند هذه النقطة قد يتساءل البعض لماذا قد يكون هؤلاء الرجال أكثر خطورة من داعش؟ الجواب هو أن الحكومات الأوروبية قد حددت تنظيم داعش، وليس نظام الأسد، كعدو لها، وهذه الحكومات تمحّص بشكل محموم عن أعضاء الجماعة المتشددة، الذين يتم، في كثير من الأحيان، إحباطهم بعد وقت قصير من دخولهم إلى الدول الأوروبية، وبمعنى آخر، عناصر داعش يشكلون تهديدًا أضعف لمجرد أنهم لا يُعطون الفرصة ليصبحوا تهديدًا حقيقيًا، فضلًا عن أنهم، تمامًا كالشبيحة، يلصقون صور وجوههم بغباء في كافة أنحاء شبكة الإنترنت، متلذذين بارتكاب الأعمال المروعة في الأماكن العامة، ولكون الحكومات تسعى خلفهم بنشاط تام، تصبح مهمة تحييدهم بسرعة قبل أن يتمكنوا من إلحاق الضرر أكثر بساطة.
الشبيحة، على الجهة الأخرى، أشخاص غير مرئيين للشعب والحكومات الأوربية إلى حد كبير، وعلينا أن نلوم أنفسنا لذلك، لأن الهاجس الأوروبي يتمحور حول العثور على غيلان “إسلامية” بوجوه ورعة ومخيفة يختبئون بين حشود اللاجئين الرثة، بينما لا يعد الشبيحة عمومًا من المتدينين؛ فهم يرتدون ملابسًا عادية، يحتسون الكحول، يدخنون، ويحبون التقاط صور “السيلفي” المفعمة بالغرور وحضور الحفلات، ولكن الأوروبيين المتعصبين يبحثون عن نقيض هؤلاء الأشخاص تمامًا؛ فالتمحيص والمراقبة ينصبان على المسلمين من ذوي المظهر الإسلامي، وخاصة من بين اللاجئين، كما أن ذم وكراهية الإسلاميين يبدو أمرًا أكثر إقناعًا، فهل كانت صحيفة الديلي ميل لتبيع هذا العدد الهائل من طبعاتها لو كانت تركز على المجرمين الحقيقيين ممن لا يبدون ظاهريًا كمسلمين؟ الجواب ببساطة، لا،لأن الخوف من المظهر الإسلامي هو الذي يحقق المبيعات.
الأسوأ من ذلك يتمثل بأن بعض الشبيحة يحملون علامات تدل على إرسالهم من قِبل مخابرات النظام السوري إلى أوروبا للتجسس على اللاجئين الحقيقيين أو لارتكاب أعمال إرهابية، وهنا لا بد من التذكير بأن النظام السوري هدد في عام 2011 بمهاجمة أوروبا مستخدمًا الموالين المدنيين بصفتهم وكلاء عنه في الداخل الأوروبي.
لذا، وباستخدام موقع الويب الخاص بي، قمت بإنشاء أرشيف خاص للمقاتلين الموالين للنظام الذين حددتهم على وسائل الإعلام الاجتماعي، وإليكم بعض الأشخاص الذين وجدتهم:
ليث أيمن منشدي: وفقًا لصفحته الخاصة على وسائل الإعلام الاجتماعي، والتي حُذفت الآن، ليث هو لبناني- عراقي عاش في دمشق، انضم إلى أحد الجماعات الجهادية الشيعية العراقية العديدة التي جاءت إلى سوريا للقتال لصالح النظام، ربما في صفوف فصيل أبو الفضل العباس، والجدير بالذكر هنا بأن “الجهاديين” الذي يقاتلون في صفوف النظام أكثر من أولئك الذين يحاربون ضده.
حمّل ليث العديد من الصور إلى حسابه الشخصي على الفيسبوك، في إحداها، كان يقف ضمن ما يمكن أن يكون أحد مراكز الاحتجاز مع بندقيته، وحول قدميه تنتشر جثث الرجال الذين يبدو بأنهم قتلوا حديثًا، وفي صورة أخرى قام بنشرها، كان يقف فوق عدد أكبر من الجثث، ومن الملاحظ بأن الزي العسكري الذي يرتديه كان يحمل الشعار الشيعي “نحن هنا من أجلك يا زينب”، وهو الشعار المستخدم لتبرير قتال الشيعة مع السنة، كون الدعايات الإيرانية تزعم بأن السنة سيقومون بتخريب ضريح السيدة زينب المبجل من قِبل الشيعة، أما على تويتر، فنشر صورة له وهو يرتدي الزي العسكري لحزب الله.
في عام 2015 شارك ليث صورة له وهو في الجزر اليونانية، وفي وقت لاحق قام بتغيير مكانه إلى نويشتاد في بريمن/ ألمانيا، مدعيًا بأنه لاجئ “سوري”، وهو أمر غريب بالنظر إلى حقيقة أن أيًا من والديه ليس سوريًا، وبعد أن كُشف حسابه، قام ليث بإغلاقه.
بالمحصلة، وجود مقاتل من حزب الله في أوروبا هو أمر مثير للقلق، كون الأخير سبق له ضرب أهداف مدنية في أوروبا؛ لذ يجدر بنا السؤال، ألا يمكن أن يحمل رجل مثل ليث قليل من التحفظات فقط ة حول قتل الأوروبيين، كداعش تمامًا؟
محمد كنعان: خدم كنعان حول دمشق، ويتمتع بعلاقة ودية مع الأسد، حتى أنه التقى به غير مرة بشكل شخصي، كما يوضح أحد مقاطع الفيديو المنشورة في يناير 2015 والمصورة في بلدة جوبر.
false
يشير النشطاء على الإنترنت بأن كنعان مسؤول عن حوادث تعذيب السجناء والسرقة والقتل عند نقاط التفتيش، كما أنه عمل في بيع السيارات المسروقة.
خاض كنعان العديد من المعارك الرئيسية، بما في ذلك معارك حول الغوطة، وخلال هذه المعارك طوق جيش الأسد مدنًا مختلفة، بما في ذلك مضايا، ومنع وصول أي طعام إلى السكان في ظل سياسة “الركوع أو الجوع”.
في عام 2015 ظهر كنعان في السويد، وبعد أن نشر السوريون صوره على الفيسبوك، ادعى كنعان على حسابه بأن هؤلاء الأشخاص “حثالة” وسيقوم بـ”التعامل معهم”.
محمد العبد الله: يُعرف أيضًا باسم أبو الحيدرين، العبد الله ليس مجرد شبيح عادي، فهو، وفق ما يُظهر زيه ضمن صورة له على وسائل الإعلام الاجتماعية، أحد أعضاء وحدات النخبة، وربما تابع للقوات الخاصة.
يظهر العبد الله في الصور التي نشرها على حسابه المغلق حديثًا في الفيسبوك وهو على خطوط الجبهة الأمامية، وإحدى الصور تتضمن صورة له وهو يدوس على جثث لرجال يرتدون ملابس مدنية.
بحلول عام 2015 وصل العبد الله إلى السويد بصفة “لاجئ”، ويبقى السؤال: ما الذي يفعله عضو مدرب تدريبًا عاليًا من قوات الأسد في أوروبا؟
ادعى ناشطون من موقع مجرمون، وهو موقع عربي يدعي فضح جرائم الحرب التي يرتكبها النظام السوري، بأن العبد الله مشهور بتقطيعه لأوصال الضحايا؛ فعلى الرغم من أن المعروف بأن داعش هي رائدة هذه الفظائع، ولكن الحقيقة هي أن قوات الأسد تذبح وتشوه قبل بزوغ التنظيم بصورته الحالية.
حسام السطوف: أحد أعضاء الشرطة السرية التابعة لنظام الأسد، والمسماة بالمخابرات الجوية في حلب، وهي إحدى أهم الوكالات الاستخباراتية التي يثق بها النظام، ويبدو بأن السطوف كان يعمل مع سفير الأسد لدى الأمم المتحدة، بشار الجعفري، كما تظهر إحدى الصور التي التقطها معه المنشورة على حسابه في الفيسبوك.
ادعى ناشطون ضمن مجموعة على الفيسبوك تسمى “مجرمون وليسوا لاجئين” بأن حسام أُرسل إلى موسكو للتدرب على صنع القنابل، وفي إحدى الصور التي نشرها على حسابه على الفيسبوك يظهر بزيه العسكري وخلفه على الجدار شهادة عسكرية روسية، كما يضيف الناشطون في موقع مجرمون بأن السطوف تقدم بطلب للجوء في ألمانيا، وللوصول إلى هناك، طار على ما يبدو من دمشق التي يسيطر عليها النظام السوري إلى روسيا، وسافر آلاف الأميال على طريق اللاجئين، قبل أن يستقر على ما يبدو في هامبورغ، ويتكهن السوريون بأنه مُرسل إلى ألمانيا لشن هجمات هناك ليتم إلقاء اللوم بها على اللاجئين، والسؤال هنا، ألا ينبغي أن يتطلب صانع قنابل محترف اهتمامًا أكبر عندما يصل إلى أوروبا؟ وألا ينبغي الاهتمام بالصور التي تظهره ضمن السفارة الروسية وضمن المظاهرات حاملًا علم حزب الله؟
صبري كاكو: وصل كاكو وصل مؤخرًا إلى هولندا من حلب كلاجئ، لكن مشاركات وسائل الإعلام الاجتماعية شككت بكونه لاجئًا، مدعية، دون تأكيد، بأن كاكو مشهور في جميع أنحاء حلب بأنه من أوائل الأشخاص الذين انضموا لعصابات الشبيحة، حيث تم إرسال هؤلاء العصابات في بداية الأحداث، مسلحين بالسكاكين والبنادق والهروات، لمهاجمة المتظاهرين.
في إحدى الصور التي تُظهر تجمعًا للشبيحة أثناء مهاجمتهم للمتظاهرين، يظهر كاكو وهو يحمل هراوة، وفي صورة أخرى يظهر في صالة الألعاب الرياضية، وتدل عضلاته بأنه مستخدم دائم للستيرويد.
من المرجح أن كاكو كان عضوًا ضمن مجموعة الشبيحة التي يقودها حمدي ماردلي، الملقب بأبي سلمو، وهو عضو سيء السمعة من ميليشيات الشبيحة، كما تقول وسائل الإعلام الاجتماعية المناهضة للنظام، والذي قُتل في أواخر عام 2013، ويذكر بأن كاكو كان قد نشط في حي الشيخ مقصود بحلب، في فرع الأمن السياسي التابع للنظام هناك.
علاء عادل خليل: هو عضو آخر من قوات النخبة التابعة للنظام السوري، ينحدر من القامشلي وهو بالأساس ملاكم محترف، تطوع خليل ضمن اللجان الشعبية، وهو الاسم الرسمي للشبيحة، ويبدو بأن خدماته لاقت إعجاب رؤسائه، مما أدى إلى نقله ليصبح عضوًا في القوات الخاصة السورية، وهي قوة مؤلفة من نخبة الموالين للنظام، وتمت ترقيته بسرعة؛ وبحلول عام 2012 كان يعمل حارسًا شخصيًا للأسد، كما يتوضح من صورة ملتقطة له من ملف فيديو أثناء إلقاء الأسد لخطابه في ساحة الأمويين.
ارتبط خليل أيضًا بالحرس الجمهوري، وهي القوة العسكرية التي تنحصر عضويتها تقريبًا بالعلويين والمكلفة بحماية الأسد، كما اُتهم من النشطاء المناهضين للنظام في موقع مجرمون بالوقوف خلف مذبحة للسجناء المدنيين عند نقطة تفتيش.
وصل خليل إلى ألمانيا في أواخر عام 2014 بصفة “طالب” فار من الحرب، ولكن مع ذلك تثبت صفحته على الفيسبوك خلاف ذلك، ويشير أحد الأشخاص السوريين الذين أعرفهم بأن خليل يعيش حاليًا في ألمانيا ويدرس هناك، ويزعم بأنه تفاخر بخدمته التي قدمها للنظام عندما تمت مواجهتهـ بما في ذلك الدورة التدريبية التي تلقاها ليصبح قناصًا في روسيا.
من الصعب أن ننكر بأن الشبيحة القتلة ينتمون إلى السجون، لا إلى شوارع أوروبا؛ فطالما أن هؤلاء الأشخاص لا يحوزن أي تحفظات حول الضرب بالهراوات وإطلاق النار على السوريين من جميع الأعمار، فمن غير المرجح أن يؤرقهم ممارسة هجوم على شخص أوروبي أو أكثر، والأمر الأشد إثارة للهلع هو أن العديد من الشبيحة الذين حددتهم يبدو بأنهم يمتلكون صلات مع نظام الأسد، ينفقون من ماله، ويتعاونون مع أجهزة الاستخبارات التي تقف خلفه، مما يجعلهم أدوات محتمله لأعمال عنف مخططة بدقة قد تضرب أوروبا في المستقبل بغية خدمة أهداف الدولة السورية وحلفائها.
الشبيحة يرتكبون بالفعل جرائمًا في الأوطان الجديدة التي حلوا بها؛ فمؤخرًا تم نهب مطعم للفلافل في برلين لرفعه العلم السوري، حيث قام منفذو الهجوم بتشويه العلم وكتبوا على الجدران “سوريا الأسد”، كما تم العثور أيضًا على تهديدات بالقتل، حيث يواصل بعض هؤلاء المجرمين ترويع مواطنيهم، أو يعملون حتى ببيع المخدرات، كما يُقال.
لا مندوحة من القول بأن داعش تشكل خطرًا داهمًا، ولكن الغالبية العظمى من التهديدات الحقيقية التي تواجه الغرب الآن يمكن أن تُعزى بلا جدال لنظام الأسد، وليس لمعارضيه؛ فهل نحن نشعر بالأمان حقًا إذا علمنا بأن الرجال الذي جُندوا للتعذيب والقتل والاغتصاب يجوبون بحرية شوارع أوروبا؟
المصدر: تابليت ماغ