ميزان المدفوعات مؤشر على قوة الاقتصاد الوطني

uae-imports-exports-and-re-exports

لطالما سمعنا في نشرات الأخبار أن ميزان المدفوعات لدولة ما سجل خسارة بمقدار معين أو كان سالبا، سنحاول في هذه المقالة أن نبسط قدر الإمكان هذا المفهوم الغاية في الأهمية.

قدم صندوق النقد الدولي (مرجعا لميزان المدفوعات) للدول من أجل توحيد الطريقة والمنهج في النظم الإحصائية الخاصة بالمعاملات الخارجية في العالم. وقد تم تعريف الميزان في المرجع بأنه: “بيان إحصائي يوفر بأسلوب منهجي منظم ما يجري من معاملات اقتصادية بين اقتصاد معين والعالم الخارجي خلال فترة زمنية محددة”، والمتعارف عليه بين دول العالم أن الفترة الزمنية هي سنة.

ووفقا لهذا التعريف يتبين أن الميزان يشكل نافذة ومرآة للاقتصاد الوطني على الاقتصاد العالمي وبالعكس، لإنه يسجل كل العمليات الاقتصادية التي تربط بين الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي بعلاقات تبادلية تتضمن حركة انتقال السلع والخدمات ورأس المال.

وله أهمية بالغة على مستوى التحليل الاقتصادي لأي دولة لكونه يعكس درجة تداخل الاقتصاد المحلي بالاقتصاد العالمي فضلا عن أن ما يدرج فيه من معاملات اقتصادية إنما يعكس من حيث المحتوى هيكل الإنتاج وقوة الاقتصاد الوطني وقدرته التنافسية ومدى استجابته لتطور قوى الإنتاج دوليا.

وهناك جملة من الفوائد لهذا الميزان من حيث أنه يعطي نظرة وافية بحساب مختصر يضم جميع المعاملات المتعددة بين المقيمين في الدولة وباقي أنحاء العالم بشكل اجمالي وموجز، كما يستخدم لوصف حالة العلاقات الاقتصادية للدولة وكشف إن كانت الدولة مدينة أم دائنة ومن فوائده أيضا أنه يوفر فرصة لتقييم آثار تخفيض قيمة العملة.

وعليه فإن ميزان المدفوعات يعد مصدرا غنيا بالمعلومات المتعلقة بأداء الاقتصاديات على المستوى الدولي ويتيح لصناع القرار إمكانية الوقوف على القدرة التنافسية لاقتصادات بلدانهم وتقييم سياساتهم العمومية المؤثرة في المبادلات مع الخارج في عدة مجالات منها السياسة التجارية والسياسة الصناعية والسياسة النقدية واستقطاب الاستثمارات الأجنبية.

فإذا كان الميزان التجاري المتعلق بالسلع يعاني من رصيد سالب فهذا يعني أن قيمة الورادات تفوق قيمة الصادارت وهو ما يعكس ضعفا في قدرة المنتجات المحلية على منافسة المنتجات المستوردة من الخارج في السوق المحلية وعجزا في الولوج إلى الأسواق الدولية.

كما يمكن أن يعبر العجز التحاري إلى سوء في القيمة الصناعية من حيث تخصص البلد في تصنيع المنتجات ذات القيمة المضافة الضعيفة أو الاكتفاء باستغلال الموارد الطبيعية وتصديرها إلى الخارج دون أي تحويل في خاميتها.

وعلى صعيد العمليات المالية يفيد الميزان بإعطاء نظرة عن مدى ثقة الأجانب في الاقتصاد الوطني وقدرته على استقطاب الاستثمارات.

كما تعطي قراءة ميزان المدفوعات القدرة على فهم الأبعاد الكامنة وراء أرقامه من أجل تلمس الاتجاهات التي يسير إليها الاقتصاد وفرصة لإعادة توجيه السياسات بما يضمن تصحيح الاختلالات وتعزيز الاختيارات الصائبة في السياسة الاقتصادية الكلية للدولة.

يمكن إدراج الالتزامات المالية بين دول العالم تبعا للعلاقات الاقتاصدية القائمة بينها إلى التجارة السلعية (صادرات واستيرادات) و تجارة في الخدمات وحركة رأس المال وهي تشمل القروض بأنواعها الطويلة والقصيرة الأجل وحركة الاستثمارات المباشر بين دول العالم.

وقد عرف العالم تاريخيا عدة طرق لتسوية المدفوعات الدولية نذكر منها: التسوية عن طريق الذهب أو العملات القابلة للتحويل إلى ذهب، ومن ثم التسوية بالعملة القيادية أو المقبولة للتداول عالميا في التسويات الدولية، وآخر طريقة هي التسوية عن طريق المقاصة الثنائية أو المتعددة وهذه الطريقة تقوم بها البنوك والمؤسسات المالية التي تتجمع لديها مختلف الحسابات من مختلف المصادر التي تزدوج فيها أوضاع الدائنية والمديونية.

ومن الناحية العملية تسوى جزء كبير من المدفوعات بين دول العالم عن طريق المقاصة فيما يسوى الجزء الآخر المتبقي من خلال التحويلات المتفق عليها عن طريق الأوراق المالية مثل الكمبيالات والحوالات المصرفية والاعتمادات المصرفية.

وبناء على توصيات صدنوق النقد الدولي تم هيكلة ميزان المدفوعات لتنظم البيانات في حسابين رئيسين هما: حساب المعاملات الجارية(الحساب الجاري) وحساب رأس المال والعمليات المصرفية.

1– المعاملات الجارية أو الحسارب الجاري وتتضمن حركة الاستيارد والتصدير للسلع والخدمات وينقسم إلى أربعة أجزاء:

السلع: أي العمليات المتعلقة بتبادل السلع وهي ثلاثة أنواع: البضائع العامة، والسلع المستوردة بدون أداء والمعاد تصديرها بعد التحويل، والسلع المقتناة في الموانئ والمطاارت .

الخدمات: يحتوي على سبعة بنود للخدمات تتمثل في النقل والأسفار وخدمات الاتصال وخدمات التأمين ورسوم الامتياز والتراخيص وأنواع أخرى من الخدمات المقدمة للمقاولات والخدمات الحكومية.

الدخل: هي العمليات التي تخص مداخل عوامل الانتاج (العمل ورأس المال)، كالأجور ومعاشات التقاعد مثلا بالإضافة إلى عائدات الاستثمار في الأسهم والسندات وغيرهما من الأصول وفوائد الدين الخارجي.

2– التحويلات الجارية تتعلق بتحويلات المغتربين المقيمين في الخارج وتحويلات الأجانب المقيمين داخل البلد.

حساب رأس المال ينقسم إلى عمليات رأس المال والعمليات المالية، أما الأولى فهي تشمل تحويلات المغترين الذين يتركون بلاد المهجر ويعودون الى بلدانهم الام بشكل نهائي والتحويلات المتعلقة بالمغادرة النهائية للأجانب المقيمين سابقا. والثانية تشمل كل العمليات التي تخص الاستثمارات المباشرة والاستثمار في حافظات الأوراق المالية والقروض الممنوحة للمؤسسات العمومية والقطاع الخاص على حد سواء والودائع المصرفية وبالاضافة إلى الاحتياطي النقدي الموجود في حوزة المصرف المركزي للدولة.

3– الفارق الإحصائي الذي يسمح بموازنة ميزان المدفوعات نظرا لإمكانية حصول خطأ أو سهو في تسجيل بعض البيانات في المصدر.   

ربما لا يهم القارئ هيكلة ميزان المدفوعات أو طريقة حسابه، ولكن الذي لابد من معرفته هو حالة ميزان المدفوعات في البلد الذي نسكن فيه فيما إذا كان موجبا أو سالبا فإن كان سالبا فهذا يعني أن الدولة مدينة، وفي هذه الحالة على الدولة أن تسعى لموازنة الميزان من خلال استغلال موارد الدولة بأفضل الطرق الممكنة بالإضافة إلى حسن استخدام السياسة المالية والنقدية لضبط الميزان وتحقيق الفائض أو التوازن إن أمكن.