أعلنت السلطات السعودية الجمعة الماضية قرار قطع مساعدات بأربعة مليارات دولار عن دولة لبنان بسبب ما أسمته السعودية مواقف “حزب الله” من المملكة، تلك الأموال التي كانت مقررة من السعودية لتسليح الجيش اللبناني عن طريق فرنسا بثلاثة مليارات دولار، بالإضافة إلى إيقاف ما تبقى من مساعدات المملكة المقررة بمليار دولار المخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني.
حيث أكدت السعودية فيما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” على دعمها التاريخي للبنان، وكان آخر ذلك الأمر ما أعلنته من دعم للجيش اللبناني وقوات الأمن الداخلي حرصًا منها على ما يحقق أمن لبنان واستقراره ويحافظ على سيادته، ورغم هذه المواقف المشرفة، فإن السعودية تقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة حزب الله اللبناني لإرادة الدولة، بحسب ما نقلت الوكالة عن مصدر سعودي.
حيث أشار المصدر في حديثه للوكالة إلى ما حصل في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي من عدم إدانة الاعتداءات على سفارة السعودية في طهران والقنصلية العامة في مشهد والتي تتنافى مع القوانين الدولية والأعراف الدبلوماسية، والتي حظيت بتنديد من كافة دول العالم، ومن مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية الأخرى، فضلا عن المواقف السياسية والإعلامية التي يقودها حزب الله في لبنان ضد السعودية، وما يمارسه من “إرهاب” بحق الأمة العربية والإسلامية.
رأت السعودية هذه المواقف من وجهة نظرها بالمؤسفة والغير مبررة، ولا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين، ولا تراعي مصالحهما، وتتجاهل كل المواقف التاريخية للمملكة الداعمة للبنان خلال الأزمات التي واجهته اقتصاديًا وسياسيًا، وعليه قامت السعودية بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع لبنان بما يتناسب مع الموقف الحالي.
أتبعت السعودية ذلك الأر أمس الثلاثاء بتحذير لمواطنيها من السفر إلى لبنان، وحثت المتواجدين هناك على المغادرة، ونقلت وكالة الأنباء عن مصدر مسؤول بوزارة الخارجية أن الوزارة تطلب من جميع المواطنين عدم السفر إلى لبنان حرصًا على سلامتهم، كما تطلب من المواطنين المقيمين أو الزائرين للبنان المغادرة وعدم البقاء هناك إلا للضرورة القصوى مع توخي الحيطة والحذر والاتصال بسفارة المملكة في بيروت لتقديم التسهيلات والرعاية اللازمة.
السعودية قررت من خلال هذه الإجراءات معاقبة لبنان التي تخضع إرادتها السياسية لسيطرة حزب الله اللبناني بشكل أو بآخر كونه تابع لإيران الغريم الإقليمي للمملكة، ولا يمكن فصل هذا المشهد عما يحدث إقليميًا في اليمن وسوريا تحديدًا من مواقف لحزب الله، بينما تُكافئ السعودية دولة السودان بحزمة مساعدات اقتصادية وعسكرية في الوقت نفسه بعد التماهي التام للنظام السوداني مع السياسة السعودية الإقليمية لا سيما في اليمن وسوريا.
لتنطلق التحليلات التي تتوقع أن الدور قادم على مصر في هذه الإجراءات العقابية تبعًا لسياسات السعودية في تصنيف حلفائها وأعدائها حاليًا، أبرز ما نُشر في هذا الصدد كان لهيئة الإذاعة والتلفزيون الألمانية، “دويتشه فيله” DW “، وهو عبارة عن تقرير على موقعها الالكتروني نقل وجود توقعات لدى عدد من المراقبين بقطع السعودية قريبًا دعمها المالي عن مصر.
كما تساءل التقرير عقب قرار المملكة قطع الدعم المالي عن لبنان إن كان الدور القادم سيكون على مصر، التي تقف مواقف مختلفة عن السعودية إلى حد كبير تجاه الملف السوري، والتي أبرزته مؤخرًا بتفضيل الحل السياسي على الحل العسكري في سوريا، وهو عكس ما تحضر له السعودية في الأونة الأخيرة.
وبحسب التقرير الألماني، فإن الدعم الخليجي لمصر لن يكون بلا نهاية، بسبب الموقف المصري تجاه الملف السوري الغير مشجع بالنسبة للسعودية، التي تبدو غير راضية عن المواقف المصرية الرسمية، رغم عدم وجود موقف رسمي واضح بذلك الأمر.
أمر صحيح أن المواقف الرسمية المصرية خذلت السعودية على الصعيد الإقليمي في الفترة الأخيرة، لا سيما الدور المصري الضئيل في القضية اليمنية والذي يلم يقدم الدعم العسكري الكافي للسعودية في اليمن، وكذلك تجاه الأزمة السورية حيث فضلت مصر الحل السياسي في الوقت الذي كانت تستعد فيه السعودية لحل عسكري بالتزامن مع إعادة النظام المصري لعلاقاته مع نظام الأسد، وتبني وجهة النظر الروسية في المنطقة بعد حدوث تقارب بين مصر وروسيا مؤخرًا، وهو الأمر الذي يُقلق المملكة.
كل هذه المواقف لا يمكن أن تقود إلى ما حدث في لبنان، ولنها يمكن أن توتر العلاقة أو تحدث بعض الهوة فيها، إلا أن شراكة السعودية مع المؤسسة العسكرية المصرية أعمق من ذلك بكثير، وهو الأمر الذي ظهر عقب انقلاب الثالث من يوليو بالدعم الاقتصادي والسياسي للنظام الوليد، على عكس فترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي التي قللت السعودية فيها من الدعم لمصر في شتى النواحي.
فالسعودية في مصر لا تدعم تيارًا بعينه كما يحدث في لبنان أو غيرها، وإنما تفضل أن تدعم الجيش بكيانه لا بأشخاص داخله، لذلك فإن الشراكة الاستراتيجية هذه تمنع اتخاذ السعودية موقفًا مشابهًا لما اتخذته في لبنان.
خير دليل على ذلك الأمر كان في شهر ديسمبرمن العام الماضي، حينما وجه العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، بمساعدة مصر في تلبية احتياجاتها البترولية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وزيادة الاستثمارات السعودية في مصر، لتصل إلى أكثر من 30 مليار ريال سعودي.
لا يمكن إنكار وجود تباين في المواقف الإقليمية لدى مصر والسعودية إلا أنه لا يمكن أن تؤدي إلى توجيه ضربات اقتصادية إلى مصر كالإجراءات التي وجهتها السعودية إلى لبنان التي تعاني اقتصاديًا وسياسيًا في هذه المرحلة، فالأمر مختلف في حالة العلاقات المصرية السعودية والتي يُفضل فيها مسؤولو البلدين عدم الإفصاح عن خلافاتهم.
يُعبر عن هذا الأمر الكاتب السعودي المقرب من دوائر السلطة السعودية، جمال خاشقجي، باستبعاده طلب السعودية من مصر تغيير موقفها في سوريا حيث قال: “من غير اللائق في العلاقات طلب شيء مقابل شيء آخر، ثم إن الموقف السعودي الذي أعلن أكثر من مرة عن خشيته وحرصه على مصر وعن أهميتها بالنسبة للسعودية، وكما قلت فإن مصر لا تزال دولة صديقة للسعودية”.
وأضاف خاشقجي: “لم يصدر عن أي مسؤول سعودي أي تعبير بشأن عدم الرضا أو المتطلبات”، لافتًا إلى أن “موقف المملكة تجاه لبنان مختلف عن موقفها تجاه مصر، ولا يوجد ربط بين هذا وذاك”. وذكر أن: “موقف لبنان حيال السعودية والقضية السورية يختلف تماما عن الموقف المصري. فالموقف المصري مستقل، بينما الموقف اللبناني غير مستقل بل محارب “في إشارة لتبعية حزب الله لإيران” كما أن السعودية لم تعد تستطيع قبول تقديم مساعدة لبلد تنطلق منه سياسات عدائية تجاهها، قولا وفعلا”، حسبما تعبيرات خاشقجي.
كذلك يمكن قياس الأمر على الموقف السعودي من جماعة الإخوان المسلمين مؤخرًا والذي أغضب القيادة المصرية، حيث قررت السعودية أن تؤخر مواجهة جماعات الإسلام السياسي في مقابل تصعيد المواجهة مع إيران، وهو ما لا تراه القاهرة على سلم أولوياتها.
فهذا يُعد نموذجًا حيًا للخلاف الذي لم يؤثر على العلاقة الاستراتيجية بين السعودية والمؤسسة العسكرية التي تحكم في مصر، والتي تدعمها السعودية بكل ما أوتيت من قوة وترفض إسقاط حكمها بأي شكل من الأشكال، وقد ظهر ذلك جليًا في رفضهم لقيادة مصر عبر رئيس مدني منتخب كالرئيس السابق محمد مرسي، في الوقت الذي دعموا فيه الثورة المضادة في مصر لتغيير هذا النظام بعد عام واحد فقط، لتعود الدفة إلى المؤسسة العسكرية التي دعمتها السعودية بمليارات الدولارات من أجل تثبيت نظامها الجديد.