ترجمة وتحرير نون بوست
خلال المسيرات السنوية الاعتيادية التي تخرج في 11 فبراير بمناسبة ذكرى ثورة عام 1979، خرج رجل إيراني واحد على الأقل مرتديًا زي امرأة، حيث وضع شعرًا مستعارًا أشقرًا، ثديين وهميين، وأحمر شفاه، في إسقاط مباشر لحادثة اعتقال جندية أمريكية لفترة وجيزة في الخليج الفارسي الشهر الماضي.
هذا الحدث يمثل جهدًا نموذجيًا مخصصًا لإثارة غضب الولايات المتحدة، ولكنه يمثل أيضًا أحدث محاولة لتقويض جهود الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الساعية لتقديم صورة جديدة لامعة عن بلاده قبيل الانتخابات الحاسمة في 26 فبراير.
يستعد الإيرانيون لحدثين انتخابيين حاسمين يصوتون خلالهما لاختيار البرلمان الإيراني (مجلس الشورى) ومجلس خبراء القيادة، وهي الهيئة التي تراقب المرشد الأعلى للبلاد، آية الله علي خامنئي، وستكون هذه الانتخابات أول انتخابات إيرانية تعقد منذ دول الاتفاق النووي التاريخي مع الولايات المتحدة والقوى العالمية حيز التنفيذ.
روحاني، رجل الدين البالغ من العمر 67 عامًا والذي درس لجزء من حياته في المملكة المتحدة، يعد منذ فترة طويلة جزءًا من النخبة الإيرانية، وهو شخصية مؤسساتية تتمتع بإدراك عميق لخصوصيات وعموميات النظام الإيراني. فاز روحاني برئاسة الجمهورية الإيرانية بنتيجة الانتخابات الرئاسية المفاجئة لعام 2013 باعتباره شخصًا معتدلًا يسعى لتليين السياسات الداخلية والخارجية الإيرانية، واستطاع في بعض النواحي تحقيق نجاحات حقيقية، حيث نجح في توقيع اتفاق بشأن برنامج إيران النووي مع الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية، مما مهد الطريق لتخفيف العقوبات الدولية المفروضة على إيران.
منذ توقيع الاتفاق النووي، دأب المديرون التنفيذيون والقادة السياسيون من جميع أنحاء العالم على زيارة طهران بشكل يومي بغية إبرام الاستثمارات الممكنة واستعادة العلاقات مع هذا البلد الذي يضم خامس أكبر احتياطي للنفط في العالم، حيث تشير الإحصائيات إلى دخول أكثر من 120 وفد تجاري أجنبي إلى طهران على مدى الـ20 شهرًا الماضية، وفي خضم جهوده لترويج بلاده للعالم، زار روحاني فرنسا وإيطاليا، التي تعد أول زيارات يقوم بها رئيس إيراني إلى تلك البلدان منذ 16 عامًا.
ولكن تبين اليوم بأن تحسين الوضع الاقتصادي الإيراني أضحى عملية أكثر صعوبة للغاية؛ فماجد جودة، هو بقال من طهران في الثلاثينيات من عمره، صوّت بحماس لروحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2013، على أمل أن يستطيع المرشح المعتدل كسر عزلة البلاد وتحسين اقتصادها المحتضر الذي يتلوى تحت ضغط آثار العقوبات المفروضة جرّاء برنامجها النووي، ولكنه قال لنا متحدثًا عبر الهاتف من إيران: “في الوقت الراهن لا شيء تحسن نحو الأفضل، الوضع الاقتصادي يسير على نحو سيء”، وأضاف: “من المرجح أن أذهب للتصويت، ولكن البرلمان سيهيمن عليه المتشددون بالغالب”.
كثيرون في إيران والغرب يقللون من أهمية الانتخابات الإيرانية، كون اللاعبين السياسيين في إيران أقسموا بالولاء لخامنئي وللنظام السياسي المبهم في البلاد، والذي يخوّل كبار رجال الدين الشيعيين سلطة مطلقة وغير محدودة، ولكن داخل دوائر النخبة في السلطة، يتصارع الإصلاحيون، المعتدلون، المحافظون البراغماتيون، والمتشددون، على السلطة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979، وفي خضم ذلك، كان للانتخابات في كثير من الأحيان نتائج مهمة، عملت على تحويل وتغيير المقاربات والسياسات المحلية والدولية داخل البلاد.
في ذات اليوم الذي سخر فيه المتظاهرون من الأمريكيين الذين أُلقي القبض عليهم في البحر، حث روحاني الناخبين للخروج بأعداد كبيرة لإرسال رسالة لهؤلاء المتشددين ذاتهم.
“يجب علينا أن نصوّت بـ(لا) لأولئك الذين يريدون أن يديرون ظهروهم للقانون، يجب علينا أن نصوَت بـ(لا) لهؤلاء الذين يميلون لتأجيج النزاعات والتشدد”، قال روحاني في تجمع للآلاف في وسط طهران في فبراير 11، وتابع: “اليوم هدفنا هو بناء رخاء إيران وتطويرها، وهذا لا يمكن أن يتم إذا كانت البلد تعيش في عزلة”.
روحاني، رجل الدين الذي تلقى تعليمه في الغرب والفقيه الذي خدم مرة واحدة ككبير المفاوضين النوويين في البلاد وكذلك كعضو في المجلس الأعلى للأمن القومي، هو سياسي مطلع وماكر سعى طويلًا للعمل داخل النظام لتغيير مسار إيران، ولكن قدرته على تليين إيران، وتحويلها إلى مكان مدفوع بأيدولوجية أضعف ومناسبًا لكل من الطبقة المتوسطة الإيرانية والمستثمرين الأجانب، يتم تحديها وتقويضها بشكل جدي، ومن المحتمل أن يحد ذلك من تأثير نداءاته ويُضعف الآمال في تحقيق نسبة تصويت عالية في الانتخابات، والتي إن حصلت، سترجّح الكفة لصالح معتدلي وإصلاحيي إيران.
تم تحدي جميع الخطوات التي اتخذها روحاني على طريق تعديل المواقف الإيرانية من خلال سلطة المحافظين ضمن القضاء والقوات الأمنية؛ ففي الأشهر التي تم خلالها وضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق النووي وتنفيذه، سعى المتشددون لإظهار ضعف روحاني من خلال شن حملة على جماعات المجتمع المدني والمعارضين، حيث زاد عدد السجناء الذين تم إعدامهم، وتم سجن رجال الأعمال الوطنيين وذوي الجنسية الأجنبية بتهم أمنية واهية، بما في ذلك مستشار الأعمال الإيراني الأمريكي سياماك نامازي، ومستشار الأعمال اللبناني الأمريكي نزار زكا، أما دوليًا، فعمد المتشددون لتصعيد التدخل الإيراني الخطير في سوريا، كما قاموا باقتحام مكتب البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران، واحتجزوا وأذلوا العسكريين الأمريكيين الذين زُعم بأنهم عبروا الحدود إلى المياه الإقليمية الإيرانية.
حث روحاني الآلاف من الإيرانيين للترشح لمنصب الرئاسة في الانتخابات، على أمل ممارسة ضغط على منافسيه المتشددين، ولكن في البداية تم استبعاد حوالي 99% من المعتدلين الذين تقدموا بطلبات للخوض بالانتخابات من قِبل مجلس صيانة الدستور، وبعد ذلك تم إعادة تأهيل حوالي 1500 شخصًا منهم لخوض الانتخابات، علمًا أن التنافس يجري حاليًا للسيطرة على البرلمان، المؤلف من 290 مقعدًا، ومجلس خبراء القيادة، المؤلف من 88 عضوًا والذي يشرف على مكتب المرشد الأعلى.
من المحتمل أن يتوقف نجاح روحاني على قدرته في إقناع ما يكفي من الإيرانيين بأنه يمتلك النفوذ اللازم لتحسين الاقتصاد الذي لا يزال في حالة مزرية، وفي تحسين حياة الناس الذين وجدوا أنفسهم في وجه معضلة تناقص القوة الشرائية للعملة وارتفاع تكاليف الحياة؛ معدلات البطالة في إيران لا تزال مرتفعة، وخصوصًا بين النساء والشباب، التضخم تقلص ولكنه لا يزال متفشيًا، سعر النفط، الدعامة الاقتصادية في إيران، يحوم عند أدنى مستوياته القياسية، كما فشلت الإصلاحات الموعودة في مجال تخفيض البيروقراطية المكلفة في الدولة، جرّاء معارضة المتشددين الذين يميلون للاستفادة منها.
“الوضع الاقتصادي هو أكثر أهمية للناس من سفر روحاني إلى الخارج، فهو المعول عليه لإدلاء المواطنين بأصواتهم في الانتخابات من عدمه” قال أمير خاليجيان، الباحث في المعهد الإيراني للدراسات الاجتماعية والثقافية، وهو مركز أبحاث في طهران.
“الوضع على أرض الواقع يبدو قاتمًا، ولكن هناك وجه آخر متمثل بإمكانية التغيير” قال رامين ربيع، المدير الإداري في شركة تركواز بارتنرز للاستثمار في طهران، والتي تعاونت مؤخرًا وبعد رفع العقوبات مع شركة شارلمان كابيتال لاستشارات الاستثمار في لندن، وتابع: “لا يمر أسبوع واحد دون وجود مستثمرين أجانب هنا”.
ولكن إذا كانت إيران تبدو مستقرة بما فيه الكفاية لجذب المستثمرين الأوروبيين، فهذا الأمر ناجم جزئيًا عن تصاعد لهيب النيران في المنطقة من حولها، التي يعثث فيها متطرفو داعش والحرب الأهلية الطاحنة فسادًا، وعلى الرغم من أن الآمال الدولية تتطلع لمواءمة إيران لسياساتها بشكل وثيق مع الغرب بعد الاتفاق النووي، إلا أنه وعلى كافة الأصعدة، تتجه إيران في الاتجاه المعاكس تمامًا.
عدد الضباط الإيرانيين أو المدعومين من إيران والجنود والمقاتلين الذين يموتون في سوريا يتصاعد بشكل فلكي، ويخشى الكثير من الإيرانيين بأن أفعالهم في سوريا ارتقت لتصبح استثمارًا بالدم السوري؛ مما سيجعل من مهمة انسحاب إيران من دعمها لبشار الأسد، أو تعديلها لمواقفها تجاهه، غير مجدية من الناحية السياسية.
بالإضافة إلى ذلك، كثفت الأجهزة الأمنية، التي يحكمها المتشددون، من قمعها ضد المجتمع المدني في إيران، حيث اعتقلت المئات بتهم سياسية، وتوسلات روحاني لتخفيف الضغط على زعماء المعارضة، كمير حسين موسوي ومهدي كروبي، الإصلاحيان اللذان نافسا الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد في انتخابات عام 2009 المثيرة للجدل، لم تسفر عن أي نتيجة.
جدير بالذكر بأن السياسيين ورجال الدين الإيرانيين احتجوا على تنفيذ المملكة العربية السعودية لحكم الإعدام برجل الدين السعودي المعارض الشيخ نمر النمر، رغم أن إيران أعدمت في العام الماضي وحده 850 شخصًا على الأقل، في ارتفاع تاريخي بمعدل الإعدامات، وما زال يوجد حوالي 160 شخصًا على الأقل من الأحداث الجانحين الذين ينتظرون تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحقهم.
إعطاء الإيرانيين بعض الأمل، مهما كان صغيرًا، بأن بلادهم تسير في الاتجاه الصحيح اقتصاديًا، قد يكفي للحفاظ على حماسة الناخبين وللحفاظ على مستوى الضغط المرتفع على النظام الإيراني، ومن المرجح، بأن قرب موعد الانتخابات كان السبب الذي يقف خلف إبرام الحكومة الإيرانية على عجل لاتفاق مع شركة إيرباص لشراء 114 طائرة جديدة لتحل محل الأسطول المتهالك للطائرات المدنية الإيرانية، فصفقة الشراء الباهظة تلك ستمنح الطبقة الإيرانية الوسطى علامة ملموسة على إمكانية التغيير.
جميع تلك المواقف ستبلغ ذروتها قريبًا؛ فالحملات السياسية الإيرانية تتمتع بعمر قصير نسبيًا، حيث لا تستمر سوى لبضعة أيام فقط بأقصى تقدير، ويميل الناخبون لحسم قرارهم في اللحظة الأخيرة حول رغبتهم بالتصويت من عدمها، وحول المرشحين الجديرين بتلقي أصواتهم، وهو القرار الذي غالبًا ما يتأثر بالأحاديث الشفهية بين المواطنين، وبحملات وسائل الاعلام الاجتماعية.
“الناخبون ينتظرون ليروا ما سيقوله الإصلاحيون قبل حزم قرارهم النهائي” قال خاليجيان، وأضاف: “إذا كان بامكانهم تأجيج موجة اجتماعية، فسيؤدي ذلك إلى دعم الحكومة بدفعة هائلة”.